قصة قصيرة – حسناء تستيقظ


استيقظت حسناء اليوم مبكرا. طلبت من الخادمة أن تعد لها الحمام ثم الفطور. استحمت وتناولت الفطور ثم قالت للخادمة : أنا مغادرة، فإن استيقظ زوجي قولي له إني ذهبت عند” الكوافور” وبعدها للعمل.

تبدو اليوم سعيدة، لابد أنها حصلت على صفقة صحفية جيدة، وأكيد أنها تتعلق بإحدى النساء، فهي لاشاغل لها سوى قضايا النساء ومشاكلهن؛ وكل من أراد أن يطلع على  أخبار النساء يبحث عن المحررة حسناء.

أقبل الليل، عاد زوج حسناء من عمله, نادى على زوجته، فخرجت الخادمة وأخبرته أنها لم تعد بعد. قام باستغلال الفرصة وحاول التحرش بالخادمة. إلا أنها تمكنت من الإفلات منه. فزوجته تخرج صباحا وتتركه نائما، ثم تعود مساء فتجده نائما. كما أنها لم ترغب بأن تنجب له طفلا يتسلى معه أثناء غيابها. لكنها الآن حامل، والفحوصات أثبتت أنها حامل بفتاة، وهي الآن سعيدة وتخطط لطفلتها وهي لازالت في بطنها كيف ستعيش؟ وماذا ستدرس؟ وأين؟…

وصلت حسناء بعد منتصف الليل بحوالي نصف ساعة تقريبا. تدخل متسللة كاللص. أحس الزوج بوصولها. بدا يتجادلان، ثم انتقلا من الجدال إلى الشجار، أخذت ملا بس نومها وذهبت للنوم في غرفة أخرى.  شعرت بحزن كبير. مشاكل في العمل ومشاكل في البيت. كما أنها تعبت من تحمل غضب زوجها اليومي استلقت في الفراش ثم تذكرت ندوة الغد المتعلقة بالمرأة وحقوقها. قامت من الفراش أخذت القلم والمذكرة وبدأت تكتب رؤوس أقلام مقالتها.

- يجب أن تشارك  المرأة الرجل في كل شئ وتناصفه كل شئ حتى الإرث.

- يمكن للمرأة أن تتزوج بمن تشاء ومتى  تشاء دون أن يتدخل أحد في هذا الأمر ولو حتى وليها.

- يمكن للزوجة أن تقوم بأي شئ تريده وأن تخرج متى شاءت دون أن تستأذن زوجها….

وبعد أن أتمت تدوين النقط. استلقت مرة ثانية على الفراش وغطت في نوم عميق. وبينما هي تغط فينومها شاهدت رؤيا غريبة نوعا ما. فقد رأت امرأة ترتدي لباسا تقليديا أصيلا وتمسك بيد رجل تدل ملامحه على أنه رجل بمعنى  الكلمة تستطيع المرأة بجانبه أن تشعر بالأمان، اقتربا منها شيئا فشيئا؛ فوجهت حسناء الكلام المرأة قائلة : من أنت؟ ومن هذا الرجل الذي تتأبطين ذراعه. أجابتها قائلة : أنا يابنيتي جدتك وهذا طبعا جدك. ترد حسناء قائلة : آسفة جدتي فأنا لم أعرفك. أتعلمين جدتي أنك جميلة جدا رغم أنك مسنة. وطبعا جدي كذلك وسيم وأنا أحسدك عليه.

قالت الجدة : أعلم يابنيتي أنك صحفية نساء ولهذا جئنا – أناو جدك- لنحكي لك كيف عاشتالمرأة قديما. وكيف كان وضعها الإجتماعي.

ترد حسناء قائلة : ارويا لي فأنا أتلهف لمعرفة تاريخكما. تجيبها الجدة قائلة : لاأدري يا صغيرتي من أين سأبدأ كلامي ولا كيف. لكني سأقول لك إن المرأة كانت تعيش أميرة في بيت أبيها, وملكة في بيت زوجها, كانت لا تخرج إلا بحرس يلفها من كل جانب وإذا تجرأ أحد على معاكستها كان ذلك آخر يوم في حياته. ولعل جدك يعرف في هاته الأمور أكثر مني.

يتحدث الجد قائلا :”إه” زمن طويل مر على تلك الأيام، أتعلمين ياصغيرتي أن جدك هذا الذي أمام عينيك كان سيفقد عمره على يد أهل جدتك. وسبب كل هذا أنني تجرأت وتلفظت إحدى الأبيات الشعرية الغزلية العفيفة أمام جدتك وهي راجعة من الحمام. فما كدت أن أتم الشطر الثاني حتى وجدت أخاها وابن عمها وخادمهم قد انقضوا علي كالوحوش يشتعلون غضبا من فعلتي. فانهالوا علي ضربا حتى كادت روحي تزهق مني.

لم أكن أعرف آنذاك ابنة من هي ولا ما إسمها ولاحتى كيف هي ملا مح وجهها. ماجذبني إليها هي طريقة مشيتها وصوتها الرقيق الذي لم أسمعه سوى مرة واحدة.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل ذهبوا عند أبي  وجدي وأخبروهما بالأمر. فأنباني واشتد غضب جدي حتى كاد يضربني.

سألته حسناء قائلة : يضربك وأنت في ذاك السن؟

أجابها الجد قائلا : أجل ياصغيرتي، فالتربية عندنا كانت لا تحد في زمن معين. فالانسان يحتاج للتربية والتوبيخ في جميع أطوار حياته كي يستقيم.

ثم تسأله حسناء مرة ثانية قائلة : وكيف حصل وتزوجت بها.

يجيبها الجد قائلا : ذهبت أسرتي عند أهلها واعتذروا لهم عن فعلتي وطلبوا يدها منهم. فرفضوا في أول الأمر لأن تصرفي ولد عندهم انطباعا سيئاعني. فقد قالوا عني إني شاب طائش ومتهور ولاأستطيع أن أتحمل مسؤولية الأسرة.

كان لايهمهم المال والجاه بقدر ما تهمهم الأخلاق، المهم أنهم قبلوا بي بعد ذلك. بعد أن تدخل جدي وبعد أن مدحني أخوها الأصغر الذي كان صديقا عزيزا علي ولم أكن أعرف أنه أخوها.

تزوجتها دون أن أتعرف عليها أو أتحدث إليها. طبعا تقابلنا وتحدثنا على  سنة الله ورسوله بحضور فرد من أهلها وفرد من أهلي. لكن هذا لم يكن كافيا لأتعرف عليها جيدا. فكانت بالنسبة لي لغزا محيرا. شغلني ليال طوال. حتى ظفرت بها وتزوجنا فانسجمنا واتفقنا، وكانت بالنسبة لي شريكة وصديقة وزوجة وحبيبة. كانت هي المرأة التي عرفت في حياتي. فكنت أراها أجمل امرأة في الكون.أنجبت معها العديد من الأطفال. وكان تشبثي بها يزداد سنة بعد سنة. فأمضيت معها أياما حلوة وأخرى  مرة. فكانت تسعد لسعادتي وتساندني في محنتي. ومهما قلت لك فإنني لا أستطيع أن أجد كلمات تعبر عن مكنوناتي ومدى حبي لها.

أما الآن فإننا سنرحل يا صغيرتي، فننحن لانريد أن نطيل عليك. نتركك في رعاية الله وحفظه وسنزورك مرة أخرى إن شاء الله.

ترد حسناء قائلة : مهلا. مهلا. لاتذهبا فأنا أريد أن….

آنذاك استيقظت حسناء وبدأت تسترجع الرؤيا ثم دونتها في مذكرتها وعادت للنوم مرة أخرى . راودها الحلم من جديد. لكن مهلا. هذان الشخصان ليسا هما اللذان رأت سابقا. أي ليس جديها. من هذان ياترى ؟ فهي لم تستطع تمييزهما لا تدري إن كانارجلين أم امرأتين. أم رجل وامرأة, اقتربا منها شيئا فشيئا، تمكنت أخيرا من التعرف عليهما؛ لكن بمشقة كبيرة، فهما يرتديان نفس اللباس وقصة شعرها متشابهة، سألتهما حسناء قائلة : من تكونان؟

أجابتها الفتاة قائلة : أنا ابنتك يا أمي وهذا زوجي، شهقت حسناء شهقة كادت تتمكن منها. لكنها ضبطت أعصابها وقالت للفتاة : مستحيل أن تكوني أنت ابنتي, كما يستحيل أن أزوجك لهذا الشاب المتخنث.

تجيبها الفتاة قائلة : هذا ماحصل يا أمي. فلقد ربيتني على الانفتاح وحرية الاختيار والتعبير, وعندما بلغت سن الرشد . تعرفت على هذا الشاب فأحببته. لكنكما رفضتماه أنت ووالدي. فتزوجت به بدون علمكما. وعندما اكتشفتما الأمر غضبتما كثيرا مني. فرحلت أنا وزوجي بعيدا عنكما. فانقطعت عني أخباركما. ولم أعد أعرف عنكما شيئا. حتى عرفت من الجرائد أن أبي توفي  من شدة حزنه وغضبه علي. فعدت الآن لأطلب منك العفو والصفح. وأنا مستعدة ياوالدتي العزيزة أن أفعل كل ما تريدين, مستعدة أن أنفصل عن زوجي من أجل أن أعود إليك، من أجل أن أشعر بالحنان والأمان مرة أخرى. فمنذ أن تزوجت لم أعرف طعم الحياة. فزوجي كل مرة يؤنبني ويعيرني بأنني ا مرأة عاقة ولا أصلح أن أكون أما مثالية. كما أنه لايحترم بيت الزوجية واستغل وحدتي ليتحكم بي، بالإضافة إلى هذا، فإنه يرغمني على  القيام بأشياء غير أخلاقية وعندما أسأله عن غيرته علي يأمرني بأن أصمت وأحمد الله عليه، لأنه قبل الزواج بي. كما يذكرني بالأيام التي أمضيتها معه قبل الزواج. وكأنني أنا المسؤولة وحدي .

لقد تعبت ياوالدتي من هذه الحياة. وأنا أطلب منك الآن وأرجوك أن تصفحي عني وتغفري لي.

تجيبها حسناء قائلة : لا بأس يابنيتي فأنا لي يد كذلك في وصولك لهاته الحالة. ولكن كيف عشقت هذا المتخنث إنه يشبه الفتيات, يتزين با لقلائد والقرط. وانظري إلى قصة شعره إنها تشبه قصة شعرك.وأنت ما هاته الملابس التي ترتدين. ألم تجدي ملابس تليق بأنوثتك. ثم إنها تكشف لك جسمك بكامله.

تجيبها الفتاة : أجل لم أجد ملابس نساء فقد انقرضت، كما أن هاته الملابس هي ملابس” الموضة” والتقدم والانفتاح.

تجيبها حسناء قائلة : تبا للموضة التي عرفتم وتبا لأيام التقدم والانفتاح. وسحقا لكل من يساندها بهذا الشكل.

ترد الفتاة قائلة : لا تشتمي يا أمي. فإنك كنت أول من ساند التقدم والانفتاح.

تجيبها حسناء قائلة : لكن لم يكن هدفي وصول المرأة لهاته الحالة المزرية. كانت أهدافي نبيلة وإيجابية تعقب الفتاة قائلة : لكنك مهدت الطريق لاخرين يودون تحطيم المرأة المسلمة بصفة خاصة والمسلمين بصفة عامة وللأسف فقد وجدوا الأرض خصبة فسهلت عليهم المأمورية.

والآن أنا مضطرة لأن أتركك لأن العمل سيبتدئ بعد نصف ساعة.

تسألها حسناء قائلة : مهلا أتشتغلين ليلا. هذا مستحيل انتظري يا صغيرتي.

آنذاك أتت الخادمة لتوقظ حسناء.

تتحدث الخادمة قائلة : سيدتي سيدتي. الحمام ساخن هيا استيقظي سيدتي.

ترد حسناء قائلة : لم أيقظتني. لقد كنت أتحدث مع ابنتي، تجيبها الخادمة قائلة : ابنتك! إنه مجرد حلم يا سيدتي فابنتك لن ترى النور إلا بعد شهرين إن شاء الله.

ترد حسناء قائلة : أجل كان مجرد حلم، لكنه حلم حقيقي أيقظني من نوم عميق. وغير كل أفكاري وطموحاتي، والحمد لله الذي فتح بصيرتي قبل أن يفوت الأوان.

نادت للخادمة وسألتها إن كان زوجها قد استيقظ أم لا  فأجابتها بأنه لم يستيقظ بعد، فطلبت منها أن تحضر لها ملابس تقليدية وتؤخر الفطور حتى يستيقظ زوجها لأنها لن تغادر المنزل اليوم.

بعدها قامت واستخرجت من الخزانة كل مقالاتها وبدأت تمزقها وهي تردد.

- أريد أن أعود تلك العروس الحسناء.

- لادمية يلعب بها من يشاء.

وهكذا استيقظت حسناء من النوم واستيقظت.

أما آن أن نستيقظ نحن أيضا؟.

لبنى العبدي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>