كتاب في مقال – من قضايا التجديد  الاسلامي المعاصر قراءة في كتاب: “أدوات النظر الاجتهادي المنشود في ضوء الواقع المعاصر”


أولا: دلالات وإشكالات

> أ – دلالات :

يحدد المؤلف ابتداء مفاهيمه البارزة في العنوان وهي : “أدوات” “النظر الاجتهادي” ويقصد بالادوات: مجموع العلوم والمعارف المكتسبة التي تؤهل حائزها لممارسة النظر الاجتهادي، والنظر الاجتهادي هو “عبارة عن العملية الذهنية المنهجية التي يبذلها الشخص المتمكن من أدوات علمية معرفية معينة في عصر معين بغية التوصل إلى فهم سديد للمراد الإلهي من وحيه الثابت أحكاما ومقاصد من جهة، وقصد الوصول إلى فهم دقيق للواقع الإنساني المتغير الفردي والمجتمعي من جهة أخرى، وهي عملية يصطحب فيها الناظر أمرين :  الأول فهم النص الشرعي في مقاصده ومعانيه السامية، وفهم الواقع الانساني الدائم التغير والتبدل لضمان حسن تنزيل النص على الواقع المتغير سعيا للوصول الحقيقي بين الماضي والواقع.

> ب – إشكالات:

ينطلق المؤلف في دراسته هذه بدافع الاسهام في معالجة قضايا التجديد في الفكر الاسلامي المعاصرة، هي قضايا تولدت عنها إشكالات فكرية ومنهجية عويصة اختلفت  فيها الآراء اختلافا شديدا. وأهم هذه الاشكالات هي : كيف نعيد قراءة وفهم تراثنا الفكري؟ ما الذي ينبغي إعادة النظر فيه، هل المضمون المعرفي أم المنهج؟ الاصول ومبادئ الاجتهاد أم الفروع والوسائل؟ هل أدوات النظر الاجتهادي التي ضبطها علماء الأصول قواعد وادوات منهجية معيارية، أم أنها أدوات تاريخية مرتبطة بمشكلات وقضايا عصرها السياسية والفكرية والاجتماعية….؟

هذه الاشكالا ت وغيرها شكلت أحد الهموم الفكرية في عصرنا الحديث وتباينت حولها الآراء بين موقفين بارزين هما :

الأول : يؤمن أربابه بأن دائرة النظر الاجتهادي المنشود ينبغي لها ألا تتجاوز البحث عن حلول إسلامية للأزمات والنوازل المعاصرة بنفس المنهجيات والوسائل والأدوات المعرفية التي استخدمها السلف في حل سائر مشاكلهم، اقتناعا بأن هذه الوسائل والأدوات المنهجية هي أدوات معيارية، وآلات للنظر فوق تاريخية ثابتة لا ينبغي مساسها إِن ْبتغيير أو بتعديل أو بمراجعة جذرية (ص: 9- 10).

الثاني : يؤمن أصحابه بضرورة ممارسة النظر الاجتهادي بإعادة النظر والمراجعة ليس في المضامين وحدها بل في الأدوات المعرفية ومناهج البحث أيضا باعتبار أن كلا من المضامين المعرفية ومناهجها هي وليدة ظروفها التاريخية وتشهد على  مدار القرون والعصور تطورا وتبدلا وتغيرا ولا تكون ثابتة مستقرة على  أمر العصور” (ص 10).

فأين يضع الكاتب مشروعه التجديدي ضمن التيار الأول أم الثاني؟ وكيف ينظرلأدوات الاجتهاد الشرعي أهي ثابتة أم متغيرة؟ قابلة للتجديد وإعادة النظر فيها وفق تطور كل عصر ومجتمع أم لا؟

ثانيا : محتويات

هذه الأسئلة تدخلنا مباشرة إلى محتويات الكتاب، إذ لا يخفي  المؤلف انتماءه للتيارالثاني القائمة أسسه على القول بتاريخية الفكر الاسلامي في مضمونه المعرفي والمنهجي، لذلك يدعو المؤلف إلى  “إعادة قراءة الأدوات المؤهلة لممارسة النظر الاجتهادي المنشود في ضوء الواقع المعاصر، وإبراز أثر التغيرات الفكرية والعلمية والاجتماعية على  تشكل تلك الأدوات وتناميها وتطورها عبر تاريخ الفكر، وذلك قصد الاستغناء عن الأدوات التي لم يعد واقعنا المعاصر بحاجة إليها، لكونها ظرفية نشأت تلبية للتحديات الفكرية التي كانت سائدة في القرون الغابرة، والهدف الأساس من هذه القراءة هو تجاوز الطرح التقليدي المكرور للأدوات المؤهلة للنظر الاجتهادي بوصفه طرحا متجاهلا التحديات والنوازل الفكرية والعلمية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية (ص12) وبناء على ذلك فإن الضرورة تقتضي مواكبة الادوات لطبيعة تلك النوازل والأزمات.

وتأسيسا على هذا المنطلق في التجديد وإعادة قراءة التراث الأصولي الاسلامي عامة وأدوات النظر الاجتهادي خاصة جاءت مضامين الكتاب على  شكل تحقيب تاريخي لتطور علم أصول الفقه وشروط الاجتهاد وضوابطه عبر عصوره من النشأة إلى  التأسيس إلى عصرنا الحاضر مبينا في كل مرحلة الادوات التي تم تجاوزها والاستغناء عنهاوالأدوات التي تم استحداثها لظهور الحاجة إليها وقد مكن هذا التحقيب التاريخي بحسب القرون من تتبع تطور أدوات الاجتهاد وملاحظة أثر الظروف الاجتماعية والفكرية والسياسية وإبراز حقيقتين على  الأقــل همـا :

الاولى : استغناء أهل العصر اللاحق عن بعض الشروط والأدوات التي اشترطها أهل العصر السابق، وهذا الاستغناء فيه دليل على مراجعتهم لهذه الأدوات وفحصهم لها لتبين المناسب وإعماله وتبين غير المناسب وإهماله.

الثانية : إضافة أهل العصر اللاحق بعض الشروطوالادوات الجديدة التي لم يشترطها  أهل العصر السابق، وفي هذه الإضافة دليل على  عدم كفاية المنهج المعرفي السابق كفاية تامة لاستيعاب مشاكل جديدة، وفيه دليل أيضا على  مراعاة علماء كل عصر لظروف عصرهم ومواكبة تطوارته معرفيا  ومنهجيا والتلاحم مع واقعهم بحسب ما يقتضيه من النظر الاجتهادي المناسب.

حتى إذا وصلنا إلى عصرنا الحاضر وجدنا المؤلف يشترط أدوات  النظر الاجتهادي الجديدة التي بإمكانها تأهيل الفقيه المسلم إلى أداء دوره الاجتهادي المنشود بكفاءة ونجاح، ولن يتم له ذلك إلا بالتأهيل في علم أصول الفقه واللغة العربية وعلم الخلاف وعلم المقاصد والعلوم الإنسانية المعاصرة، كما أنه لن يتأهل حق التأهل إلا بإعادة النظر في مفهوم الاجتهاد الفقهي عن طريق إخراجه من دائرته الضيقة التي عرفها تاريخ الفقه وهي دائرة فقه العبادات والمعاملات إلى الانفتاح على فقه أرحب يستوعب كافة مجالات الحياة المعاصرة لمشاكلها الفكرية ونوازلها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وعن طريق إخراجه من دائرة الاجتهاد الفردي الذي هيمن على الفقه قرونا إلى دائرة الاجتهاد الجماعي ومن المحلي إلى  الإقليمي فالاممي وتفعيله عبر المجامع العلمية والفقهية المتخصصة في الاجتهاد الشمولي في كافة النوازل والتحديات المعاصرة حتى نكون أقدر على تحقيق قيومية هذا الدين على واقعنا المعاصر(ص86) عبر فقه الدين وفقه الواقع وفقه التنزيل.

إذن فما هي الخلاصات والنتائج التي توصل إليها المؤلف عبر هذا البحث الفكري ذي المنهج التاريخي والاجتماعي في خطوطه العريضة؟

ثالثا : خلاصات

انتهى الكاتب إلى نتائج منها :

- ضرورة توسيع مفهوم الفقه ليشمل جميع النوازل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتاريخية والبيئية الفردية والجماعية، القطرية والاممية(ص185).

- ضرورة تطوير مضامين التعليم ومناهجه حتى يتحقق تجديد الفقه وأدواته، من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وتجديد التعليم مادة ومنهجا يقتضي انتقاء المفيد ماضيا وحاضرا عبر مراجعة تراث السلف والانفتاح على  معطيات العلوم المعاصرة دقيقة وإنسانية ولغوية حتى لا نسقط في الفصام النكد بين الدين والواقع (186-187)

- التأكيد على أن تطوير ادوات النظر ينبغي ألا يتوقف لدوام تجدد النوازل واختلا فها من عصر إلى آخرمما يستدعي دوام المراجعة للسابق وإنشاء الجديد المناسب (ص188).

- الدعوة إلى تفعيل أدوات الاجتهاد المعاصر بنقله من الطابع الفردي إلى الطابع الجماعي والمؤسساتي. ومن المحلي إلى الإقليمي والأممي الواسع (ص190) لأن الأمة الاسلامية اليوم تعيش إشكالات حضارية حادة وإن اختلفت أمصارها وتستوجب الانتهاض الجماعي والتنسيق المشترك بين الجهود واستثمار تقنيات العصر في البحث والتواصل والاعلام.

رابعا : ملاحظات

كما سبقت الاشارةفإن مشروع الكاتب التجديدي يندرج ضمن مشاريع النهوض والتجديد الاسلامي المعاصر. ويعد الكتاب الذي بين أيدينا لبنة في صرح هذه المشاريع التي لم يخل منها عصر من عصور الاجتهاد الا سلامي ابتداء من  الامام الشافعي وابن حزم والغزالي والامام الشاطبي وابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية، وصولا إلى المرحلة الحديثة والمعاصر مع جمال الدين الأفغاني ومحمدعبده ورشيد رضا وحسن الترابي ويوسف القرضاوي وغيرهم كثير.

  > قراءة : ذ. الطيب الوزاني

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>