دروس من سيرة المصطفى – الحُنَفَاءُ


هم بقية من العرب المتمسكين بشريعة إِبْرَاهِيم وإِسْمَاعِيل عليهما السلام، في الألوهية والتوحيد، والإيمان بالبعث واليوم الآخر، كما يومنون بأن رسولا سَيُبْعَث في آخر الزمان، يخرجُ به الله تعالى الناس من الظلمات إلى النور، وأطلق عليهم الحَنِيفيُّون لأنهم مالوا عن الدين الباطل إلى الدين الحق، سواء كانوا على بقية من دين إِبْرَاهِيم أم على دين المسيح الحق عليهما السلام، لأن المسيح من سلالة إِبْرَاهِيم دَماً وديناً كجميع أنبياء بني اسرائيل عليهم السلام جميعا. إلا أن الكلمة -في الغالب- تطلق على من كان يتحنف من العَرب، تمييزاً لهم عن الرُّهبان والأحبار المتمسكين بالحق، والذين كانوا هم ايضا ينتظرون النبي الخاتم بحق، كما كان ينتظره الحنيفيون.

وهؤلاء الحنيفيون -وإن كانوا قلة- قد كان لهم أَثَرٌ في إبقاء العَرب مربوطين بمصدر دينهم، وتراثهم الديني الأصيل. من هؤلاء :

1) قُسَّ بن ساعدة الأيادي : المشهور بخُطَبه في سوق عكاظ، فقد كان خطيبا، حكيما، عاقلا له نباهة وفضل، وكان يدعو إلى توحيد الله تعالى  وعبادته، وترك عبادة الأوثان، كما كان يومن بالبعث، والحساب، ويومن بالنبوة الخاتمة.

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : >إن قُسَّ بن ساعدة كان يخطب قومه في سوق (عكاظ) فقال في خطبته: سيُعْلَمُ حَقٌّ من هذا الوجه، وَأشار بيده الى مكة – قالوا: وما هذا الحق؟ قال: رجل من ولد لُؤَي بن غالب يدْعوكم إلى كلمة الإخلاص، وعَيْشِ الأبد، ونعيم لا يَنْفَذُ، فإنْ دَعاكم فأجيبوه، ولو علمتُ أني أعيش إلى مبعثه لكنت أَوَّلَ مَنْ يسعَى إليه < وقد أدرك النبي  ولكنه مات قبل البعثة(1)

2) زيد بن عمرو بن نفيل : قد تقدم الكلام عنه في السيرة، ولكن الذي لم يذكره ابن اسحاق، هو التقاؤه باليهود والنصارى بحثاعن الدين الْمُنْجي من غضب الله تعالى ولعنته. روى البخاري -بسنده- >أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشام يسأل عن الدين ويَنْبُعه، فلقي عالما من اليهود، فسألهم عن دينهم، فقال: إنِّي لعَلِّيَ أنْ أدين دينكم فأخْبِرْنِي. فقال: لا تكون على ديننا حتى تَأْخُذَ بنصيبك من غضب الله، قال زيد: ما أفِرُّ إلا من غضب الله، ولا أحْمِلُ من غَضَب الله شيئاً أبداً وأنَّى أستطيعه؟! فهل تدلُّني على غيره؟ ما أعْلَمُهُ إلا أن يكون حنيفا. قال زيد: وما الحنيف؟ قال: دين إِبْرَاهِيم، لم يكن يهوديا ولا نصرانيا، ولا يعبد إلا الله، فخرج زيد فلقي عالِماً من النصارى، فذكر مِثْلَهُ، فقال: لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من لعنة الله… وأخبره كذلك أن الدين الحنيف هو الذي فيه النجاة. فلما رأى زيد قولهم في إِبْرَاهِيم \ خرج، فلما بَرَزَ، رفَع يديه، فقال: اللهم أني أَشْهَدُ أني على دين إِبْرَاهِيم(2)

3) ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى : وهذا كما ذكرتْ عائشة أنه: (كان امرأ قد تَنَصَّر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيراً قد عَمِي) ولَمَّا أخبره النبي  بخبره قال: >هَذَا النَّامُوسُ الذي نَزَّلَ الله عَلَى مُوسَى< ومات على التصديق بالنبي والإيمان به(3)

4) أميَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ الثقفي : هذا كان ممن طلب الدين، ونظر في الكتُب، وربما دخل في النصرانية، وكان يعلم من الكُتب أن نبيا سَيُبْعَث من العرب، ولكنه كان يَرْجُو أن يكون هُوَ، فتحنث، وتعبَّد أملا في هذا، وكأنه ظن أن النبوَّة تُنَال بالرياضات، وما علم أنها فَضْلٌ من الله يوتيه من يشاء.

ولما بُعث النبي حسده، وقال: >إن الحنيفية حق، ولكن الشك يُدَاخِلُني في محمد< ولما قيل له: أفلا تَتَّبِعُهُ؟ قال: >استحيي من نسيّات ثقيف، إني كنت أقول لهن: إنّي أَنَا هُو، ثم أصِيرُ تابِعاً لِغُلاَمٍ مِن بني عبد مَنَافٍ< وهو الذي قال فيه النبي  >آمن شعره، وكفر قلبه<، وقد عاش حتى وقعة بدر الكبرى، فَرَثَى من مات بها من الكفار. ومات من غير أن يسلم بين كمَدِه وحَسَدِهِ، وحسرته بعد بدر بسنتين أو أكثر من ذلك.(4)

———–

1- السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة 1/80.

2- الأساس في السنة وفقهها – السيرة 1/177.

3- السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة 1/84.

4- السيرة النبوية في ضوء القران والسنة 1/85.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>