على هامش ظاهرة “عبدة الشيطان”: طــقـوس ديـنـيـة تحــولــت إلــــى: ألعاب رياضية - وحركات بهلوانية - وفرق مشعوذة


 مقدمة:

الحياة خضم بحر هائج، ومعترك جهاد دائم، والإنسان محور هذا الاصطخاب، يلجأ بين الحين والآخر، إلى الترفيه عن نفسه لإزاحة هذا العناء، فيحضر جلسات ذكر، أو يستمع إلى موسيقى أو يذهب إلى سرك، أو يشاهد مباريات رياضية، إلى غير ذلك، كل حسب ميولاته. لكن هل تعلم أن بعض هذه الحركات البهلوانية أو الرياضات، أو بعض فرق الموسيقى أو الشعوذة في بلادنا أو بلاد العالم، كانت عبارة عن طقوس دينية ؟

الأمر يدعو إلى التساؤل؛ ما هي نقطة الالتقاء بين المجالين إذن؟

العلاقة لها قصة قديمة. فكيف ذلك؟

طقوس دينية قديمة تحولت إلى ألعاب رياضية حديثة:

1-  في آسيا ـ بالهند:

حوالي سنة1000 ق.م، سادت بالمجتمع الزراعي المنحل، طبقة الكهنة المعروفة (بالبرهمان) الذين يشرفون على المعابد بالهند، وقد حضيت هذه الفئة بتقدير الناس، حتى أصبحت مذهبا أو عبادة هناك، وفي حوالي 525 ق.م ظهر مصلح اجتماعي نشر فكرة توحيد المجتمع، فظهر (سادرهار تاكوطما)، الذي ادعى أنه أنزل عليه الوحي، فقام بنشر دعوته باسم (بوذا)، أي المستنير، وعارض البرهمانية، فدعا إلى التوحيد والزهد وحب الخير وإلى الطهارة، فأحبه الناس وقدسوه، واجتمعوا حوله. وبعد موته قدسته الأجيال اللاحقة دون معرفة أصل التقديس فاعتبروه إلها. وانتشرت ديانة بوذا هذه بالهند، ثم بالصين في القرن الأول الميلادي بعد تراجع الديانة الكنفوشية، ثم انتشرت باليابان في القرون التالية.

ولا يخفى ما كانت تحضى به هذه الديانات من احترام، ومن زيارة للمعابد، خاصة في مدينة (بناريس) بالهند، التي كانت محج البوذيين. فكان الكهنة بلباسهم الأسود هم الذين يقومون بالإشراف على الطقوس الدينية والصلوات والاحتفالات داخل المعابد وذلك ليسود الهدوء والنظام. ولعل هذا هو الدور الذي يقوم به الحكام داخل ملاعب الكرة بأرديتهم السوداء، حيث يشرفون على أن تمر المباريات الرياضية في هدوء وسلام ونظام.

وأصبح زوار المعابد يتلون أناشيد وتراتيل، ويقومون بحركات خشوع، توحي بالارتياح والانشراح النفسي، والشعور بالطمأنينة داخل المعبد، فكانت حركات الاسترخاء هذه أصلا لرياضة (اليوكا) اليوم. كما كانوا يقومون بحركات أخرى تعبر عن طردهم لقوى الشر، مرسلين أصواتا مختلفة لإبعادها، فتحولت هذه الحركات لما يعرف اليوم بالمصارعة ورياضة الجيدو ورياضة الكراطي، والطيكواندو، وما يصاحبها من إشارات صوتية.

2 – وفي أوربا باليونان:

عرف الإغريق تعدد الآلهة كما كان في الحضارات الأخرى المعاصرة. وكانوا يعتقدون أن لكل ظاهرة إلها يتردد على بعض الساحات، لذلك كانوا يتجمعون عند هذه الأماكن في أوقات من السنة، وكأنها مواسم الحج لديهم، وكان كبير هذه الآلهة هوإله البشر(زيوس) ، وتصوروا أنه يسكن بأعلى جبال بلاد الإغريق وهو جبل (أولمب) ، فكانوا ينظمون كل أربع سنوات طقوسا واحتفالات دينية، يشارك فيها الشباب من كل المدن الإغريقية، فيقومون بحركات وألعاب ترمز إلى فكرة توحيد كل المدن الإغريقية، منها القفز، والعدو، والمصارعة، وكانوا يكافئون المنتصربمنحه إكليل النار وضوئه، وكانوا يستقبلونه استقبال الظافر لدى عودته إلى مدينته. وتدعى هذه الحركات بالألعاب الأولمبية، أما إكليل الغاز والضوء، فهو المشعل الأولمبي.

طقوس دينية أصبحت حركات بهلوانية:

في بلاد فارس:

في أواخر القرن السادس قبل الميلاد، أصبح المجوس الذين كانوا يقدسون النار يعلمون الناس مبادئ عقيدة جديدة وضعها (زرادشت)، ومؤداها أن الحياة صراع بين الخير والشر، وبين النور والظلام، وأن رب الحكمة (أهورامازدا) يمثل الخير والنور، ويعارض إرادته (آهرمان)، أي الشيطان الذي يرمز إلى الشر والظلام.

فحسب تلك العقيدة، كان على الإنسان أن يختار؛ فكان الكهنة يدفعون الناس إلى الطهارة وحب الخيروقول الحق، ويوقدون مواقد النار في المعابد فوق الجبال، ويأمرون الناس بحمل المشاعل لطرد الشر من داخل المعبد، وبعد أن يعلن الكهنة الزرادشتيون تحقيق الهدف، يقوم المتعبدون بحركات راقصة بالنار وحول النار. فالنار نراها الآن في الزوايا والأضرحة، وكأننا آثرنا طقوس المجوسية عن تعاليم الإسلام. فأصبحنا نحمل الشموع داخل الأضرحة تبركا، ولا ندري أنها ترمز إلى طرد إله الشر وجلب إله الخير، وهذا في حد ذاته كفر، لأن الله إله واحد أحد.

وأما ما يلعب به، فقد أصبح عبارة عن حركات بهلوانية يقوم بها متصوفون انزلقوا عن دينهم، وكونوا فرقا مشعوذة تبهر الناس بألعابها البهلوانية وبخدعها مقابل دراهم معدودة، أو مثل ما يقوم به سكان أهل سوس عند زيارتهم لضريحهم المفضل (سيدي احمد أو موس) بمنطقة (إليغ) (ناحية تافراوت)، حيث يقوم الصوفيون بحركات تخشع وابتهالات، أخذت تنشط وتكثروتعلو وتصطخب حتى أصبحت حركات بهلوانية تعرف اليوم في المغرب بـ (أولاد احمد أوموس).

كيف تحولت بعض الطقوس الدينية إلى رقصات أو فرق للشعودة ؟

ولنأخذ هنا نموذجا للتصوف في الإسلام، فقد تطورت فيه طرق التأمل النظري للبحث في الاتصال والتقرب الفردي المباشر إلى الله. وتعددت الطرق الصوفية بتعدد اتجاهاتها وأماكنها ومنها الرفاعية، والشاذلية، والمولوية والأحمدية والكيلانية أو الجيلانية (الجيلالية)، واتخذت لها رباطات أو زوايا تتكون من عدة أبنية تختلف حسب مراكز الصوفيين ومنازلهم ومراتبهم في التصوف. وقد كانت لكل فئة ومرتبة طقوس وأذكار وابتهالات خاصة. ولنأخذ على سبيل المثال نموذجا للطريقة الاحمدية والجيلالية :

يرجع أصلها إلى العراق، لعبت دورا هاما في قراءة القرآن وترتيله وتفسيره، وقامت بدور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجمع المريدين على ذكر الله.واتخذت هذه الأذكار،خاصة خلال الأعياد الدينية كالمولد النبوي، أو المواسم، أذكارا وطقوسا معينة تعتمد على إطفاء الأنوار في الخلوة، وترتيل ابتهالات خاصة تزيد من خشوع المريدين.

غير أن التدهور العثماني خلال القرن 18، جعل الدولة تشجع هذه المواسم وما علق بها من بدع، ليشتغل الناس بها عن أمور السياسة والانحلال الإداري والخلقي والاقتصادي، فتجردت هذه الزوايا من كل قيد ديني أو سياسي، وأصبح أدعياء هذه الطرق يبتدعون أفكارا وابتهالات “وسماع” بدأت تصاحبها في الخلوة رنات موسيقية وأصوات وهمهمات صوتية باعتبارأنها تزيد من درجة التوتر والخشوع، ثم استبدلت هذه الترانيم بدفوف، ثم صاحبتها مزامير ثم طبول ثم أعلام ورايات، فأصبحت فرقا موسيقية، أو على الأصح طوائف موسيقية دينية، أو دجالون ومشعوذون، وهي المعبر عنها في مجتمعنا في الطريقة الاحمدية (احمادشة)، وفي الطريقة الجيلالية (جيلالة) وما شابه ذلك من طوائف عيساوة وغيرهم، فهل تَمُتُّ هذه الطوائف اليوم إلى الإسلام بشيء؟ لا. أبداً.

خــــاتمة:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وخير الهدي هديُسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار».

إن أصل هذه الفرق الموسيقية اليوم طرق دينية صوتية، علقت بها بدع أبعدتها عن الدين فكم من مُخْمِرٍ أو مارقٍ دق الطبول باسم الدين والتصوف، وليس هو من الدين في شيء، بل أكثر من ذلك إن كثيراً منهم أظهروا كرامات كزعمهم مسك الثعابين والحيات، وإدخال النار في الأفواه (أولاد مولى مليانة) وبلع الحديد والزجاج وضرب البطون بالسلاح، مدعين أن خشوعهم يجعل أجسامهم ترقد عن الاحساس بما يفعلونه بأجسامهم.

لعل هذا الآن ما يدخل ضمن الشعوذة، والابتعاد عن الدين وإبهار الناس، وبالتالي، الميول إلى الكسل والتوكل على الآخرين في جمع الأموال تحت ستار الدين أو الفرجة (الحلقة).

سعاد برادة

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>