في زمن تغلبت فيه الفتن والشهوات، وتغلفت فيه القلوب والنفوس بطبقات هائلة من من العلل والخبائث، لعل أظهرها للعيان وأطفاها على سطح مجتمعاتنا الإسلامية الحسد والبغض والكبر والاستعلاء والفساد، وما خفي ربما كان أعظم، في هذا الزمن يحق لنا أن نقف مع أنفسنا وقلوبنا المرة تلو المرة لنضبط اتجاهنا ومسارنا ونجدد البيعة لله ورسوله خشية المضي في طريق الضلال ونحن نظن أننا نحسن صنعا باتباعه . ذلك أن فتن الدنيا تعترض طريقنا لا محالة ولا فكاك منها إلا بمواجهتها بقلب سليم ينكرها ويعرض عنها عسى أن نكون من الناجين يوم القيامة مصداقا لقوله تعالى: {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم} (الشعرا : 88- 89) . فالقلوب كالأجساد تتعرض لمختلف الأمراض والعلل، ومن واجبنا عليها أن نقيها منها ونجنبها إياها، وإذا مُست بأي شكل من الأشكال أن نسارع إلى تطهيرها حتى تظل بيضاء نقية وتلقاه عز وجل سليمة معافاة بإذنه تعالى . وقد أخبرنا رسولنا الكريم عما تفعله الفتن في القلوب، قال حذيفة بن اليمان رضي اللع عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “تُعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودا عودا، فأي قلب أُشربَها نُكتتْ فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نُكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تعود القلوب على قلبين : قلب أسود مُربادا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أُشرب من هواه . وقلبٍ أبيض فلا تضره فتنةٌ ما دامت السماوات والأرض” .ولما كانت المرأة أرق عاطفة وأكثر تأثرا فإنها ربما كانت أسهل انقيادا واتباعا للفتن والأهواء فتنتشر النقط السوداء في قلبها حتى يسود والعياذ بالله ويسهل بالتالي نشر الفساد والانحلال في المجتمع، لأن المرأة أكثر تأثيرا من الرجل وأشد تأثيرا عليه، وبخاصة حين تكون في موضع الأم والحبيبة .فحذاري من أي نقطة سوداء وسارعي إلى غسلها بالاستغفار وبالتعلق أكثر بالله وسقي زهرة الإيمان في قلبك . روى الإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري رضي اللع غنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “القلوب أربعة: قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر، وقلب أغلف مربوط على غلافه، وقلب منكوس، وقلب مصفح . فأما القلب الأجرد فقلب المؤمن فيه نوره، وأما القلب الأغلف فقلب الكافرين، وأما القلب المنكوس فقلب المنافق عرف ثم أنكر، وأما القلب المصفح فقلب فيه إيمان ونفاق فمثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب، ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح والدم، فأي المادتين غلب على الأخرى غلب عليه” . وإذا كان سبيل كل من الأنواع الثلاثة الأولى معروفا فأخشى ما أخشاه أن تكون قلوب أغلب نسائنا في هذا الزمن المغبر من النوع الأخير مصفحا، وأن تكون أقرب للنفاق منها للإيمان، وأن يكون هذا من أسباب البلاء والذلة والخنوع التي نعاني منها .