قال تعالى : {إذا السماء انفطرت، وإذا الكواكب انتثرت، وإذا البحار فجرت وإذا القبور بعثرت، علمت نفس ما قدمت وأخرت}( الانفطار: 1)
خذ حذرك أيها الإنسان، واستعد ليوم الانقلاب الكوني العظيم، حين تنفطر السماوات وتتشقق وتتصدع وتتزلزل على عظمتها وقوتها، واقرأ معي {فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا السماء منفطر به كان وعده مفعولا}.
ثم انظر إلى هذه الكواكب العظيمة، والمجرات الكبيرة، والنجوم المضيئة، وهي تتساقط كأوراق الشجر في فصل الخريف، وتتناثر هنا وهناك كحبات عقد انفرط سلكه، فتتابع سقوط نظامه, وصارت تحمله الرياح من مكان إلى مكان.
وأنت تعلم أن النجم الواحد قد يعادل كوكبنا الأرضي عشرات المرات ولكنه أمر الله الذي لا مرد له، ولا مفر منه. {وإذا النجوم انكدرت} : أي تساقطت وتناثرت وتهافتت كأنها ذرات تراب متهالكة.
ثم انظر إلى هذه البحار الغزيرةالماء وهذه المحيطات البعيدة القعر، انظرإلى كثرتها، وانظر إلى شدة بأسها وتلاطم أمواجها، ثم تأمل : {وإذا البحار فجرت} إنه انقلاب الكون يوم القيامة، حينها يذهب ماؤها، وتجف أرضها، وتنضب أنهارها، وتصير أرضا قاحلة جرداء كأن الماء لم يكن فيها يوما {وإذا البحار سجرت} أي يبست وذهب ماؤها فلم تبق منه قطرة!! بل ربما تحولت في هذا الانقلاب الخطير إلى جمر يتوقد، ونار تتأجج، إن فسر قوله تعالى : {سجرت} ب : أوقدت كما قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما.
ثم انظر بعد ذلك إلى بعثرة القبور {وإذا القبور بعثرت} أي قلبت ظهرا لبطن، وأخرجت من فيها من أهلها أحياء {خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر} {ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون}.
وفي غمرة هذا الانقلاب الشديد المهول العظيم الخطر، تندك الجبال الشم، وتنهار الأوتاد الراسيات، فإذا هي كحفنة من صوف {القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة يوم يكون الناس كالفراش المبثوث، وتكون الجبال كالعهن المنفوش} أو ككومة من حبات الرمل المتهالكة {وكانت الجبال كثيبا مهيلا}.
وترى هذه الأرض التي نمشي اليوم على ظهرها، تراها وقد ضعفت فلم تعد قادرة على حمل أحد، فقد تصدعت وتشققت وتزلزلت {يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا} {إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها وقال الإنسان مالها يومئذ تحدث أخبارها بأن بربك أوحى لها} ويسوى كل شيء بالأرض في لحظات، حتى تصير{قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا} لا أثر فيها لمنخفض ولا مرتفع.
إنه الانقلاب الذي ينتظرنا جميعا أنا وأنت والآخرون، ها قد عرفناه، فماذا أعددنا له؟؟
جاء رجل إلى النبي فقال : متى الساعة يا رسول الله؟ قال : وما أعددت لها؟ إن الساعة آتية لا ريب فيها. وذلك الانقلاب الخطير واقع لا شك فيه، لكن ما الذي أعددناه من سبل النجاة من تلك الأهوال؟ وما الذي قدمناه من أسباب النجاة من تلك الأخطار؟ وما هي إلا لحظات حتى تعلم ما قدمت يداك. وما أسلفت من أعمال {علمت نفس ما قدمت وأخرت} إن خيرا فخير، وإن شرا فشر {هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق}.
عن صمام بن إسماعيل عن العلاء قال : حدثنا رجل قال: كنت بمكة فلما صليت العشاء إذا رجل أمامي قد أحرم في نافلة، فاستفتح {إذا السماء انفطرت….} قال فلم يزل فيها حتى نادى منادي السَّحر، فسألت عنه، فقيل لي هو سعيد ابن جبير”(1)
رحم الله سعيدا، فقد ذاق وعرف، فخاف وبكى، وكان من أمره ما كان.
امحمد العمراوي
———–
(1) فضائل القرآن لأبي عبيد القاسم بن سلام ص 70، والتبيان : 109