… إن ما وقع في العراق يذكرنا بغزو التتار لبغداد وما ألحقوه بها من دمار وخراب وبأهلها من ذلة ومهانة. حتى أن المؤرخين يروون بأن المقاتل التتري كان يدخل على جماعة من الناس ويأمرهم بالبقاء في أماكنهم لايبرحونها حتى يأتي بالسيف ليذبحهم, فيخرج الرجل ويعود بسيف حاد ليجد الجماعة في انتظاره بكل أدب ولياقة فيذبحهم الواحد تلو الأخر كما تذبح الخرفان يوم العيد. تماما كما يتم في هذه الأيام اعتقال او استسلام رموز النظام البائد الواحد تلو الآخر للقوات الأمريكية كالخرفان الوديعة وقد كانوا من قبل يستأسدون على الشعب العراقي ويسيمونه الخسف والهوان (اللهم لاشماتة).
ومما يحكيه المؤرخون أيضا أن جيوش التتار بعدما نهبوا الذخائروالتحف عمدوا إلى المكتبات وألقوا ما كانت تحتويه من مخطوطات عالية القيمة في نهر دجلة حتى تكدست في قعره وصارت قنطرة يعبر الناس فوقها إلى ضفة النهر الأخرى. بينما صارت مياه النهر تجري بمداد المخطوطات وقد تغير لونها.
وها نحن اليوم نشهد نفس التخريب والدمار ونهب المتاحف وتخريب المكتبات على أيدي الجنود الأمريكان أو من استقدموهم لهذا الغرض الإجرامي المدروس.
فقد أحصى بعض العلماء أن أزيد من ألف قطعة ناذرة لاتقدر بثمن تمت سرقتها من متحف بغداد ناهيك عن الذخائر والهدايا الذهبية المسروقة من قصور صدام وأبنائه؛ وبالأمس فقط أوقفت مصالح الأمن في إحدى المطارات الأمريكية صحفيان أمريكيان أحدهما مراسل قناة Fox news وآخر مراسل لإحدى الصحف الأمريكية وبحوزة كل منهما تحف وهدايا ذهبية عبارة عن مسدسات ورشاشات وخناجر وسيوف ذهبية بالاضافة إلى لوحات زيتية قديمة. هذا بداية الغيث وما خفي كان أعظم وأفظع.
نفس سيناريو الغزو التتاري لبغداد يتكرر مع شيئ من ” الروتوش ” الحضاري والدمار ” الذكي ” جدا.
أما الفرق بين المشهدين؛ أن تتار الأمس قاموا بغزو بغداد بهدف النهب والسلب والسيطرة والتوسع ليس إلا. أما تتار اليوم فقاموا بغزو العراق كله لعدة أهداف منها :
1- إذلال الشعب العراقي وتمريغ كرامته في الوحل : ومن خلاله تبكيت وإذلال الأمة جمعاء باعتبار أن العراق كان دائما رمزا للخلافة الإسلامية وبغداد عاصمة الرافدين والرشيد عبر التاريخ الإسلامي المجيد.
2- نهب ثرواته الأرضية خاصة البترول واليورانيوم المتواجد بوفرة في شمال البلاد. وتسخير ثرواته البشرية الغنية بالعلماء والمثقفين والمشايخ في شتى المجالات.
3- حماية أمن إسرائيل وتحقيق حلمها في التوسع من النيل إلى الفرات. فها هو الفرات قد سقط, فالدور هذه المرة على النيل مالم يستفق المسلمون من سباتهم العميق.
أما الفرق الثاني بين الأمس واليوم, فتتار الأمس لم تكن تحركهم عقيدة دينية توسعية واضحة, بل كانوا وثنيين يغلب عليهم الجهل وحب البطش واستعراض القوة. وقد تابوا إلى الله فيما بعد وحسن إسلامهم وفتحوا العديد من الأمصار ونشروا الإسلام في تخوم آسيا وبلاد القوقاز.
أما تتار اليوم فتحركهم عقيدة دينية متطرفة تقوم على العنصرية الصهيونية والاباد ة العرقية, تتزعها طائفة من اليمين المسيحي التي أصبحت تناهضها كبريات الكنائس المسيحية في أمريكا وأوروبا وروسيا ناهيك عن الكنائس المسيحية الشرقية بمختلف اطيافها.
فما وقع للأمة منذ زمان وماسوف يقع لها من إهانات هو بسبب بعدها عن منهاج ربها القويم وصراطه المستقيم والاستعاضة عنه بمناهج أعدائها وصراطهم الأعوج المفضي إلى الضلا ل والهلاك والمستنقعات الآمنة للدعارة الفكرية والمسخ الحضاري.
فها هي الفرصة متاحة اليوم أكثر من أي وقت مضى لكي تراجع الأمة حساباتها وتتوب من أخطائها وزلاتها وتضع اليد في اليد وتنبذ الضغائن والأحقاد والصراعات والتشرذم, فالامة اليوم على موعد معالتاريخ حتى تعيد كرامتها وعذريتها الحضارية المغتصبة.
وكل أملي أن تكون الأمة هذه المرة في الموعد المحدد مع التاريخ, فالتاريخ قد مل وسئم من الانتظار وإخلاف المواعيد. وإنها والله إما بشارة أوندامة لاقدر الله وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.