إلى الذين يبعدون الإسلام عن مواقع الحياة، ويلحقون المناهج الدراسية بالغرب: – الدين يبارك السياسة فى “إسرائيل”


العبارة التي قالها الحاخام عوفاديا يوسيف في بدايات انتفاضة الأقصى “اقتلوا العرب على كيف كيفك” لم تأت عفوية، وإنما جاءت معبرة عن الحرب المعلنة داخل المجتمع الإسرائيلي ضد العرب والفلسطينيين من خلال أكثر الأنظمة المؤثرة على الرأي العام أهمية، وهو المناهج التعليمية و النظام الدراسي السائد في الدولة العبرية. وطبقاً لأحدث الدراسات والتقارير التي أعدها مركز (مراقبة تأثير السلام)، فإن كتب المدارس الإسرائيلية وحتى قصص الأطفال تصور الشعوب العربية عامة والفلسطينيين منهم على وجه الخصوص أنهم “قتلة” و”مستهترين” و”رجعيين” و”غير منتجين”ل

قاعدة الانطلاق: المناهج الدراسية:

تقول “مورين ميهان” إحدى الباحثات بالمركز في تقريرها الذي أعدته خلال شهر سبتمبر عام 1999 بهذا الشأن وتم نشره تحت عنوان (الكتب الدراسية الإسرائيلية وأدب الأطفال تثير العنصرية والكراهية تجاه العرب والفلسطينيين)، تضيف: “إن تشويه صورة العرب والفلسطينيين بات قاعدة في المدارس الإسرائيلية أكثر منه استثناء”. كما أجرى “دانيال بار-تال” الأستاذبجامعة تل أبيب دراسة تضمنت 124 كتاباً دراسياً في مجالات الأدب والتاريخ والجغرافية والتربية الوطنية في مراحل التعليم المختلفة داخل إسرائيل، وتوصل إلى أن مجمل الكتب الدراسية الإسرائيلية تقدم نظرية مضمونها أن اليهود يخوضون حرباً لا بد منها ضد عدوهم العرب الذين يرفضون فكرة قبول أن لليهود حقا في الحياة والتعايش في إسرائيل. يقول بار-تال: “إن كتب المراحل الأولى من التعليم تلجأ إلى وصف الأفعال التي يقوم بها العرب بأنها “عدائية” و”منحرفة” و”غير عادلة” و”لا أخلاقية”، ويقصدون من وراءها ذاء اليهود والقضاء على دولة إسرائيل، وعادة ما توجد ألفاظ صريحة لوصف العرب بأنهم “قتلة” و”عطشى للدماء” و”لصوص”. ويضيف: “إن المناهج الدراسية الإسرائيلية خلال الأعوام القليلة الماضية لم تجرى عليها أية تعديلات بهذا الشأن سوى اليسير”. وقد أشار بار-تال في دارسته إلى أنه في المقابل فإن نفس تلك الكتب تصور اليهود أنهم “كادحون” و”يتميزون بالشجاعة والقدرة على اجتياز المحن التي تواجههم أثناء مسيرة تقدمهم بالوسائل التي يؤمنون أن العرب لا يملكونها”. وأوضح أن كتب التاريخ الصادرة باللغة العبرية بين الخمسينيات وحتى السبعينيات كانت تركز على المجد الذي بناه الإسرائيليون القدامى، وكيف أن أرضهم كانت “مدمرة ومهملة” من قبل العرب أو الفلسطينيين حتى عادوا من منفاهم الذي أجبروا عليه وعملوا على أحياء تلك الأرض “بمساندة الحركة الصهيونية”. يقول بار-تال في الدراسة: “إن المناهج الدراسية ما وضعت بهذه الطريقة إلا لتعزيز موقف اليهود وتأكيد أحقيتهم في الأرض، وفي نفس الوقت إظهار بطلان مطالبة العرب بها”. وأكد أنه على الرغم من أن النظام الدراسي في إسرائيل حالياً قد استبعد البعض من – وليس كل – النصوص التي تسئ إلى العرب بطريقة مباشرة، إلا أنه لا تزال هناك بعض تلك النصوص التي تعمد إلى الإساءة عند الإشارة إلى الجنس العربي. يقول جمال عتامنى أحد المسئولين بلجنة التربية والتعليم العربية غير الحكومية والتي تتخذ من مدينة حيفا مقراً لها: “منذ ما يقرب من اثني عشر عاماً كانت المناهج الدراسية الإسرائيلية تشير إلى أن الفلسطينيين هم السبب في استمرار النزاع وذلك  لأنهم رفضوا الإذعان إلى قرارات الأمم المتحدة الصادرة بشأن تسوية الصراع عام 1948، والآن فإن الفكرة لا تزال موجودة، فأطفال المدارس الإسرائيلية يتعلمون أنه لا بد من وجود منهزمين ومنتصرين في الصراع الحالي”. وفيما يتعلق بعرب إسرائيل، فيقول عتامنى إن الكتب الدراسية التي تعلمها ما يقرب من مليون عربي إسرائيلي (أي خمس التعداد السكاني في إسرائيل) كانت بالفعل تصدر باللغة العربية، ولكنها في نفس الوقت كانت تصدر بإشراف وزارة التربية والتعليم في إسرائيل، حيث لا نفوذ للفلسطينيين في وضع تلك الكتب. ويضيف عتامنى قوله: “يشغل عرب إسرائيل أقل من 1% من الوظائف المتاحة بوزارة التعليم الإسرائيلية باستثناء مجال التدريس المحظور عليهم الالتحاق به، فمنذ خمسة عشر عاماً لم يتح لأي فلسطيني داخل إسرائيل شغل أحد المناصب الرفيعة في الوزارة، ولم يسمح لأي عربي إسرائيلي المشاركة في إعداد المناهج الدراسية الصادرة باللغة العربية”. ويضيف عتامنى أنه لا توجد جامعة واحدة تدرِّس مناهجها الدراسية باللغة العربية داخل إسرائيل، مشيراً إلى ثبات نسبة الطلبة العرب البالغة 20% في جامعة حيفا طوال العشرين عاماً الماضية دون أي تغير على الرغم من أن نسبة عرب إسرائيل في شمال إسرائيل قد بلغت 50% تقريباً. يقول الدكتور “إلي بوديه” المحاضر بقسم الدراسات الإسلامية وتاريخ الشرق الأوسط في الجامعة العبرية بالقدس إنه على الرغم من بعض التغيرات الطفيفة التي أجريت على الكتب بمختلف المراحل الدراسية داخل إسرائيل والتي تتعلق بالفلسطينيين والعرب، إلا أن مناقشة الهوية الفلسطينية الوطنية والمدنية لا يتم تناولها أبداً في أي من المناهج الدراسية، فضلاً عن عدم التعرض لعلاقات إسرائيل بالدول العربية الأخرى. ويضيف إنه على الرغم من المحاولات التي بذلت من أجل تصحيح ما جاء بالكتب الإسرائيلية ويسئ إلى الفلسطينيين والعرب خلال العقود القليلة الماضية، إلا أنه لا يزال هناك الكثير من النصوص الضمنية والصريحة التي تؤدي نفس الدور. وفي لقاء أجراه “مركز مراقبة تداعيات السلام” مع أحد الطلاب الإسرائيليين بالمرحلة الثانوية ويدعى “دانيال بانفوليجي”، قال الطالب البالغ من العمر سبع عشر عاماً إن ما تحتوي عليه الكتب التي نتدارسها تمثل وجهات نظر لبعض المسئولين عن قطاع التعليم والذين لديهم انطباعات سلبية إزاء العرب والفلسطينيين. ويضيف قائلاً: “إن تلك الكتب تعلمنا أن كل ما يفعله اليهود صحيح وشرعي، بينما تصور العرب بأنهم دائماً على خطأ ويحاولون إرهابنا”، “لقد عُودنا على سماع جانب واحد من التاريخ، لقد علمونا أن إسرائيل أصبحت دولة عام 1948، وهؤلاء العرب هم الذين أشعلوا الحرب، لا يذكرون أبداً ما حدث للعرب، سواء عن اللاجئين الفلسطينيين، أو هؤلاء العرب الذي أجبروا على ترك قراهم وبيوتهم”. يقول الطالب أنه تناقش في إحدى المرات مع أصدقائه عما لاحظه من عنصرية سواء التي تحتويها نصوص الكتب التي يدرسونها أو التي يبديها مدرسو تلك الكتب، وتحدث إليهم عن الآثار التدميرية التي تخلفها هذه الدراسة لدى من يتلقونها

يعلموننا التباغض بدل “التسامحل

ويذكر بانفوليجي أن أحد أصدقائه بادله الرأي بقوله أنه شعر بسخط شديد في أعقاب محاضرة له بالمدرسة، وأحس برغبة شديدة في قتل أول عربي يقابله. ويبدو أن المدارس الإسرائيلية لا تعلم سوى شيئاً واحداً عبر عنه ذلك الطالب خلال المقابلة بقوله: “يعلموننا التباغض بدلاً من التسامح، والكثير من مدرسينا يثيرون سخطنا نحو العرب”. وتحدث بانفوليجي عن زملائه في الدراسة الذين يتحرقون شوقاً لقتال العرب جراء ما يتعلمونه أثناء دراستهم، ويقول: “لقد حاولت التحدث إليهم عن الدولة الفلسطينية دون أن يعيرونني أي انتباه، ولكنني أدرك أن السلام والعدالة هما الطريقان الوحيدان لتحقيق ما يتمناه المرء”. وكما يقول عتامنى في إشارة إلى التعنت الذي يلقاه عرب إسرائيل من قبل الإسرائيليين، فإن كتب الأطفال في إسرائيل لا تعد منهجاً يمكن من خلاله تعليم الأطفال الموضوعية في الحكم على الآخرين داخل هذا المجتمع، وأشار إلى كتاب (وجه قبيح في المرآة) الذي ألفة مؤخراً الباحث اليهودي آدير كوهين. ويستعرض كوهين في كتابه نتائج دراسة قام بها في مجال أدب الأطفال، حيث قام بتوجيه خمسة أسئلة لمجموعة من الأطفال في المراحل الأولى من التعليم حول نظرتهم إلى العرب وهل يعترفون بهم؟. وكانت النتائج-كما يقول الباحث-بمثابة الصدمة، حيث وصف 75% من هؤلاء الأطفال وصفوا العرب بأنهم قتلة لا يعرفون شيئاً سوى اختطاف الأطفال لأنهم إرهابيون ومجرمون، و80% منهم قالوا أنهم ينظرون إلى العرب كشخص ذي وجه قبيح ومرعب، و90% قالوا أنهم يؤمنون بأن الفلسطينيين ليس لهم حق في الأرض التي يعيشون عليها داخل إسرائيل أو خارجها. أجرى كوهين بحثاً ثانياً تناول 1700 كتاب من كتب الأطفال نشرت منذ عام 1967 وحتى وقتنا هذا، ووجد أن 520 من تلك الكتب تحتوي على عبارات تصف الفلسطينيين والعرب بالأذلاء، وكانت محصلة بحثه أن 65% من الخمسمائة والعشرين كتاباً تركز على اعتبار العرب يحبون العنف، و52% كشيطان، و37% كذابين، و31% جشعين، و28% منافقين، و27% خونة. وعدد كوهين الصفات السلبية التي وجهها ستة وثمانون من تلك الكتب إلى العرب، فوجد أن صفة مجرمين استخدمت 21 مرة، وثعابين 6 مرات، وقذارة 9 مرات، حيوان شرير 17 مرة، عطشى للدماء 21 مرة، يحبون الحرب 17 مرة، وقتلة 13 مرة، ليس يعرفون الإيمان إلا في الأساطير 9 مرات. وقبل أيام نشر الباحث اليهودي عاموس يوفيل من مركز (تأثير السلام) دراسة حول الفلسطينيين والعرب في الكتب المدرسية في إسرائيل، وذكر الباحث في دراسته أن العربي أو المسلم يظهر في الكتب التعليمية بمدارس “شاس” كبدائي يتطلع دائماً للسرقة، وأورد عبارات جاءت في كتاب “سبل الكلمات” الذي ألفه كل من تليتمان ويهل ريزنبيرغ: “تذوقت الأقلية في (إسرائيل) و للمرة الأولى في تاريخها طعم المساواة الشخصية والاقتصادية و قيم الحياة الإنسانية”. وأشار إلى بعض العبارات التي تغص بها الكتب الدراسية في شبكة “معيان” للتعليم التوراتي-التابعة لحركة شاس الإسرائيلية المتطرفة-ضد العرب والمسلمين مثل: “من الصعب على أبناء إسماعيل التخلي عن رغبتهم بالسرقة”، و”كما هو معروف أنهم-أي العرب-يكرهون الكيان الصهيوني”. كما أشار إلى النغمة الانتقادية التي يوجهها كتاب أدب الأطفال من خلال مؤلفاتهم إلى العرب، وذكر ما جاء في كتاب “طفولتنا”: “لا يوجد أي سبب منطقي لمشهد هروب الفلاحين العرب، ويبدو أنهم لم يغرسوا جذورهم في البلاد ولم يرتبطوا بها بأي أسلوب، لقد سكنوا هنا مئات السنين لكنهم لم يستوطنوا فيها، وعاشوا مثل الرحالة على هامش الشوارع”. من المؤكد إذن أن الحرب الإسرائيلية على العرب عامة والفلسطينيين خاصة ليست فقط على جبهات القتال، و إنما أيضا فيما يتلقاه الطلاب الاسرائيليون فى مدارسهم من مناهج تحث على كراهية العربي والفلسطيني والمسلمين إجمالا. يأتي ذلك في الوقت التى تجاهر فيه واشنطن بمطالبها للعواصم العربية والإسلامية لحثهم على تعديل المناهج الدراسية و لا سيما الدينية منها بزعم أنها لا تعزز ثقافة التسامح حسبما يراه الأمريكيون، فيما تغض الطرف عما هو سائد، في المناهج الدراسية الإسرائيلية من دروس تغتال صراحة الشخصية العربية في سمعتها وشرفها ووجودها التاريخي.

ذ. خالد حسان

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>