خطب منبرية – العدوان الصليبي الصهيوني على العراق: بـغـداد الـمـغـدورة


الحمد لله الواحد القهار ،مالك الملك، رب الأرباب، ومالك الرقاب، نحمده سبحانه وتعالى حمدا يوافي نعمه، وأشهد أنه لا إله إلا الله  وحده لا شريك له، القائل في كتابه المبين : {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون}(الصافات :171). القائل عز من قائل  : {والله غالب على أمره،ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.

وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي قال له ربه : {هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو أنفقت  ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم }(الأنفال :63).

أما بعد،

فلا زلنا أيها الإخوة المسلمون، نرصد الأحداث، ونستخلص العبر،  في خضم الحرب العدوانية الظالمة، الحرب الصليبية الصهيونية التي شنها الحلف القذر على شعب العراق الصابر، بكل عنجهية وهمجية واستكبار، وإنه ما لم يحصل هذا الاعتبار بما يجري من أحداث دامية وتحولات رهيبة، تمس الأمة في موقعها الرسالي باعتبارها شاهدة على العالمين، سيزداد ليل الأمة طولا وسوادا وأحزانها شدة وامتدادا.

وعلى العكس من ذلك أيها الإخوة المسلمون ، فإنه إذا اعتبرت الأمة بما يجري لها من نكبات وينالها من جراح غائرة، فسيكون ذلك لها عُدَّة نافعة ورصيدا ثمينا تستثمره في إعادة إعمار الذات التي تشكو من فقر مهول وخراب فظيع.

وسأقف عند ملامح أخرى لشخصية الخصم الكافر، ووجهه الكالح القبيح،من خلال تجلياته في هذه الهجمة الشرسة على شعب العراق المسلم.

لقد ظل هذا الخصم الكريه خلال العصر الحديث يقدم نفسه للناس باعتباره المثل الأعلى والنموذج الرفيع لما يمكن أن  يبلغه إنسان أو شعب من الشعوب في مجال الرقي  وتجسيد القيم المنشودة كالحرية والكرامة والعيش في أمن وسلام، ولما يمكن أن تبلغه مدنية ما من الإشعاع والعطاء الحضاري الرفيع.

غير أن هذا الزعم الكبير، يحتاج إلى إنجاز أمر هو من الاستحالة بمكان، وهو طمس معالم تاريخ أسود مشحون بالمفاسد والويلات، بالظلم والعدوان  على كرامة الإنسان، تاريخ يشهد على فصول رهيبة من الاستغلال وامتصاص الدماء واحتقار الشعوب واعتبارها مطية ذليلة يجوز استباحتها وتسخيرها في سبيل تحقيق أعلى قدر من الربح المادي وتكديس الثروة في جيوب عتاة الرأسمالية وصناديقهم.

ولئن كانت الاستحالة سدا منيعا أمام محاولة تمرير ذلك الزعم السخيف وإعطائه طابع الحقيقة،فلقد حاول الخصم الكبير للإسلام أن يظهر في النصف الأخير من القرن العشرين بمظهر وديع، وبصورة مشرقة ترصعها جملة من الشعارات كالديموقراطية والحداثة وحقوق الإنسان،لكن أحداثا وتفاعلات، كانت كفيلة بكشف الزيف والكذب الذي خالط (تلك) الصورة المصطنعة.

فالذئب لا يمكن أبدا أن يخرج عن طبيعة  الذئاب، ولقد مثلت الولايات المتحدة وحليفتها بريطانيا ، هذه الذئبية في أشرس تجلياتها وأعتى مظاهرها.

لقد كانت صاعقة 11 شتنبر 2001م، أيها الإخوة المسلمون، بمثابة الهزة العنيفة التي كشفت تالحقد، فسرعان ما سقطت الأقنعة وتهاوت الشعارات وذابت الأصباغ تحت لهيب ألسنة النيران وهي تستعر في برجي التجارة العالمية مثال التبجح والهيمنة والتطاول في البنيان،ورمز الاستغلال وامتصاص دماء البشر .

وهكذا راحت الولايات المتحدة الأمريكية، تعيث في أرض المسلمين فسادا ، تحت شعار زائف وذريعة باطلة هي محاربة الإرهاب. وكانت البداية من أفغانستان التي حولتها الآلة العسكرية الجهنمية إلى أنقاض وخرائب وأطلال وزادت شعبها بؤسا على بؤس وجراحا على جراح.

واليوم تعاود أمريكا كرتها وعدوانها على أرض العراق وشعب العراق، فتكمل ما بدأته قبل اثني عشرة سنة ، كانت حصارا خانقا وسنوات عجافا سلبت فيها الحياة من آلاف العراقيين،وفي مقدمتهم الأطفال الأبرياء، فبات العراق كسيفا  جديبا.

إن مما يستوقفنا في هذه الحرب الصليبية المقيتة الجائرة تلك اللعبة القذرة التي استمرأتها الولايات المتحدة في ظل منطق القوة وشريعة الغاب،إنها لعبة الهدم والبناء” لقد برهنت هذه الدولة الظالمة،التي قامت على الجماجم والدماء، على أنها تحسن هذه اللعبة بامتياز. فهي تقوم بهدم ما بنته سواعد الشعوب في قرون وأعوام، في ساعات وأيام.

إنها طبيعة النظام الرأسمالي المتسم بالشراهة والجشع، النظام الذي تدفعه أزمته الخانقة وكساده الناتج عن تلك الطبيعة نفسها القائمة على الربا سرطان المجتمعات التي ابتليت بالسقوط في حمأة ذلك النظام البغيض تدفعه إلى البحث عن مخرج من تلك الأزمات، وتجاوز لذلك الكساد.

وإن لهذه الحرب الظالمة على شعب العراق المسلم بالإضافة إلى تغذية الآلة الرأسمالية وإنعاشها ودرء الصد عنها، أهدافا حيوية أخرى، تتمثل في الحيلولة دون تنمية شروط الإقلاع الحضاري الجديد لأمة الإسلام، وتجاوز حالة الضعف والانكسار، ولقد كان بإمكان العراق أن يشكل رافدا حيويا للنهوض الحضاري وإعداد القوة لمغالبة الأعداء المتربصين،وحماية مكاسب الأمة، أما الهدف الاستراتيجي الآخر الذي يمثل أولوية أساسية لهذه الحرب الإمبريالية الظالمة، فهي ضمان أمن “إسرائيل” التي يتحكم حاخاماتها وصناع القرار فيها، في سياسة أمريكا ويوجهونها كما يشاؤون. ولا غرابة في ذلك، فتعاليم اليهودية التوراتية تلتقي في مبادئها الأساسية وأهدافها الكبرى مع المذهب البروتيستانتي السائد في الولايات المتحدة الأمريكية .فالتعجيل بهدم المسجد الأقصى  وبناء الهيكل، كما يعتقدون يسرع بظهور المسيح.

أيها الإخوة المسلمون، إنه مما كشفته الهجمة الإمبريالية المسعورة على إخواننا في أرض العراق،ذلك الحقد الدفين الذي يكنه الكافر لكل شعب مسلم، خاصة إذا كان في مثل إباء شعب العراق.وتترجم هذه الحقيقة آلاف الأطنان من القنابل وآلاف الصواريخ التي أسقطت على ذلك الشعب المظلوم،وتسببت  في قتل الألوف وجرح وتعويق عشرات الألوف من الأبرياء الآمنين، فهل هذه هي الحرية الموعودة أيها الإخوة المسلمون؟

إن أمريكا التي مارست كل هذا العدوان الفظيع، لم تكن لتقنع بالإيذاء الجسدي ، بل أبت إلا أن تقرنه بمختلف صنوف الإيذاء النفسي، من خلال الإذلال وانتهاك الأعراض واقتحام البيوت على الآمنين…فلقد شاهد الجميع الاقتحامات الهمجية التي نفذها الجنود البريطانيون المجرمون على الأسر المسلمة وإخراجها إلى العراء وإرغامهم على الإقعاء في وضعية الاستسلام والخنوع.

ولقد شاهدنا جميعاـ والمرارة تعصر قلوبنا،والغيظ يجتاح صدورناـ ذلك الشيخ الذي بكى بكاء مرا لمشهد النساء وهن يخضعن فيمن يخضعون للتفتيش عند نقاط التفتيش التي أقامها الأعداء ،فإلى متى تهون على المسلمين أعراضهم؟وإلى متى يظل حكام المسلمين وحماتهم يتفرجون في بلادة وذهول، على شعوب تغزى وبلاد تحتل وأعراض تنتهك وخيرات تنهب؟؟؟ متى ترفع راية الدعوة لاسترداد الكرامة المهدورة والسيادة الضائعة؟ بل متى توفر الشروط لذلكوتعد العزائم والهمم؟؟؟

اللهم عجل بذلك يارب العالمين يا أرحم الراحمين.

************************

عندما انهار برجا التجارة العالمية أسرعت أمريكا الخطى في اتجاه أفغانستان لتوقع العقاب على من ظنتهم مسؤولين عن تلك الصاعقة،وعربدت في سماء أفغانستان وأرضها وقتلت وشردت وأجرت أنهارا من الدماء.ولا أحد يلوم أمريكا في أن تلحق الموت والدمار بالأضعاف المضاعفة لمن قضوا تحت أنقاض البرجين الشهيرين، لأنها فعلت ما تراه واجبا لإنقاذ ما تراه رمزا من رموز عتوها وتفوقها وأمجادها.وصفق الجميع لأمريكا البطلة،لأنهم وكلوها باجتثاث “الإرهاب” حيثما كان .ولأن الوقوف تحت غير مظلة الغالب يسبب ما يسببه من المتاعب والحرمان،فكلمته الفاصلة تمثل وعيدا شديدا لمن سولت له نفسه الوقوف خارج معسكر محاربة الإرهاب”من لم يكن معنا فهو ضدنا” .

نعم أيها الإخوة المسلمون، لقد كان البرجان المقدسان جديرين بتجييش الجيوش وهدم بلد على رؤوس أصحابه…

أما هدم معقل من معاقل الحضارة الإنسانية الخالدة فهو أمر بسيط وهيِّن على حكام المسلمين..ولكن لا عليهم في ذلك، فمافعلته أمريكا مهمة مقدسة تباركها البشرية العاقلة جمعاء .. هي مهمة تحرير شعب العراق، وإنقاذ  البشرية البائسةمن وقوع أسلحة الدمار الشامل بين أيد تسيء استعماله.وقد تم ذلك، وما على من كانوا جنودا في هذه المهمة المقدسة من العرب والمسلمين إلا أن يفتخروا وأن ينحنوا بكل إجلال أمام فرعون العصر.

ويقول الله سبحانه : {إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه  كان من المفسدين، ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ..ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون}.

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>