في الحاجة إلى منهاج النبوة في الإصلاح للعودة إلى الذات


لقد تبين منذ عهد ليس ببعيد، أن المرأة أصبحت العنصر المستهدف بشكل ملحوظ في المجتمع الإسلامي من قبل الكائدين لهذه الأمة ولهذا الدين، من اقتلاع لجذور أصالتها وهويتها والدفع بها باتجاه ما يسمونه الحداثة النسوية. فأصبحت الخلاعة في نظر العديدات شكلا من أشكال بناء النموذج الحداثي للمرأة القابل للتكيف مع متغيرات الألفية الميلادية الثالثة.

والمتتبع للمخططات التغريبية المعاصرة يتبين له بوضوح أن المرأة التي يتم الحديث عنها وعن نموذجها في مخططاتهم ما هي إلا صورة مشوهة لنموذج المرأة الغربية التي فقدت كل وجوه أنوثتها وكيانها وشخصيتها. وتزداد الصعوبة حدة كلما نظرنا إلى بنات جيلنا من أهل المجتمع الإسلامي المعاصر، اللواتي يغرقن كل حين في أوهام الحداثة المزعومة التي تعدهن بالحرية والمساواة والمزيد من الحضور في المجتمع الليبرالي الجديد. فهل يملك أي داعية ما القدرة على إقناع بنات هذا الجيل بالحجاب مثلا؟ وكيف له أن يثبت فيهن سيرة الصالحات، وأن يغرس فيهن بذور ثقافة الأصالة ويجتث من داخلهن سلوك الانحراف الديني والعقدي والتربوي؟ بل وهل باستطاعته العمل على إعادة لفهن بثوب الأنوثة والأمومة والمسؤولية؟

قد يهب الله جل جلاله هذه الاستطاعة لأحدهم، من أولئك الذين سخرهم جل جلاله وقيضهم لإصلاح حال الأمة كلما زاغت عن الطريق، لكن الحمل ثقيل والزاد قليل والتضييق على مثل هؤلاء يزداد يوما عن يوم. فما أحوج بنات جيلنا إلى دعاة يبشرون أكثر مما ينفرون، وييسرون أكثر مما يعسرون، ويأخذون بيد الجميع إلى صفاء الإسلام ورحمته وإنسانيته وعدله وإحسانه، فما فسد تدين الكثيرات إلا بسبب سوء فهم هذا الدين، والخلل في تقديمه من قبل الكثيرين ممن نصبوا أنفسهم دعاة وقضاة في الآن نفسه على هذه الأمة؛ ففشلت دعوتهم لإصلاح حالنا لفشل منهجهم في الاستيعاب والتوجيه والترشيد، وظلت دعوتهم قاسية لبنات هذا الجيل، التائهات بين خيار المحافظة على  الهوية والعيش في دوامة المعاصرة. وكلما ازداد تكفيرهن والتضييق عليهن واعتبارهن مجرد ضلع أعوج، خرجن عن الصراط المستقيم، الشيء الذي يجعلنا نقول، وبكل صراحة وجرأة، إن بعض الدعاة كانوا سببا في فساد تدين بنات هذا الجيل وانحرافهن وخروجهن عن منهاج الله.

إن هذا الضرب من المنهج الدعوي يزيد الطين بلة إذا ما وضعنا المرأة المعاصرة في مواجهة الخطط التغريبية المعاصرة التي تبشرها بالحرية والمساواة وتقدم لها الحلول لمشاكلها، بل وتفك شخصيتها من إسار الارتباط للهوية التي تفقدها حريتها في اعتقادها. فالشركات المتعددة الجنسية العابرة للقارات تسخر أموالها لخدمة المرأة المعاصرة، من خلال دور الأزياء والتصميمات والتجميل والوزن المثالي لكل سنة؛ ومجلات تواكب أخر الصيحات في عالم الأنوثة واللباس والتفنن في محاربة عبث السنين ببشرة الوجه والعنق؛ ناهينا عن البرامج المتعددة للخلاعة التي تتنافس عليها الكثير من القنوات العربية لخدمة المرأة وجمالها والأغاني المصورة(الفيديو كليب)، حيث الكلمات الساقطة والفارغة المعنى، والرقص المجاني الذي يصور المرأة العربية وكأنها خلقت لتظل راقصة.

وأمام كل هذه الإغراءات، وأخرى يندى لها الجبين، نتساءل مجددا: أثمة إمكانات لإصلاح حال بنات جيلنا ودعوتهن لاتباع منهاج الله؟ وهل باستطاعة أولي أمورهن الإسهام على الأقل في التخفيف من حدة الخدوش التي تتركها في كل حين ثقافة العولمة الليبرالية الجديدة التي تقتل في المسلمين روح مجاهدة كل عوامل التشبث بمنهاج الله؟

إن بنات جيل الألفية الثالثة يحتجن إلى من يقودهن إلى بيت الرسول صلى الله عليه وسلم بكل لطف وحنان ومودة ورحمة، عساهن يتعرفن على المرأة التي أخرجها الله جل جلاله على يديه من جاهلية الثقافة الطينية إلى نور الإسلام، ويتعرفن -عن قرب- على رحابة الإسلام ورحمة شرعته؛ وكيف حرر الإسلام أنوثة المرأة وجعلها مكرمة في بيت أبويها وبيت زوجها وبين أبناء مجتمعها. فلا حاجة لنا بكتب تعلمنا الثورة على هذه الأنوثة والمساس بكرامة شخصيتها، ولكن حاجتنا إلى دعاة من طينة خاصة يفتحون أعيننا على صورة المرأة في عصر الرسالة، فلا نموذج يقتدى به إلا نموذج الرسول صلى الله عليه وسلم: هذا النموذج الذي لا نجده عند الكثيرين ممن نصبوا أنفسهم دعاة، فقهروا المرأة واستعبدوها بأسلوبهم الذكوري بدل تحريرها من سلطة المخلوقات، من أولئك الذين يعتبرون أنفسهم من طينة الفرقة الناجية، وأنهم هم وحدهم أصحاب الصراط المستقيم، فكانوا معسرين ومنفرين وقاسين في أحكامهم على المرأة.

فما أحوج بنات جيلنا لدعاة من جيل مدرسة النبوة الشريفة، أولئك الذين تعلموا بين يدي الوحي الرباني أن النساء شقائق الرجال، وفقهوا جيدا وصية الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع حينما أكد مرارا “استوصوا بالنساء خيرا”.

إن معركة الهوية والأصالة والاستقلالية على أشدها في عالمنا الإسلامي، وبداخل هذه المعركة حينا وعلى هامشها حينا آخر، تصارع بنات هذا الجيل كل عوامل الذوبانفي ثقافة تغريبية واسعة النطاق تتحرك كالطوفان الهائج. فمن يأخذ بيدنا كي لا نغرق؟ ومن يساعدنا على  الرجوع إلى جادة الصواب؟

أم ستدفعنا مواقف بعض الدعاة إلى المزيد من الابتعاد عن حقيقة الإسلام ومنهاجه لنرتمي بين أحضان الثقافة التغريبية التي تعتمد أسلوب الإغراء؟

هذا جزء من أسئلة كثيرة تطرحها الكثيرات من بنات جيلنا، وما كن ليطرحنها لولا رغبتهن الدفينة في  العودة إلى الذات؛ لكن من يأخذ بيدهن في زمن الإغواءات والشهوات المادية؟

حــنــان زعـيـتــر

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>