100 شركة للمرتزقة حجم نشاطها يتراوح بين 50 – 200 مليار دولار “المرتزقة”.. يعيدون إعمار العراق!


شركات المرتزقة ودورها في الحفاظ على أنظمة العالم الثالث:

خلف الاستعمار الغربي لدول العالم العربي والإسلامي في أفريقيا وآسيا وراءه ظاهرة بغيضة تسمى (المرتزقة) أو (mercenaries) عبارة عن مجموعات من العسكريين الغربيين المتقاعدين ممن يبيعون خدماتهم العسكرية لحكومات عميلة أو رؤساء دول قفزوا إلى السلطة بغير رغبة شعوبهم، حتى أصبح من الطبيعي أن نشاهد حاكما من دول العالم الثالث يحرسه مرتزقةأجانب أوروبيون، أو حكومة ديكتاتورية تستأجر عملاء ومرتزقة أجانب لحمايتها بقوة السلاح من شعبها

وساعد على انتشار خدمات هؤلاء المرتزقة في الربع الأخير من القرن الماضي الصراع بين القوى الدولية على ثروات العالم الإسلامي وأفريقيا، وغياب وعجز الأمم المتحدة عن القيام بدورها في حفظ السلم والأمن الدوليين

وقد تطورت هذه المهنة البغيضة حتى أصبحت هناك شركات عسكرية (قطاع خاص) للمرتزقة الأجانب منتشرة في الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والدولة الصهيونية وجنوب أفريقيا، وتقدم خدماتها لمن يطلب نظير المال، مثل قلب نظام حكم ما (تكرر هذا السيناريو كثيرًا في أفريقيا).. أو حماية رئيس دولة.. أو القيام بحرب صغيرة من الباطن ضد دولة مجاورة، وربما حماية آبار بترولية أو مناجم ماس

وقد اشتهرت مجموعات فردية كثيرة من هؤلاء المرتزقة، كما اشتهرت شركات لهؤلاء المرتزقة الغربيين كانت تتولى القيام بهذه الأعمال القذرة مقابل المال مثل: جماعة “مايك المجنون” التي يقودها عسكري يدعى “هوار” لعب دورًا في قلب عدة حكومات أفريقية، منها انقلاب جزر سيشيل عام 1981، وجماعة “السترات السوداء” بقيادة الفرنسي بوب دينار الذي شارك عدة مرات في قلب نظام الحكم في جمهورية جزر القمر الإسلامية، ومجموعة “تيم سبايسر” التي لعبت دورًا في المحاولة الانقلابية الفاشلة في بابوا (غينيا الجديدة)، وغيرها الكثير

أما شركات المرتزقة فحدث ولا حرج عن أعدادها التي تُعَدّ بالمئات، وتنتشر خصوصًا في أمريكا (35 شركة) وفرنسا وجنوب أفريقيا وإسرائيل، ويقودها جنرالات عسكريون سابقون كونوا ثروات بالملايين من وراء عملياتهم المشبوهة ونشر الفساد في العالم

أما الجديد فهو أن شركات المرتزقة هذه أصبحت تعاني من البطالة والكساد مع هدوء الصراعات في العديد من الدول الأفريقية ودول العالم، أو التحكم فيها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وترك الساحة للأمريكيين، وعزوف الكثيرين عن خدمات هؤلاء المرتزقة في عالم الألفية الثالثة، فبدءوا في “تطوير” نشاطهم إلى العمل السلمي لا الحربي، وعرض خدماتهم في نزع الألغام وإعادة الإعمار في الدول التي سبق أن خربوها ونفذوا فيها عمليات مشبوهة، أو التي خربها المرتزقة الجدد النظاميون مثل الجيش الأمريكي أو البريطاني في أفغانستان والعراق والبوسنة، وهناك شركات أخرى تقدمت بعروض لأجهزة المخابرات الأمريكية لاقتفاء أثر بن لادن والحصول على المكافأة التي رصدتها أمريكا للقبض عليه!!ل

فما هي قصة هؤلاء المرتزقة؟ وكيف تحول نشاطهم من مجرد مجموعات صغيرة تقوم بعمليات صغيرة خاطفة يطلق عليها اسم “كلاب الحرب” إلى جيوش مرتزقة تقودها شركات مرتزقة معتمدة، ثم إلى شركات لإعادة الإعمار تعمل من الباطن مع أجهزة المخابرات، وتحدد مصير العالم؟!ل

المرتزقة.. من زحمة العمل إلى البطالة:

القصة بدأت مع انتهاء الاحتلال البريطاني والفرنسي للعديد من الدول الأفريقية والآسيوية، حيث رأت هذه الدول أن لها مصالح في بعض هذه الدول تسعى للحفاظ عليها عبر حكام ساعدتهم في الوصول إلى السلطة أو آخرين ترغب في توليهم السلطة في هذه البلدان، فبدأت عملية محدودة لاستئجار جنرالات وعسكريين سابقين متقاعدين للقيام بهذه المهام القذرة

ومع مرور الوقت وانتشار صيت هؤلاء المرتزقة تزايد الطلب عليهم من قبل حكام أفارقة لحمايتهم، وكان أبرزهم الرئيس الليبيري السابق صمويل دو الذي كان يحرسه مرتزقة صهاينة، وتزايد الطلب عليهم للقيام بعمليات انقلاب أو اضطرابات في دول أخرى لصالح معارضين طامحين في الحكم

وتحولت هذه المجموعات الصغيرة من المرتزقة تدريجيًّا إلى شركات مرتزقة معلنة رسميًّا في العديد من الدول تقدم خدماتها في الحراسة أو الحماية أو التدريب العسكري أو الحروب، واستعانت بهم العديد من الحكومات في عمليات محدودة لا ترغب في الكشف عنها أو الظهور على مسرح أحداثها، ولم يكشف النقاب عن أغلب هذه العمليات

بل إن الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان فكّر في الاستعانة بهؤلاء المرتزقة في رواندا مع تصاعد أعمال الإبادة الجماعية عندما كان أمينًا عامًّا مساعدًا للأمم المتحدة مكلفًا بشؤون عمليات حفظ السلام، وأصدر تصريحًا شهيرًا في ذلك الوقت قال فيه: “يوم احتجنا إلى جنود مدربين للفصل بين المقاتلين واللاجئين، فكرت في احتمال اللجوء إلى شركة خاصة، لكن العالم ليس مهيأً ربما لخصخصة السلام”ل

ولكن إذا كان تعامل الأمم المتحدة مع هؤلاء قد يسبب مشاكل لها ورفضا من قبل بعض الأعضاء، فإن هذا لم يمنع حكومات غربية من التعامل مع هؤلاء المرتزقة المتطوعين الذين تنظمهم الشركات الخاصة من أجل شن الحروب أو القيام بمهام حربية، حيث يعملون غالبًا لصالح الحكومات المحلية أو الشركات (شركات المناجم والطاقة خاصة) أو المؤسسات الدولية (البنك الدولي، الأمم المتحدة)ل

فقد أصبحت هذه الشركات تلبي عددًا أوسع من الحاجات تتراوح بين تقدير المخاطر بالنسبة للمستثمرين في بلد محدد، وتقديم الاستشارة للحكومات في مجال التنظيم العسكري، أو شراء المعدات وحتى تدريب الجنود (في المعارك) مرورًا بالدعم اللوجستي للعمليات الإنسانية أو لقوات الأمم المتحدة، كما تقوم هذه الشركات بتقدير كلفة حفظ الأمن في المواقع التابعة للشركات، ونزع الألغام من المناطق الملغومة

وقد دفع تزايد نشاط هذه الشركات حكومات إلى متابعة الظاهرة وبحث مخاطرها، خصوصًا أنها تشبه عصابات الجريمة المنظمة ولا يحكم أعمالها أي وازع أخلاقي، وكل ما يهمها هو الربح المادي أيًّا كان مصدره، حتى إن مجلس العموم البريطاني أعد تقريراً حول الموضوع في 12 فبراير 2002، تساءل فيه عن النشاط الحقيقي لهذه “الشركات العسكرية الخاصة” بعبارات لا تصنّفها بالضرورة في خانة الأشرار، بهدف طرح إطار سياسي للنقاش حول الارتزاق العسكري

ومن أشهر شركات المرتزقة الأولى العاملة في هذا المجال شركة جنوب أفريقية تسمى(Executive Outcomes)  وأخرى إسرائيلية “لفدان”، والبريطانية “ساندلاين”، والأمريكية (MPRI)، والبريطانية “نورث بريدج”، و”كيلوج براون آند روت” و”داين كورب”.ل

وهذه الشركات تدخلت في العديد من الأزمات ذات الطابع الاقتصادي المهم كالنفط في أنغولا والألماس في سيراليون بعدما حولت نشاطها تدريجيًّا من العمل العسكري البحت إلى أعمال الحماية أو تخليص الرهائن والمختطفين

فقد تأسست شركة Executive Outcomes عام 1989 على أيدي عسكريين سابقين من جنوب أفريقيا، وأبرمت عقدها الأول عام 1992 مع شركات نفطية من أجل تطهير بعض المناطق الواقعة تحت سيطرة منظمة أونيتا في أنغولا وحمايتها. وبعد نجاحها الأول، حصلت على عقدين بقيمة 80 مليون دولار مع الحكومة الأنغولية

وتعاقدت سيراليون مع Executive Outcomes  بعد أن اكتشفت أن مختلف نشاطات الأمم المتحدة (قوات التدخل والمراقبون) أكثر كلفة من التعاقد مع الشركة بكثير، فضلاً عن أن عمليات الأمم المتحدة عديمة الفعالية.. لقد كان العقد الذي أبرمه نظام الكابتن ستراسنر مع شركة Executive Outcomes  عام 1995 في سيراليون (35 مليون دولار) مقابل 21 شهرًا من العمليات لحماية الماس من عمليات المتمردين أقل كلفة من المبالغ (247 مليون دولار) التي أنفقت على عمليات نشر مراقبي الأمم المتحدة لمدة 8 أشهر والتي لم تكن ذات فعالية!ل

وفي أوج نشاطها كانت هذه الشركة موجودة في أكثر من 30 بلدًا أفريقيا مع 500 موظف في أنغولا وسيراليون، ولكن تمت تصفية هذه الشركة رسميًّا عام 1998. مع حالة الكساد في أسواق الارتزاق!ل

50-200 مليار دولارحجم نشاط شركات المرتزقة:

وقد أشار تقرير هام نشرته صحيفة (لوموند ديبلوماتيك) الفرنسية المتخصصة في 29 إبريل 2003 إلى أن الدخل الأساسي لشركات المرتزقة الآن لم يَعُد يأتي من بلدان ما وراء البحار الفقيرة كالسابق، بل من دول الشمال الغنية، حيث الجيوش الغربية المحترفة التي “تخصخص” نشاطاتها أكثر فأكثر مثل: الحراسة والصيانة والتدريب والتعاون

وقالت إن قطاع النشاطات الأمنية الخاص الموسع يحقق وحده حجم أعمال يبلغ حوالي 50 مليار دولار في جميع المجالات، ويعمل فيه مليون شخص من بينهم 800 ألف في أوروبا

ففي فرنسا وحدها -كما يقول ضابط سابق في الشرطة “بول باريل” الذي تحول إلى الأمن الخاص- فإن هذا القطاع تقدر أعماله بـ 5.1 مليارات دولار ويوفر 90 ألف وظيفة، أي ما يعادل عدد الشرطة الوطنية! كما يمكن إحصاء وجود حوالي 300 ألف شركة أمن ومساعدة عسكرية من مختلف الأحجام في العالم. وهناك أكثر من مائة شركة (للمرتزقة) ذات حجم دولي تعمل بموجب عقود في أفريقيا أو في بلدان مثل كولومبيا وإندونيسيا.

ويزيد من رواج هذه الشركات أن الأيدولوجيا الليبرالية تسمح للمؤسسات المالية الدولية أو التابعة للدول الأنجلوسكسونية بالأخذ بصيغ الاعتماد على القطاع الخاص، لا سيما في مجال التدريب العسكري أو الدعم اللوجستي، كما أن تحول الجيوش إلى الاحتراف والتكنولوجيا وانخفاض عدد العسكريين في البلدان المتطورة بعد نهاية الحرب الباردة أدى إلى تسريح ما يقارب 5 ملايين رجل بين 1985 و1986 من دون أن ترافق هذا التسريح تدابير اقتصادية واجتماعية مناسبة، الأمر الذي وفّر لشركات الأمن الخاصة يدًا عاملة واسعة

ويكره غالبية رؤساء هذه الشركات الآن وصفهم بالمرتزقة على اعتبار أن طبيعة عملياتهم أمنية وخدمية وتستعين بهم الحكومات، ومنهم “أندرو وليامز” من شركة نورث بريدج للخدمات والتي تشكلتقبل عامين بمعرفة وليامز المظلي السابق الذي حارب في فوكلاند وشارك في عمليات تمتد من الشرق الأوسط إلى أمريكا اللاتينية، حيث قال في حوار مع وكالة “رويتر” يوم 9 مايو الماضي : “لسنا مرتزقة.. نورث بريدج شركة عسكرية مشروعة تعمل فقط لحكومات منتخبة ديمقراطيًّا أو وكالات معترف بها”ل

ويقول وليامز: إن حكومات اليوم مثل أفغانستان والبلقان والآن العراق تعاني جيوشها الوطنية من مشاكل ومثقلة بالأعباء، ويمكننا أن نقدم للحكومات ما تحتاجه من مساعدة لحفظ السلام، كما “نستطيع بالعمل مع الأمريكيين أن نضع كتيبة من 5 آلاف جندي على الأرض بكل معداتها في أي مكان بالعالم خلال 3 أسابيع!”ل

ويبلغ عدد شركات المرتزقة المرخص لها للعمل في الولايات المتحدة حتى الآن 35 شركة وتسمى “شركات تعهدات عسكرية”، من بينها: شركة كيلوج براون آند روت، وداين كورب، وفينيل وسايك ولوجيكون وغيرها، أما أشهر هذه الشركات فهي شركة “إم بي آر آي” التي تدعي أن فيها نسبة جنرالات أكبر من نسبة جنرالات البنتاجون نفسها!ل

ويبدو أن سوق عمل هؤلاء المتعاقدين يتنامى بسرعة فائقة، فخلال حرب الخليج عام 1991 لم تكن نسبتهم تتجاوز واحدا من بين كل 50 عسكريًّا على الأرض، ولكن في عام 1996 -مع حرب البوسنة- ارتفعت النسبة بشكل ملحوظ لتصل إلى واحد من كل عشرة، ولا يعرف أحد بالتحديد حجم هذه الصناعة السرية، ولكن بعض الخبراء العسكريين يقدرون السوق العالمية لها بمبلغ 200 مليار دولار

وتحقق شركات التعاقدات العسكرية هذه أرباحًا طائلة في أمريكا، حيث يتزايد الاعتماد عليها.. فشركة “إم بي آر آي” مثلاً تحقق دخلاً سنويًّا يزيد على 100 مليون دولار، وذلك نتيجة عقود مع البنتاجون ووزارة الخارجية الأمريكية، ويحقق العسكريون المتقاعدون العاملون في هذه الشركة -وفق إحصاءات أمريكية- ضعفين إلى ثلاثة أضعاف ما كانوا يتقاضونه من البنتاجون، بالإضافة إلى ميزات كثيرة أخرى

ويشكل استخدام المتعاقدين العسكريين جزءاً من سياسة وزارة الدفاع الأمريكية لملء الفراغ الذي يتركه انخفاض أعداد العسكريين النظاميين. فخلال حرب الخليج، كان هناك 780 ألف عسكري أمريكي تحت السلاح، أما الآن فقد انخفض العدد إلى 480 ألف جندي

والمشكلة أن العاملين في هذه الشركات ليسوا ملزمين بتلقي الأوامر أو اتباع التعليمات العسكرية الروتينية، وبالتالي ليس لهم قانون يردعهم، ولا يعرفون أي قيود أو شروط أخلاقية أو إنسانية أو وطنية في عملهم سوى المال الذي يتقاضونه؛ وهوما يؤدي لمشاكل كثيرة، وهناك سوابق لهذه التجاوزات

فقد اتهم أحد موظفي شركة “داين كروب” للتعهدات العسكرية سابقًا الشركة بأنها كانت تدير شبكة دعارة في البوسنة بجانب عملها المتعلق بتوريد المعدات العسكرية والصيانة، وأن موظفي الشركة احتجزوا فتيات بوسنيات قاصرات واستخدموهن لأغراض الدعارة وتاجروا بهن كقطع أثاث -إحدى الفتيات تم بيعها بمبلغ 1000 دولار-، وكانت الشركة تعلم بتصرفات موظفيها، ولكنها تتغاضى عن تلك التصرفات

وفي بيرو في العام الماضي أطلق أحد هؤلاء المتعاقدين النار على طائرة خاصة تقل منصرة أمريكية وطفلها عن طريق الخطأ، وتم إسقاط الطائرة بعد أن اعتقد “المتعاقد” أن الطائرة تعود إلى أحد مهربي المخدرات، وقد قُتل جميع من كان على الطائرة

محمد جمال عرفة: محلل الشؤون السياسية بموقع إسلام أون لاين. نت

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>