عن المفيد مرة أخرى


طلع علينا في بداية هذه السنة الدراسية مؤلف جديد يحمل عنوان : “المفيد في اللغة العربية” للسنة الأولى من التعليم الثانوي الإعدادي، حيث أثار ردود فعل متباينة. وتتميما لما دأبت جريدة “المحجة” الغراء على نشره منذ الأسابيع الماضية، نورد هذه الإضافة المتواضعة، التي ستحاول مساءلة الكتاب عن الشيء الجديد فيه، وما الذي حمله للناشئة في مطلع القرن الحادي والعشرين.

لعل أول ملاحظة هي أسماء المؤلفين، إذ يلاحظ أن لجنة التأليف مكونة من أساتذة التعليم الثانوي، وهذا ليس عيبا، إنما العيب في إقصاء ذوي الخبرة والدربة في الميدان -أي أساتذة التعليم الثانوي الإعدادي-، أما ما يتعلق بمقدمة الكتاب، فمن النافلة القول إن المقدمة أضحت بوصفها نصا موازيا ذات أهمية داخل الفضاء النقدي الأدبي، وتبرز أهميتها في كونها تساعد إلى جانب النصوص الموازية الأخرى : “على التعرف على محيط النص، والإلمام بمقاصد مؤلفه وكيفية تلقيه من قبل جمهور القراء عموما”، حيث إن مقدمة “المفيد” مختزلة بشكل يجعلها غير حاسمة في تفسيره وتقديمه للتلاميذ والأستاذ على حد سواء.

أما بخصوص مكونات الكتاب المدرسي، فيلاحظ -إلى جانب ما ذكر في مقالات سابقة- أن أسئلة التطبيقات لا علاقة لها غالبا بالنص التطبيقي، إضافة إلى تغييب الإبداع المغربي فيما يخص هاته النصوص. أما على مستوى النصوص الوظيفية والمسترسلة فيلاحظ غياب الفنون النثرية المعروفة (الرسالة، المقامة، الخطبة…) هذا ينضاف إلى غياب النصوص المسرحية، ولا يخفى على أحد دور هاته الأخيرة في إبراز قدرات المتعلم وتحريره من الخجل والتنفيس عنه… إضافة إلى غياب نصوص علمية تتطرق إلى بعض المواضيع الآتية : (السيدا، السارس، الاستنساخ).

أما على مستوى القراءة الشعرية (أو ما كان يصطلح عليه ب “المحفوظات”)، فنلاحظ غياب الأغراض الشعريةالقديمة : (الزهد، الحكمة، الرثاء…)، إضافة إلى غياب النصوص الشعرية القديمة، سواء أكانت إسلامية أو أموية أو عباسية.. ولعل الملاحظة الأهم هي غياب نصوص تتطرق إلى بعض القضايا الوطنية والعربية الإسلامية الراهنة : (قضية سبتة مليلية، الصحراء المغربية، فلسطين المحتلة، العراق المحتل…)، هذا إضافة إلى عدم الموازنة بين النصوص العمودية والأشكال الشعرية الأخرى: (موشح، شعر حر…)، كما نلاحظ تغييبا للمحفوظ الشعري بصفة عامة.

أما بالنسبة لمكون التعبير والإنشاء، فيكفي أن نذكر أن المهارات المقترحة لا تلبي حاجيات التلميذ، إضافة إلى أنها تفوق مداركه، كما أنها -أي المهارات- غيبت الإنشاء الشفهي.

أما على مستوى التوثيق، فهناك ضعف واضح في هذا المجال، إذ تم الاكتفاء بذكر اسم المبدع والمرجع 28 مرة، واسم المبدع فقط 14 مرة، واسم المرجع 6 مرات، بينما ذكر المبدع والمرجع والصفحة مرة واحدة.

أما ما يتعلق بالمبدعين، فنلاحظ حضورا للأسماء المعروفة والمتداولة، عكس ذلك هناك تهميش المفكرين والمبدعين المعاصرين، وكذا القدامى، إضافة إلى تكرار بعض الأسماء : (طه حسين، محمود تيمور، عبد المجيد بن جلون، محمد الحلوي).

أما على مستوى الجدة التي انتظرناها بفارغ الصبر، فلا يسعنا إلا أن نقول -وبكل تواضع- إن المفيد -في غالبية مواده- ماهو إلا اجترار لكتب مدرسية سابقة، وللتحقق من ذلك يمكن العودة إلى : “الجديد في المطالعة الثانوية  ج : II-ت : عمر توفيق سفر آغا”، أو “النصوص الأدبية للسنة الخامسة الثانوية -ت : جماعي”، وهلم جرا…

كما نسجل عدم مواكبة الكتاب المدرسي للمستجدات الطارئة في كل مجالات المعرفة، حيث يسير الكتاب الحالي على نهج : “كل جديد قديم في عصره”.

ونختم هذا المقال بما قاله علي ] : “أكثر الناس نجاحا، من استمسك بالقديم ما دام نافعا، واعتصم بالجديد متى ثبتت جدارته وتأكد تفوقه”.

ذ. محمد أبحير

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>