حوار مع الدكتور محمد هيثم الخياط(*) كبير مستشاري المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط - اللغة العربية والتعريب وإشكالية المصطلح: بـين الخصـوصية والـعـالـمـيـة


< كثيراً ما نتحدث عن قدرة اللغة العربية الخلاقة في استيعاب التطورات العلمية والتكنولوجية، إلى أي حد يمكن أن يكون هذا الكلام صحيحاً؟

> إن اللغة العربية هي أقدر من سائر اللغات على هذا الاستيعاب، فقد أثبتت هذا في الماضي حينما نقلت إليها سائر العلوم واستطاعت قبل ذلك أن تستوعب وحي الله عز وجل، فاللغة التي تستطيع أن تحمل هذا الوحي إلى الناس هي اللغة الأصلح لحمل كل ما يحتاج إليه الناس.

ومن أجل ذلك من المتفق عليه الآن أن اللغة العربية هي لغة المستقبل، وذلك لمزايا عديدة فيها تجعلها قادرة على التطور المستمر والتوليد المتواصل لمجموعة كبيرة من المصطلحات، لأننا كما قلت نجد فيها إمكانات التوليد والاشتقاق، ولاستعمال المجاز (يعني نقل الكلمة من معناها إلى معنى آخر) هذه الإمكانية تفتح أبوابا لا تكاد تغلق لتوليد الكلام، وبذلك تكون قادرة جدا على توليد المصطلحات اللازمة وبشكل أقرب ما يكون من الدقة والوضوح.

أما النقل العلمي فهو لا يقتصر على المصطلحات وحدها ولكن الأهم من ذلك هو البيان في اعتقادي أن اللغة العربية أقدر من غيرها من اللغات على فعل ذلك. وكما أقول دائما المصطلح ليس عقبة في سبيل التدريس باللغة العربية أو الحديث بها. فهو لم يكن حجرة عثرة في الماضي أمام أجدادنا وإنما حاولوا أن يجدوا الكلمة المقابلة باللغة العربية للكلمات الأجنبية، وعندما وجدوا أي عقبة في هذا الموضوع استعملوها كما هي أو استعربوها (نقلوها بلفظها إلى اللغة العربية). ولكنها -أي الكلمة الأعجمية- كما يقول أبو الهلال العسكري في التلخيص إذا عربت فهي عربية، لذلك تدخل عليها الألف واللام، وتجمع وتشتق….إلخ. إذن تصبح كلمة عربية وتدخل في اللغة فتغنينا، فلا نجد أي مشكل من جهة توليد المصطلحات ولا من جهة اللغة المستعملة في البيان. في اعتقادي استعمال اللغة العربية في تدريس العرب هي الطريقة الوحيدة والمثلى في نقل المعرفة إليهم ونقل العلم إليهم ولا يستطيع أحد أن يزعم أن الإنسان يمكن أن يفهم بلغة أخرى أكثر مما يمكن أن يفهم بلغته هو أو أن ينقل المعلومة بلغة أخرى أكثر مما يمكن أن ينقل المعلومة بلغته هو.

< تحدثتم عن التوليد، في هذا السياق أحب أن أسألكم عن العلاقة التي يمكن أن تنتظم التوليد والتعريب والترجمة . ألخ؟

> اللغة العربية لغة غنية، ومن غناها أن هناك وسائل متعددة الآن تستطيع بها أن تضع الألفاظ التي تعبر عن معنى معين، من هذه الألفاظ الصيغ الصرفية المتعددة. على سبيل المثال صيغة إسم الفاعل، صيغة إسم المفعول، صيغ إسم الآلة أو أسماء الآلة أو ما شابه ذلك والملاحظ أن الناس تلقائيا يقومون باستعمالها فحينما تأتي ألة تقوم بغسل الملابس يسمونها غسالة تلقائيا تستعمل صيغة من إسم الآلة فعالة وتستعمل صيغ كثيرة من الصيغ الأخرى فمثلا في الطب جهاز يستعمل لإجراء التنفس اصطناعيا للمريض صاغوا له صيغةمنفاس على وزن منفاخ (مفعال) لأن هذا يكون لعملية التنفس فالعامة يستطيعون أن يصيغوا مثل هذه الكلمات يعني لا تحتاج حتى إلى جهد كبير لأنها تدخل في السليقة اللغوية، إذن هنالك مجموعة من الصيغ الصرفية وهي مجموعة كبيرة جدا يمكن أن تستعمل، مؤخرا بدأ الناس يألفون استعمال صيغة (فاعول) لأسماء الآلة؛ فصيغة فاعول واردة في القرآن الكريم مثل قوله تعالى {فإذا نقر في الناقور} وقوله تعالى {ويمنعون الماعون} فهذه أسماء آلة تستعمل في القرآن الكريم ولكن ليست كثيرة. فبدأ الناس يولدون المصطلحات فمثلا يقولون حاسوب، ناسوخ وما شابه ذلك إذن هذا باب مفتوح لتوليد الكثير من الكلمات الجديدة، بالإضافة إلى (باب الاشتقاق) هناك باب المجازأي نقل الكلمة المستعملة من معنى إلى معنى جديد بحيث يكون بينه وبين المعنى الأصلي نوع من التشابه أو من الصلة) على سبيل المثال كلمة سيارة، فحينما نرى هذه الكلمة في القرآن الكريم في قوله جل جلاله {وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه} هنا السيارة المقصود بها مجموعة سائرة من الناس. ولكن يوجد من وجد وجه مناسبة بين هذه الكلمة وبين الآلة الكبيرة التي تنقل الناس وتسير بهم، فأطلق إسم السيارة على (الأوطوموبيل) والناس تقبلوه والآن لا يوجد أحد يستعمل كلمة أخرى، فإذن هنا نقلت هذه من معناها إلى معنى آخر وهذا باب واسع جدا نستطيع من خلاله أن نولد عدد كبيراً من الكلمات. بالإضافة إلى ذلك لدينا باب نحرص على عدم استعماله بشكل واسع ولكننا نحتاج إليه أحيانا وهو باب النحت، وذلك بأن نأتي بقسم من كلمة أولى وقسم من كلمة ثانية فندمج هذين القسمين من أجل توليد كلمة جديدة وهذا يسمى النحت أو التركيب المزجي على سبيل المثال الكلمة الشائعة جدا “البرمائيات” هنا نحتنا كلمة “البَر” وكلمة “الماء” فقلنا البرمائيات وهذه كلمة قبلها الناس وأخذوا يتداولونها. وهذه الطريقة حينما نحتاج إليها نلجأ إليها، لكن إذا وجد حل آخر فالعادة أن نلجأ إلى الحل الآخر لأن هذا مجال واسع يمكن أن نستعمله عند الحاجة.

يبقى لدينا موضوع الاستعراب إذا صح التعبير، يعني هناك كلمات مثل العرب : العرب البائدة وهناك العرب العاربة أي الأصيلة وهناك العرب المستعربة الذين انضموا إلى العرب ولم يكونوا منهم في الأصل. فهذه الكلمات منها أيضا كلمات مستعربة هي كلمات في الأصل أعجمية ولكنها أدخلت إلى اللغة العربية وأُنبتت فيها فصارت تصرف وتجمع وتُؤنث فصارت كلمة عربية تعامل معاملة الكلمات العربية تماماكما ذكر أبو هلال العسكري في شبه قاعدة “الكلمة الأعجمية إذا عربت فهي عربية”. ونحن نعلم أن في القرآن الكريم عدداً من الأعلام التي هي ممنوعة من الصرف للعلمية والعجمة، معناها أنها ألفاظ أعجمية ولكنها استعملها القرآن الكريم : مثل سندس، إستبرق، قسطاس وما شابه ذلك. ونحن لا نشعر أن هذه الكلمات هي كلمات أعجمية وإنما بالنسبة إلينا هي كلمات عربية ما دام القرآن الكريم قد استعملها والعرب قد استعملونها بعد ذلك على نطاق واسع وهذا أيضا باب لا نريد أن نفتحه على مصراعيه ولكننا لا نريد في نفس الوقت أن نغلقه أمام هذه الكلمات فتمة من الكلمات ما يكون من الخير أن تستعرب لأن الكلمات التي توضع في مقابلها قد تكون أشد عجمة منها وبالإضافة إلى ذلك هناك كلمات أخذت صفة العالمية تستعمل في كل لغات العالم أو جل لغات العالم بصيغتها فأمثال هذه الكلمات من المستحسن أن نسير مع العالم في استعمالها.

إذن لدينا نحن آفاق واسعة من أجل توليد الكلمات والألفاظ والمصطلحات وعلى هذا الأساس لا يكون هناك داع للتردد في عملية التعريب اللهم إذا أحسنا اختيار هذه الكلمات بحيث تكون مقبولة لدى الناس فلا ينفر منها السامع أو الكاتب أو المستعمل بحيث توحد ما أمكن وذلك بعدم استعمال عدة ألفاظ مقابل لفظ واحد أجنبي فذلك يحدث نوع من الفوضى والتشويش لدى المستعملين من أجل ذلك فإن قضية توحيد المصطلح لها شأن كبير وقد شرع في قضية التوحيد في الوطن العربي في عدد من العلوم بصورة خاصة نذكر مثلا الطب حيث كان للمعجم الطبي المُوَحَد أو المُوَحِد دور كبير في هذا الموضوع بتحديد كلمة واحدة مقابل كلمة واحدة بقدر الإمكان إذا كان للكلمة معنى واحد. والحمد لله فقد أثبت هذا المعجم صلاحيته وأخذ يستعمل على نطاق واسع ويوحد الفكر الطبي والمصطلح الطبي والكتاب الطبي بشكل خاص.

< هناك من يخاف من عواقب إدخال هذه الكلمات الأجنبية للغة العربية، يخاف على بنية اللغة العربية مستقبلا، وبالتالي الخوف حتى على بنية المجتمع باعتبار اللغة هي المرأة التي تعكس هوية وثقافة المجتمعات..

> أولا من يخاف هو الضعيف، اللغة العربية هي أقوى من أي لغة أخرى ولذلك لا تخشى، ومن أجل ذلك قبلت هذه الكلمات. وعلماؤنا في الماضي أدخلوا كثيرا من هذه الكلمات دون تردد ودون خوف وقالوا الأسطرلاب وقالوا الأسطول ثم بعد ذلك وجدوا لهذه الكلمات مقابلا عربيا أفضل فاستبدلوها، وبعضها بقيت وعاشت ولا نشعر نحن بغربتها صرنا نعتبرها جزءاً منا وعلى كل حال مهما فتحنا الباب أمام هذه الكلمات فلن تبلغ عشر معشار الكلمات الأخرى لذلك فلن يكون لها مثل هذا الأثر الذي نخاف منه.

< يثار نقاش حاد حول الشورى والديمقراطية مثلا هذا يجعلنا نطرح السؤال عن هوية المصطلح؟

> هنالك فارق كبير بين الديمقراطية والشورى، هذا مصطلح وهذا مصطلح غيره يختلف عنه تمام الاختلاف لأن هناك فرقاً بين أن يكون لك صوت وأن تكون لك كلمة هذا هو الفارق بين الديمقراطية والشورى. الديمقراطية أن يكون لك صوت، أنت تذهب إلى الانتخابات وتصوت على من توكله عنك ثم تترك لهم المجال يمثلونك، هم يفكرون عنك، هم يقررون عنك لمدة أربع أو خمس سنوات وبعد ذلك تغيرهم. أما الشورى فأن يكون لك كلمة في كل شيء وهذه الشورى مطبقة حاليا فقط في سويسرا، لأنه في سويسرا كل أمر مهم يطرح على الاستفتاء حتى إنشاء جسر فوق بحيرة جنيف أو نفق عرض على استفتاء أكثر من أربع مرات ولم يصلوا إلى نتيجة فيه. فإذن كل فرد من أفراد الأمة هناك له كلمة في الموضوع وهذا يختلف كثيرا عن الصوت فالديمقراطية شيء والشورى شيء آخر يختلف عنه.

فالديمقراطية درجة من درجات الشورى محمودة ومشكورة لكنها لا تبلغ مستوى الشورى ..فهناك فارق في الكلمات، أما أن نضع هذه الكلمات بعضها مقابل بعض هذا يمكن أن يولد نوع من الالتباس.

< القصد من السؤال هو بعد الهوية في المصطلحات…

> موضوع الهوية موضوع آخر المثال الذي قلت لك ليس هو المثال الذي يحقق الفكرة التي ذكرتها. كثير من هذه المصطلحات لها تاريخ في البيئة التي تولدت فيها والمشكل أننا حينما ننقل هذه المصطلحات ننقلها بغض النظر عن تاريخها. في اعتقادي أن أمثال هذه الكلمات يجب أن يعاد النظر فيها  وقد يحسن أن تستعرب هذه الكلمات استعرابا لا أن تترجم حتى نُبقي أنفسنا واعين أنها غريبة المنشأ على سبيل المثال كلمة الإقطاع : هذه الكلمة استعملت استعمالا خاطئافالإقطاع في المفهوم الإسلامي مختلف تمام الاختلاف عن مفهوم (Fieudalisme)  في الغرب ولكننا شوهنا هذا المصطلح (الإقطاع) وأعطيناه معنى ليس هو معناه الحقيقي فدخل هذا المصطلح في الكلام وانتشر بهذا الشكل وأصبح الإقطاع أمراً كريهاً مع أنه في الأصل هو آلية مهمة جدا من آليات الدولة لتشجيع الناس على إحياء الأرض الموات وعلى القيام بأعمال تستحق الثواب عليها أو ما شابه ذلك. هذا مثال من الأمثلة وهناك أمثلة كثيرة في حقيقة الأمر يمكن إيرادها، من أجل أن نستدل على أنه من الأفضل ألا تستعمل هذه الكلمات التي لها معنى واضح في لغتنا أو تدل على مفهوم معين استعمالها مقابل مفهوم مختلف تماما مثلها فمصطلح (fondamentalisme) التي تترجم بالأصولية فهو مفهوم غربي علاقته بالبيئة التي نشأ فيها وهي بيئة مسيحية حصل فيها نوع من التطور هذا لا علاقة له بالبيئة العربية والإسلامية فعندما ننقل كلمة الأصولية فإننا نعطي للأصولية شيئا لا علاقة لها به فنكون قد قمنا بعملية خيانة للمعنى أو المفهوم، في اعتقادي فإننا يجب أن نعيد النظر في كثير من هذه المصطلحات التي أصبحت تشوه كثيرا من معانينا الأصيلة.

الإرهاب على سبيل المثال أعطوه معنى (terrorisme) العنف، والإرهاب هو الردع عندنا فحينما يقول الله سبحانه وتعالى {ترهبون به عدو الله وعدوكم} يعني تردعون عدو الله من أن يحاربكم، إذن هو وسيلة لمنع الحرب ومنع العنف. الآن أصبحت هذه الكلمة تستعمل للدلالة على العنف فهي تدل على عكس معناها، وهذا بالطبع خيانة في حق المعنى الحقيقي وتشويه له.

< بالنسبة للتعريب في العالم العربي وعدم تطبيقه في كثير من الدول، ما عوائقه،هل الإشكال إشكال معرفي أم أنه مازال مرتبطاً بالقرار السياسي الذي قد لا يأتي؟

> القضية مشكل حضاري بالدرجة الأولى كما كان يقول أخي الأستاذ مالك بن نبي رحمة الله عليه، كان يتحدث عن القابلية للإستعمار وهذه القابلية تتجلى في عدة أشكال لكن من أهمها هذا الشكل، نحن نعتقد أننا لا نستطيع أن نفعل ذلك، نعتقد أننا لسنا أهلا، نعتقد أن لغتنا لا تصلح، هذا الاعتقاد الذي ينطلق من نفسية المهزوم ينبغي أن نتخلص منه أولا وقبل كل شيء، وهذا عامل أساس من عوامل تخلفنا، نحن متخلفون لأن فينا هذا النوع من الذي يرتبط بالقابلية للاستعمار ونحن مستعدون لهذا الوضع الذي يضطهدنا، والذي يحتقرنا، والذي يزدرينا، نحن الآن نزدري أنفسنا، نحن نحتقر أنفسنا، نحن نحتقر مقوماتنا، فهذا الموقف هو الذي يؤدي بنا إلى أن نقف هذا الموقف من التعريب ومن غيره من الأمور التي تجعلنا دائما نخاطب هذه الأمور بنفسية المهزوم، بدل أن نخاطبها بنفسية الإنسان المستقل الحر الذي يستطيع أن يملي إرادته ويستطيع أن يعتز بشخصيته ويسبطيع أن يظهر هذه الشخصية وتكون له بصماته، ويستطيع بالإضافة إلى ذلك -وهذا الأمر هو الأهم بالنسبة لنا كمسلمين- أن يقدم الخير إلى العالم كله. الله سبحانه وتعالى يقول عن هذه الأمة أنها قد أخرجت إخراجا. هي لم تخرج من تلقاء نفسها، الله سبحانه وتعالى قد أخرجها خير أمة، بمعنى أن لها مهمة كبيرة في إيصال الخير إلى الناس أجمعين، إذن دورهذه الأمة هو تغيير الأوضاع الفاسدة في الأمم الأخرى ، هو إصلاح هذه الأوضاع إصلاحا كاملا، هو جلب الخير للناس أجمعين في العالم كله، فكيف يتأتى لأمة تقف موقف المهزوم، فيها مثل هذه القابلية للاستعمار أن تقف مثل هذا الموقف الذي أهلها له ربها عز وجل، لا تستطيع إلا إذا غيرت موقفها {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} يجب أن نغير ما بأنفسنا، أن نعتز بديننا وبشخصيتنا وبلغتنا وبكل ما يتعلق بنا، ونعتقد أننا على حق وأن الآخرين على غير الحق وأن نحاول أن نصلح هذا الباطل الذي أصاب الآخرين وأصاب الدنيا كلها، وهذا دور يجب أن نقوم به فإذا لم نفعل ذلك فإن الله سبحانه وتعالى قد حذرنا بقوله سبحانه { وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم}.

< كيف ترون إمكانية التنسيق بين الأفراد والمؤسسات التي تشتغل في حقل التعريب وإنتاج المصطلح؟

> التجربة الناجحة التي مارسناها هي التجربة في حقل العلوم الطبية حيث أنشأ اتحاد الأطباء العرب سنة 1966 لجنة توحيد المصطلحات وكان فيها عدد من أساتذة كليات الطب في البلدان التي فيها كليات طبية راسخة القدم وكان معظمهم أعضاء في الوقت نفسه في مجمع من مجامع اللغة العربية أو أكثر، واجتمع هؤلاء واستطاعوا أن يوحدوا كثيرا من المصطلحات ثم بعد ذلك وسعت هذه اللجنة وأضيف إليها عدد من الكليات من البلدان التي تستعمل اللغة الفرنسية كلغة أجنبية بدل اللغة الإنجليزية، فزاد أعضاء اللجنة، وكان ذلك إغناء في عملها ووسع المعجم الطبي الموحد إلى 25 ألف مصطلح، ثم اشترك عدد أكبر من المساهمين، ونحن الآن في صدد طبع هذا المعجم في إخراجته الجديدة التي تشتمل على 150 ألف مصطلح وكلها مصطلحات موحدة. هذا شكل من الأشكال بدأ مع اتحاد الأطباء العرب ثم كلف منظمة الصحة العالمية أن تتابع ذلك فقامت منظمة الصحة العالمية بذلك خير مقام. أعتقد أن البدء بالاتحادات جيد، فلو قام اتحاد الكميائيين العرب -الذي بدأ بمشروع ولكنه لم يستكمل مع الأسف-، اتحاد الفيزيائيين العرب، اتحاد المهندسين العرب، اتحاد الصيادلة العرب، اتحاد أطباء الأسنان العرب…….، هذه بداية جيدة، لأن هؤلاء بصفة خاصة ليس لهم ارتباط رسمي وإنما هو ارتباط بالمهنة التي يمتهنونها، وبذلك العمل يكون أيسر وأسهل لأنه ليس فيه تعقيدات البيروقراطية إن صح التعبير.هذا شكل والشكل الآخر أن يتم التوحيد على مستوى الكليات ثم الكليات المتشابهة والأقسام المتشابهة هذا شكل آخر.

ومجامع اللغة العربية تقوم بنوع من التنسيق فهي تعطي الشرعية للمصطلحات، إن المصطلحات في العادة لا يضعها المجْمَعيون بل يضعها أهل العلم، أو يضعها الإعلاميون ثم يقوم المجمع بإعطاء الشرعية لها ويمكن لاتحاد المجامع أن يطلع بدور أكبر ولكنه حتى الساعة لم يطلع بهذا الدور. لأن الحكومات لا تخصص الأموال اللازمة للمجامع وإنما تخصص لما ميزانيات هزيلة في حين تخصص الميزانيات الكبرى لأشياء تافهة أقل ما يمكن أن يقال عنها.

——————-

(*) عضو مجامع اللغة العربية بدمشق وبغداد وعمان والقاهرة وعليكرة وأكاديمية نيويورك للعلوم.

وقدالتقينا به على هامش الندوة الدولية التي أقيمت بفاس أيام في مارس 2003 بعنوان : “إشكالية المصطلح في العلوم المادية”.

أجرى الحوار: محمد البنعيادي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>