خطب منبرية – وحــدة الأمـــة الإســلامـيـة


… ومن يضلل الله فلن تجد له وليا مرشدا، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خصنا بخير كتاب أنزل وأكرمنا بخير نبي أرسل ورضي لنا الإسلام دينا وجعلنا بالإسلام خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، وأشهد أن سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا ومعلمنا وقائد دربنا محمد بن عبد الله أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فمن يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا. {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها} و{من شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم}. اللهم صلّ وسلم وبارك على هذا النبي الكريم وعلى آله وصحابته، وأحينا اللهم على سنتهم واحشرنا في زمرتهم  مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

أما بعد فيا أيها الإخوة المسلمون:

يسعى الإسلام بأحكامه وشرائعه وتوجيهاته إلى تكوين الإنسان الصالح، وتكوين الأمة الصالحة.

حديثنا اليوم عن الأمة التي يكونها الإسلام. الإسلام لا يكتفي بأن ينشئ فردا صالحا في نفسه داعيا إلى غيره ولكنه يسعى إلى أن تكون هناك أمة تحمل رسالته إلى العالمين تشيع رحمة الله العامة في الناس جميعا. فالإسلام يسعى إلى توحيد المعبود وتوحيد العابدين. الأمة التي يريدها الإسلام أمة واحدة: يقول الله تعالى {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا} {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} أمة: أمة واحدة ذات شعوب متعددة. قال الله تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا} لهذا لا يحسن أن تقول الأمم الإسلامية ولكن قل الأمة الإسلامية والشعوب الإسلامية، هناك أناس يمارون في هذه الحقيقة، ويقولون لا توجد أمة إسلامية، ولكن توجد أمة عربية وأمة تركية وأمة كردية وأمة إيرانية وأمة ماليزية وأمة هندية إلى آخر هذه الأمم. ونحن نقول إن الأمة الإسلامية حقيقة وليست وهما، هي حقيقة دينية. إن الله سبحانه وتعالى سمى المسلمين حيثما كانوا عربا كانوا أو عجما، بيضا كانوا أو سودا، في مشرق أو مغرب، سماهم أمة. أمة وسطا، خير أمة أخرجت للناس، هذه الأمة صنعها الله، {وكذلك جعلناكم أمة…} أمة أخرجت للناس.  أخرجها مخرج، الله الذي أخرجها لتهدي الناس وتنفع الناس وتخرج الناس من الظلمات إلى النور. الله سماها أمة، هذه الأمة أمة بمنطق الدين، الله الذي جعلها أمة وأمرها بالوحدة ونهاها عن التفرق والتنازع {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعدما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم} لا تكونوا من المشركين {من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء} المسلمون ينبغي أن يكونوا أمة واحدة، هكذا أراد الله لها، ولما لا تكون الأمة أمة واحدة وربها واحد {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون} {وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون} كأنما يشير إلى أنه لا تتم العبادة وتكمل التقوى إلا بالتوحيد، ربها واحد، ورسولها واحد، رسولها محمد عليه السلام، كلها تعلن هاتين الشهادتين أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، تسمعها كل يوم في آذانها خمس مرات وفي إقامتها الصلاة، وفي تشهدها، ويجمعها جميعا كتاب الله، لا يختلف في ذلك اثنان، السنة والشيعة، كلها تقول: “ما بين الدفتين كلا م الله” من سورة الفاتحة إلى سورة الناس، لا خلاف بين مسلم ومسلم، أن هذا كله كلام الله، الذي لا يأتيه الباطل من بين يده ولا من خلفه، {تنزيل من حكيم حميد} إذا كان هناك بعض الشيعة يقولون هناك زيادات، هذا يرده المحققون منهم، ويكفي أن المصحف الذي طبع في قطر ويطبع في السعودية ويطبع في باكستان هو نفسه الذي يطبع في إيران. هذا المصحف مرجع المسلمين جميعا، كتابهم واحد، كل الكتب حرفت وبدلت وغيرت تغييرا لفظيا وتغيرا معنويا، إلا القرآن، ولا يمكن أن يضيع هذا القرآن أو يبدل أو يحرف وهناك ألوف وعشرات الألوف ومآت الألوف يحفظون القرآن يخزنونه في صدورهم، لا يخرمون منه حرفا ولا يسقطون منه كلمة، حتى رأينا عجبا، رأينا الأعاجم الذين لا يفهمون كلمة من العربية يحفظون هذا القرآن، هذه الأمة ربها ونبيها واحد وكتابها واحد، وقبلتها واحدة، كلها تتجه كل يوم خمس مرات إلى البيت الحرام {وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره}، الكعبة تجمعهم، لذلك هناك من يقول هؤلاء أهل القبلة، قبلتهم واحدة، شريعتهم واحدة، إذا  بحث المسلم عن الحلال والحرام، عما يجوز ومالا يجوز يرجع إلى  الشريعة وإلى علماء الشريعة، الشعائر العبادية واحدة، الصلاة، الصيام، الزكاة، الحج، كلها واحدة.

إذا أذن المؤذن في أي بلد من البلاد، حي على الصلاة، حي على الفلاح، سارع المسلمون، سواء كان في آسيا، أو إفريقيا، أوربا،في أمريكا، استراليا، سارع للاستجابة لنداء الله، ووقف الناس في المسجد صفوفا صفوفا. زالت بينهم الفوارق، كان الشيخ عبد المعز عبد الستار حفظه الله، يسمي المساجد “مصانع التوحيد” تصنع التوحيد بين المسلمين، يدخلها الناس أجناسا وألوانا وطبقات، فتصهرهم المساجد ويخرجون منها إخوانا متحابين، من سبق إلى مكان فهو أحق به، لا يوجد في المسجد، إن الصف الأول للوزراء، والصف الثاني لوكلاء الوزراء، والصف الثالث لمديري العموم، والصف الرابع… لا… لا يوجد هذه التفرقة، هذه المساجد مصانع تصهر المسلمين في بوتقة واحدة توحد مشاعرهم، وتوحد مسالكهم، وتقفهم جميعا بين يدي الله خاشعين، لا فضل لأبيض على أسود، ولا لعربي على عجمي، ولا لغني على فقير ولا لمتعلم على أمي، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى. {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} الصلاة توحد بين المسلمين، وكذلك كل الشعائر، الصيام، حينما يأتي الفجر، يمسك المسلمون عن الطعام والشراب والنساء، يجوع أحدهم لله ويظمأ لله، فإذا غربت الشمس وأذن المؤذن، أفطروا جميعا، وحل لهم ما كان محرما عليهم، شعائر واحدة، الحج، يظهر فيه هذا التوحيد أكثر وأكثر فالناس كثيرا ما يتفرقون بالمظاهر والأزياء والملابس، وبعض البلاد لها أزياء خاصة، وبعض الفئات لها أزياء خاصة، المشايخ لهم زي، والصناع لهم زي،… حينما يذهبون إلى الحج يخلعون أزياءهم التي تميز بينهم، ويلبسون ثيابا، في غاية السهولة والبساطة والتواضع، أشبه ما تكون بأكفان الموتى، يلبسها الملك، ويلبسها الخفير، يلبسها أغنى الناس وأفقر الناس، كلهم في رداء واحد وشعور واحد وحذاء واحد، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. المسلمون شعائرهم واحدة.

إذا أكل يأكل باليمين، يبدأ طعامه باسم الله ويختمه بالحمد لله، لا يأكل الميتة والدم ولا لحم الخنزير، آداب مشتركة، حتى إذا عطس، قال الحمد لله، تقول له يرحمك الله، يرد عليك يهديكم الله ويصلح بالكم. آداب واحدة، منهج واحد، وغاية واحدة، الغاية هي الله {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} والمنهج واحد هو ما شرعه الإسلام من أحكام وقيم وآداب في العبادات والمعاملات السلوكيات {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} هذه هي الأمة الإسلامية أمة بمنطق الدين، والتاريخ، ظلت الأمة واحدة، أكثر من ثلاثة عشر قرنا، مرجعيتها واحدة، هي الشريعة، وطنها واحد هو دار الإسلام. قائدها واحد هو خليفة المسلمين وأمير المؤمنين، ظل   هذا مرعيا إلى سنة 1924 حينما ألغى الخلافة الإسلامية التي تجمع المسلمين تحت راية العقيدة -ألغاها- الطاغوت كمال أتاتورك، منطق التاريخ يقول المسلمون كانوا أمة واحدة، منطق الجغرافيا، أنظر إلى الخريطة، تجد العالم الإسلامي جغرافيا متصلاً بعضه ببعض، رقعة متواصلة لأن الإسلام كان يمتد امتدادا طبيعيا، من بلد إلى بلد ويزحف كما يزحف النور.

أمة بمنطق المصلحة المشتركة والمصير المشترك، المصلحة المشتركة تحتم علينا أن نكون أمة، وخصوصا أن أعداءها ينظرون إليها باعتبارها أمة واحدة.

الآن الحرب التي تشن على المسلمين، تشن على المسلمين جميعا، لا فرق بين سني وشيعي هم ينظرون إلى إيران كما ينظرون إلى السعودية، هم يريدون تغيير المنطقة كلها، تغيير المنظومة القيمية للمنطقة، بحيث نفكر كما يفكر الأمريكان، ونشرب كما يشرب الأمريكان ونسلك كما يسلك الأمريكان ولا يوجد من يخالف الثقافة الأمريكية والسياسة الأمريكية والسلوك الأمريكي، لا يريدون أن يؤمنوا بظاهرة التنوع، وظاهرة التنوع ظاهرة كونية {اختلاف ألسنتكم وألوانكم} {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرج به ثمرات مختلفا ألوانها و من الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود، ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك}.

التنوع ظاهرة كونية، هؤلاء يريدون أن يقاوموا سنن الله في الحياة وفي الكون وفي الإنسان، يريدون أن يصهروا الناس جميعا ليكونوا أمريكيين، في الفكر، وأمريكيين في الثقافة، وأمريكيين في الاتجاه وفي السلوك. والله خلق الناس مختلفين، {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزلون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم} قال المفسرون، لذلك: أي للاختلاف خلقهم لأنه خلقهم متغايرين في الفكر ومتغايرين في الإرادة، فلا بد أن تختلف اتجاهاتهم، لو شاء لله لجعلهم نسخة واحدة مثل الملائكة، إنما أعطاهم الله حرية الاختيار وحرية العقل والتفكير، لابد أن يختلفوا، هؤلاء لا يؤمنون باختلاف الناس، يريدون أن يطبعوا الناس بطابع واحد، المسلمون حينما كانوا أقوى أمة في الأرض، لم يفرضوا على الناس أن يكونوا نوعا واحدا لم يفرضوا عليهم دينهم ولم يفرضوا عليهم ثقافتهم وفلسفتهم إلا إذا قبلها الناس من أنفسهم، وشاركت في بناء الحضارة الإسلامية ثقافات وأجناس شتى من الأمم وبقوا على دينهم وعلى فلسفاتهم وعلى مذاهبهم وعلى ثقافاتهم المختلفة هؤلاء لا يقبلون ذلك، يريدون أن يصير الناس كلهم قطيعا واحدا، وراء هذا الراعي الذي يمسك بعصاه ولا يسمح لأحد أن يخرج عن هذا القطيع.

المسلمون أمة واحدة، بمنطق أعدائهم، بمنطق المصير المشترك بين الجميع، الآلام المشتركة، والآمال المشتركة، والمصالح المشتركة، كل هذا يحتم على المسلمين أن يتحد بعضهم مع بعض، وأن يتلاحم بعضهم مع بعض وأن يتكتل بعضهم مع بعض. العالم في عصرنا يتكلم بلغة التكتل، لا مكان في عالمنا المعاصر للكيانات الصغيرة الكيانات الصغيرة لا تستطيع أن تعيش إلا إذا اعتمدت على غيرها وإنما تعيش الكتل الكبيرة، ولذلك نرى الناس يتناسون خلافاتهم ويتجمعون. للأسف نرى العالم كله يتقارب والمسلمين وحدهم يتباعدون، الكاثوليك والبروتيستانت الذين جرت بينهم حروب رهيبة ومجازر سقط فيها مآت الألوف وربما ملايين من الناس على توالي العصور، أرادوا أن يتقاربوا وينسوا هذا التاريخ. حتى اليهود والنصارى، كان اليهود أعداء النصارى طوال التاريخ واليهود كانوا متهمين بأنهم شاركوا في قتل المسيح وصلب المسيح كما يعتقد النصارى، ولكنهم منذ عدة سنين أصدر الفاتيكان وثيقة لتبرئة اليهود من دم المسيح، يتقربون إلى اليهود، الناس يتقاربون دينيا، ويتقاربون إيديولوجيا، رأينا أيام الصراع بين السوفيات والمعسكر الغربي، ما يسمونه بالتعايش السلمي يتقارب بعضهم مع بعض، المصلحة اقتضت هذا. الآن أوربا كونت من بين دولها اتحادا رغم ماكان بينها من صرا عات، من يقرأ تاريخ أوربا في القرون الأخيرة يجد حروبا دموية، قتل فيها من قتل وسفكت فيها دماء وأزهقت فيها أرواح وخربت ديار بدوافع دينية أحيانا ودوافع قومية أحيانا، ودوافع مصلحية وسياسية أحيانا، وآخر هذا الصراع الحربان العالميتان في النصف الأول من القرن العشرين، اللتان قتل فيهما ملايين، بل عشرات الملايين، ثم رأت أوربا من المصلحة لجميع دولها أن تتكتل وينضم بعضها إلى بعض، وتتلاحم في صورة اتحاد وأن ينسوا المآسي الماضية والخلافات السابقة.

هكذا رأى القوم، هذا هو شأن العقلاء، ونحن المسلمين الذين نجتر الخلافات الماضية، ونحاول دائما أن نشعل النار، وأن نصب الزيت على النار، وأعداؤنا يستغلون نقطة الضعف هذه فيثيرون بيننا دائما ما يفرق الجمع، ما يبعث الفتن بين بعضنا البعض، في بعض البلاد يثيرون الخلافات الدينية، مثلا في بلد مثل مصر يقولون مسلمون وأقباط، أحيانا يثيرون خلافات جغرافية، مثل السودان الشمال والجنوب، وأحيانا خلافات عرقية كما في الجزائر والمغرب عرب وبربر، أو عرب وأكراد في العراق، وأحيانا يثيرون خلافات مذهبية، مثل سنية وشيعية وأحيانا خلافات إيديولوجية مثل ثوريين ورجعيين، أو يمينيين ويساريين إلى آخره. لا بد أن يثيروا ما يفرق بين الأمة بعضها البعض، وكل تفرقة هي في صالحهم وليست في صالحنا، هم يفرقون ليسودوا، ويمزقون ليأكلوا، فرق تسد شعار معروف عندهم من قديم، لا تستطيع أن تأكل الرغيف لقمة واحدة إنما تقطع الرغيف لقما لقما لتزدرده وتبتلعه بسهولة، هكذا يفعلون بنا ونحن نستجيب. الأمة الإسلامية ينبغي أن تعرف هذا الأمر وتعرف لغة العالم اليوم، لو لم يوجب عليها دينها أن تعتصم بحبل الله جميعا ولا تتفرق، لأوجبته المصالح المشتركة، والمصير المشترك، لأوجبه منطق العصر، إن تلاحم الأمة فيما بينها فريضة وضرورة، فريضة يوجبها الدين، وضرورة يحتمها الواقع، نقول هذا للعرب وللمسلمين في كل مكان، دعوا الأمور التي تفرق بينكم، واذكروا ما يجمعكم دائما، اذكروا الجوامع المشتركة، القوا سم المشتركة بينكم وهي كثيرة، خصوصا أننا في محنة، الناس إذا كانوا في عافية وفي رخاء، وفي أيام انتصارات لهم أن يختلفوا، وإن كان هذا ليس مطلوبا ولا مقبولا في أي عصر ولكن ممكن أن يختلف المنتصرون والمعافَوْن، أما الذين يعيشون في الشدائد والمحن الكبرى والمصائب المتلاحقة، وتصوب إليهم السهام من كل جانب، هؤلاء لا يجوز لهم أبدا أن يتفرقوا، لابد أن يقف بعضهم بجوار بعض. فعندما تقوم المعركة يجب أن نسقط الخلافات الجانبية، وننسى المعارك الجزئية، ولا يبقى إلا صوت المعركة عاليا، كما قال الله تعالى {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص} إن هناك فتنا تريد أن تمزق هذه الأمة هناك في العراق الآن يريدون أن يثيروا فتنة بين السنة والشيعة، نحن نحذر المسلمين جميعا، سنة كانوا أو شيعة، أن يستجيبوا لوساوس الشياطين شياطين الإنس وشياطين الجن، يجب أن يعلو على هذه الوسوسات التي تفرق الجميع. الفرقة دمار على الجميع، هم يريدونها حربا دينية، لم يكتفوا بالحرب التي وقعت بين إيران والعراق، وظلت سنين طويلة، ولكن كان طابع هذه الحرب قوميا، كأنها حرب بين العرب والفرس، ولكن يريدونها الآن حربا دينية، سنة وشيعة. يجب أن يقاتل بعضهم بعضا ويجب أيها الإخوة أن نفوت عليهم الفرصة، يجب أن يقف العراق صفا واحدا ليحرر أرضه ويعيش مستقلا ويطرد الاحتلال، هذا ما يجب على الأمة جميعا.

يجب علينا أن نساندهم في هذا، هناك محاولة لضرب الفلسطينيين بعضهم ببعض، السلطة في ناحية والمقاومة في ناحية أخرى، وقد نصبوا لهم  مكيدة، هي ما سموه خارطة الطريق، واشترطوا فيها تصفية المقاومة، وجمع السلاح، شرط عجيب جدا معناه أن يقاتل الفلسطينيون بعضهم بعضا، بدل أن يقاتل الفلسطيني المحتل، الذي يحتل أرضه ويدمر بيته، ويقتل أباه وأخاه وابنه وزوجته، بدل أن تتجه الرصاصات إلى صدر العدو المحتل، تتجه إلى صدر أخيه، هذا ما نحذر منه الفلسطينيين، وهم إلى الآن أدركوا المكيدة، ووقفوا لها، ونرجو أن يظلوا على هذه الحكمة وعلى هذه اليقظة، ولا يسمحوا لأنفسهم يوما أن يضرب بعضهم بعضا، النبي عليه السلام قال في حجة الوداع “لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض” هذا شأن الكفار، شأن أهل الجاهلية، والذين كان يضرب بعضهم رقاب ووجوه بعض، أما المسلم فهو أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله ولا يتخلى عنه، بل يفديه بنفسه، يعرض صدره للرصاص ليحمي أخاه، {إنما المؤمنون إخوة، فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون} المسلمون  أمة هكذا أراد الله لهم، أمة وسطا، خير أمة أخرجت للناس، أمة واحدة، وحدت بينها الغايات، والمناهج والعقائد والشرائع والقيم والعبادات والآداب والمعاملات، وحدت بينها المصالح والمصائر والآلام والآمال، وحدها الأعداء وهم ينظرون إليها، باعتبارها أمة واحدة، من الدار البيضاء إلى جاكرتا، إسرائيل تكيد كيدها لباكستان، لماذا لأنها أصبحت تملك مفاعلا نوويا كما تملك هي، ولكن لا يجوز للمسلمين أن يملكوا مفاعلا نوويا أو قنبلة نووية، إسرائيل تعامل باكستان كما تعامل البلاد العربية، هم ينظرون إلى هذه الأمة أمة واحدة فينبغي أيها الإخوة أن يضع كل منا يده في يد أخيه وأن لا نسمح لمن يفرق بيننا، قد نختلف في أشياء كثيرة، ولكن لنتعاون فيما اتفقنا عليه، ونتسامح فيما اختلفنا فيه، ونقف في المعركة صفا واحدا، وإلا هناك خطر كبير، أن يجتمع أعداؤنا ونتفرق نحن، وفي هذا يقول الله تعالى: {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

د. يوسف القرضاوي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>