توسمات جارحة - مقاربة في الثقافة (4)


 الإعلام:

من الدعائم الأساسية المهمة التي تقوم عليها الثقافة والإعلام يفقد قيمته الحقيقية كلما ابتعد عن الطبع الإنساني وفقد الصلة مع الأبعاد الأخلاقية والقيمية . وهو يحقق رسالته كلما كان حاملا للقيم الإنسانية والروحية التي تدفع الإنسان والمجتمع إلى السمو والارتقاء . ولذلك نحن بحاجة إلى تعبئة مضمون الإعلام ومفهومه ليؤدي دوره في خدمة الثقافة المنيرة للإنسان، وليكون داعما حقيقيا لعملية التغيير، بوصفه -أي الإعلام- فضاءا واسعا للإبداع والعطاء والاتصال من جهة، والتحدي والمواجهة من جهة أخرى . كما أنه وسيلة فعالة للحد من نمو الجهل والتخلف والعمل على الرفع من مستوى التنمية والمعرفة، وشق قنوات وإمكانيات هائلة من أجل التقدم والتطور العلمي والتقني إذا استخدم في مجاله الإنساني والحضاري الصحيح .

 النقد:

إن من أهم الدعائم التي يجب أن تقوم عليها الثقافة النقد والتقويم، وإلا انغمست الثقافة في التبعية والعمالة الفكرية، وتحولت إلى مجرد ناعق أو جسر تمرر عليه مفاهيم وتصورات الآخرين وقيمهم . والنقد السليم يستمد آلياته من المعايير المنضبطة وفق المرجعية الشرعية التي تمكن المثقف من مراجعة وتقويم ودراسة علومه ومعارفه وتصوراته ومفاهيمه وإبداعه وكل عطاءاته الثقافية بموضوعية وأمانة تمنعه من السقوط الحضاري، وتمنحه القدرة على الاهتداء والوقاية من حالات الركود والتخلف،  وتحفزه على التغيير والتبصر بمواطن الضعف والخطأ . وبذلك يكون هذا النقد القائم على منهجية وقوانين ثابتة قادرا على مواجهة الانحراف والسقوط والتقصير، وكاشفا للأمراض التي قد تصبح الثقافة هدفا لها، فتستطيع أن تعالج نفسها بنفسها وتسلط الأضواء والدراسات على أخطائها، لتكون عاملا أساسيا ومهما لبناء شخصية الأمة وتوجيه مسارها نحو الاستجابة لقيم زمبادئ دينها وحضارتها، وتجسيد تلك القيم والمبادئ في واقع حياتها وممارساتها وعلاقاتها .

وانطلاقا من هذه الدعائم التي لخصنا الحديث عنها، تكون الثقافة عبارة عن اجتهادات إنسانية تحتمل الخطأ والصواب، وتحتاج إلى وقفات في عديد من محطاتها، لكن التحدي الحقيقي الذي يواجه الثقافة الحقيقية اليوم هو برهنتها أن مرجعيتها وأساسها مستمد من الوحي، والوحي هو بداية العلم والمعرفة، وأن كل عطاءات الثقافة تصب في مجال خدمة الإنسانية واكتشاف قوانين وسنن التسخير ورؤية الآيات في الكون والنفس، يقول تعالى : {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق}(فصلت :53)،  واستيعاب الغزو الثقافي من الحضارات الأخرى ووضعه في محك المرجعية الذاتية للاستفادة منه دون أن يحتوينا أو يسخرنا للذوبان في قيمه ومفاهيمه المعارضة لقيمنا ومفاهيمنا . كذلك مواجهة أخطبوط الفساد المنظم الذي لم يعد حكرا على الأفراد وإنما أصبحت  تدعمه المؤسسات  الرسمية وغير الرسمية الممولة من جهات مشبوهة تسعى إلى إغراق المجتمع المغربي أثر مما هو غارق في تيارات الانحلال والتمزق والسقوط الفكري والأخلاقي .

الأديبة  الدكتورة: أم سلمى

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>