“بالله عليك يا مركب بعدنـي علا بلادي المغرب”!


وساعة رحيل المهاجرين المغاربة تدق في لحظاتها الأخيرة يطفح بالبال وإن بشكل معكوس، مقطع غنائي، يلذ للثنائي الغنائي المغربي “نعمان لحلو ولطيفة رأفت”، أن يصبغا عليه كل السحر، وهما باستغراق تام  ينتقلان أثناء شذوه من مقام موسيقي إلى آخر بين علو وانخفاض، مع تلك اللمسة الساخنة الصوت “للطيفة “، والتي تجعل المستمعين إليها من أفراد الجالية وذويهم القاطنين بالمغرب يستشعرون كل الحنين إلى بلد رائع سيحملهم إليه على جناح الشوق مركب ” نعمان ولطيفة” ..وتغيير ألفاظ هذا المقطع بريء،  ولا غرض منه إلا الإفلات من صور اصطناعية أضحينا جميعا كمغاربة أسرى لها.. صور أبناء جاليتنا وهم على مشارف الدخول إلى الوطن بسياراتهم المدججة بما خف وما ثقل من متاع، وتعليقاتهم الودية لكاميرات التلفزيون المغربي،  والمنتقاة التعابير الدالة على أن “كلشي بخير” !! ..ثم صور العودة إلى المهجر ذات نفس الإيقاع الاحتفالي التفاؤلي.. وهذه الصور المتـقنة الإخراج الكلاسيكية الأدوات تبدو عاما بعد عام أقرب إلى الأكلة البائتة التي رغم كل ما قد يلف وصفتها وطريقة عرضها من إثارة وبهرجة ما عادت بقادرة على التغطية على مذاقها الفاسد

وبعبارة أخرى، وبالمباشر فقد جد بالساحة الدولية بعد أحداث 11 سبتمبر الملغزة ! بأمريكا والتي تحل ذكراها هذه الأيام ،  واقع جديد في علاقات الدول والأفراد، وصدام الحضارات الذي بدت معالمه خافتة خجولة مع الصراع الفلسطيني الصهيوني ثم مع الانقضاض الإمبريالي على منطقة الخليج،  عبر بوابة العراق،  صدام الحضارات هذا، وجد النافثون في جمره متسع النفس للنفخ في رماده بعد حادث تفجير برجي التجارة العالميين،  وأصبح كل عربي ومسلم مداناً  ومشبوهاً وإن تبتت براءته،  وبالنتيجة فإن معاناة الهاربين من قطران بلدانهم إلى عسل الفراديس الغربية،  غدت مأساوية،  وفي هذا الإطار تحضرني حكاية تلك العربية في المهجر التي ابتسمت لطفلة غربية راقها جمالها وبراءتها، فطفقت الطفلة أمام انصعاق تلك العربية تصرخ مرددة : ” ماما ماما، تريد أن تقتلني ” !!!..ودائما في نفس السياق أعرف مواطنا مغربيا يعمل بهولندا تقنيا بأحد مختبراتها وذلك منذ أربعة عقود، وقد اعترف لزوجي بأنه تأتي عليه أوقات  ينخرط فيها في نوبات بكاء لإحساسه بالغربة  واللا اندماج وعدم رغبته في العمل ،  لكنه يواصل الإصرار على عدم الدخول النهائي للمغرب !! ..ولن أفصل في نسبة الجريمة والدعارة والتمزق الأسري للمغاربة، فقد سبقتني إلى ذلك وبالأرقام، الصحف المغربية،  وأكتفي في ذكر ملامح هذا التمزق بحكاية مواطن من نواحي بادية فاس، هذا المواطن كانت بداية مأساته حين ألحق به في إطار التجمع العائلي زوجته القروية وأبناؤه، بعد مشاق ماراطونية،  في إعداد أوراق الالتحاق بالديار الألمانية تحديدا،  وهناك بعد شهور من التمدن، قادت العائلة  برئاسة الأم انقلابا أبيضا على الأب المغفل،  بتهمة العنف في حق الزوجة والمرأة المسلمة المضطهدة !! ولأن القانون كان أوتوماتيكيا، في صفهم لأنهم صادفوا هواه الأثير ضد كل ما هو إسلامي، خاصة حين يتعلق الأمر بالمرأة !!،  فقد سلب الزوج المسكين من شقاء عمره وعاد إلى الوطن الغفورالرحيم ” لا ديدي لا حب لملوك”!!ل

وبعيدا عن هذا الواقع الغربي الحلو المر، يقابلنا واقع مغربي، لا يمكن أن تترجم استحالة العيش الكريم لشرائح واسعة من  أبنائه إلا النسب المتواصلة الارتفاع  “للحراكا المغاربة” من الشباب  وصور البعض منهم،  وهم يؤكدون  والعبرات تخنق حناجرهم على استمرار محاولاتهم المحفوفة بالموت للهروب إلى فراديسهم الوهمية!! الشيء الذي يؤشر على أن لا جديد في سماء التنمية الغائبة، والمؤلم في هذه اللوحة التراجيدية، بعيدا عن الكاميرا ” الشاعلة ” كما يقول ذلك بكل الذكاء، الساخر “أحمد السنوسي”، فإن دار غفلون تأبى إلا أن تبقى على حالها أمام هذا النزيف.. وهكذا سمعنا ورأينا بالمنابر الإعلامية من لا زالوا في انتهازيتهم المفضوحة لأحدات 16ماي الوحشية بالبيضاء ، يقرصنون ويختزلون آلام وأحزان الشعب المغربي ومن بينهم المهاجرين،  ويجملونها في هم أكبر: محاربة الإرهاب، داعين للإنكباب على النظر في الدخيرة الدينية والتربوية للمهاجرين لتنقيتها من ألغام التطرف؟؟!!!.. وتزويدها  في المقابل بقيم التسامح والتعايش!! فبالله عليكم هل يحتاج أبناء جاليتنا إلى المزيد من هذه الديماغوجية الميكيافيلية السياسوية التي استنـزفتهم لعقود دون أن توفر لهم أدنى شروط المواطنة المحترمة، الشيء الذي أفضى بهم إلى التعلق بمراكب الهجرة المحفوفة بالذل والمخاطر؟؟!.. وقد كان بودنا أن تكون قنواتنا التلفزية أكثر وفاءا لنبض هؤلاء المهاجرين المغلوبين، وأكثر جرأة في تسقط أخبارهم،   بدءا بطوابير المأروقين منهم، صفوفا صفوفا بأبواب القنصليات الغربية، مع ما يستتبع مسار أخذهم لأوراق الرحيل الملعونة،  من إذلال ومهانة تفوق كل تصور!! وسؤالهم بالمناسبة وهم الهاربين من هذا الوطن الرائع عن أسباب الهروب.. ألا يقول المثل المغربي ” حتا قط ما كايهرب من دار العرس” .. وهل تتخلص هذه الأسباب في الفقر والعطالة وانسداد آفاق التنفس والعيش السليم، أم  هو إرهاب ” الخوانجية ” وحزب العدالة والتنمية  في مقدمتهم.. ثم إن على هؤلاء الذين ألفوا دفن جماجمهم  في الرمال كما النعام بمناسبة كل مصاب يحل بهذا البلد الطيب، أن يعرفوا أن هؤلا ء العائدين من المهجر، ملقحون بما يكفي، بثقافة التسامح والانفتاح، هناك ببلاد الغربة، وإن كانوا آخر من يقطف ثمارها، ولا يحتاجون إلى دروس مغشوشة من جاهليها، لأن فاقد الشيء بكل بساطة لا يمكن أن يعطيه !! وبالتالي فإن أسلوب الاستغفال ووضع جميع المواطنين في سلة واحدة،  هم أول من يفطن بحساسيتهم الديقراطية المكتسبة بالغرب إلى أهدافه وطرقه العالمثالتية المتجاوزة!!..ل

وباختصار فلا حاجة لمطرقة رؤوس أبنائنا بالمهجر، بأسطوانة الإرهاب فلا شك أنهم متـخمون بأبواقها هناك !!.. بل ما نحتاجه حقا، هو عودة المهيمنين على الشأن العمومي بما فيهم الإعلاميين إلى الإسلام الحقيقي لا الإسلام الفلكلوري، فما ضاع حق مهاجر أو مقيم إلا بتـغييب هذا الإسلام  في إنصاف المواطنين وحفظ حقوقهم، وإذا كان على المواطنين أن يرفعوا شعار “حب الأوطان من الإيمان”، بما فيهم المهاجرين، فعلى المسؤولين أن يرفعوا شعار “حب المواطنين وصون كرامتهم وحقوقهم من الإيمان”!!ل

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>