المطالب النسوانية: تصحيح لوضع أم تغيير لشرع؟!


نشرنا في الأعداد 187- 188- 189 من المحجة وثيقة للمناقشة أعدتها منظمة تدعى “مجموعة 95 المغاربية من أجل المساواة” المدعومة من الاتحاد الأوروبي ومؤسسة فريد ريش إبرت الألمانية. ونقدم في هذا العدد مناقشة لبعض القضايا التي طرحتها توصلنا بها من السيد محمد أبو ياسر، على أمل نشر كل المقالات التي تصلنا في هذا الصدد لاحقاً.

إن المتأمل في دعوة التيار العلماني التغريبي النسواني إلى تغيير المدونة المغيّّرة يتبين -دون عناء-  أنهن لايردن تصحيح وضع غير صحيح، وإنما يردن تغيير شرع صحيح. ويظهر ذلك من خلال الأمثلة التالية :

إلغاء الولاية في الزواج

وهذا المطلب يمكن أن يكون مشروعا لو أن هذه الولا ية كانت تحقق ضررا مؤكدا بالمرأة، وكانت من جهة أخرى مخالفة لما تطلبه الشرع، أما وهي على مقتضى الشرع، وهذا أمر لانريد البحث فيه هنا، لأن العلماء أهل الاختصاص قد تكلموا فيه كثيرا، ولكننا نريد أن نؤكد أن ما تطالب به هؤلاء النسوة لا يصحح وضعا غير صحيح، وبيان ذلك :

أن الولاية التي هي منصوص عليها في مدونة الأحوال الشخصية لا تضر شيئا بالمرأة، لأن هذه الولا ية ليست ولاية إجبار، لا في الفقه الاسلامي ولا في المدونة، وخاصة في المدونة التي تجاوزت المذاهب الأربعة وأخذت برأي هو شاذ، ولكن نظرا للحاجة إليه ولمقويات ومرجحات معاصرة، مالت اللجنة التي وضعت نص المدونة المعمول بها الآن التي أخذت برفع الإجبار نهائيا عن المرأة في قضية الزواج ولو كان من أبيها. وهذا القول الشاذ لعالم هو الإمام ابن شبرمة الذي قال بقوله علماء قليلون. فإذا كانت المرأة لا تجبر على الزواج ولاتزوج إلا برضاها، فما الضرر الحاصل لوجود ولاية لاتجبرها؟

هذه واحدة، والثانية أن المرأة لايعقد عليها بنص المدونة المطبقة الآن إلا برضاها. فقد جاء في الفصل الخامس المعدل (دور الولي في الزواج) :

“لايتم الزواج إلا برضى الزوجة وموافقتها وتوقيعها على ملخص عقد الزواج لدى العدلين ولا يملك الولي الإجبار في جميع الحالات….

وللرشيدة التي لا أب لها أن تعقد على نفسها أو توكل من تشاء من الأولياء”

ومعنى  ذلك أن المرأة لو امتنعت عن التصريح أو الإمضاء، أو لم تأذن، فإنه لايعقد عليها. وبناء على ذلك، فهذه الولاية من الناحية العملية تأثيرها يكاد يكون منعدما، وإنما محلها أن تبقى الأسرة مجتمعة وأن تكون هذه المرأة في عقد زواجها  قد أحضرت أسرتها وأخذت رضى  والدها، فالولاية أصبحت تتجاوز المعنى  الشرفي الرمزي. فأين الضرر الواقع على  المرأة في هذا الباب حتى يدعي المتغربون تصحيح وضع غير صحيح؟!

فحضور الولي تكريم للمرأة وتتويج لعمله الطيب في رعاية ابنته حتى يسلمها إلى  أسرة أخرى أمينة عليها، ويبدو أن من ترفض هذا لايمكن إلا أن تكون من العاقات (المسخوطات بالعامية)، إذ أننا لانتصور امرأة يمكن أن تطلب عدم اعتبار وليها في زواجها مع أن زواجها لايمكن أن ينعقد إلا برضاها.

أما ما يدعى من أن أباحنيفة جعل الولاية للمرأة على  نفسها فهو غير صحيح. فأبو حنيفة كغيره من  الأئمة يقول بالولا ية إلا أنه قال: إذا كانت المرأة بكرا بالغا رشيدا وزوجت نفسها، جاز ذلك أي لها أن تعقد لنفسها ، لكن بشرطين :

الشرط الأول : هو أن تضع نفسها في كفء أي في مماثل لها في الكفاءة في عرف الناس وفي عرف الشرع.

الشرط الثاني : هو أن تزوج نفسها بمهر المثل.

فإذا توفر هذان الشرطان فلا اعتراض لوليها على زواجها.

وبذلك نستنتج أن أبا حنيفة يعتبر الولاية شرط كمال مقابل الأئمة الأخرين الذي يعتبرونها شرط صحة، فهو لايلغي الولاية نهائيا.

والنتيجة : إن إلغاء الولاية بالمرة هو إلغاء للشرع وليس تصحيحا لوضع فاسد تعاني منه المرأة.

تعدد الزوجات

التعدد في أصله إباحة مشروطة بالقدرة، ولذلك لاينبغي لأحد كان من كان أن يلغيه، لأن إلغاء المباح وهو حكم شرعي هو إلغاء للشرع.

ونعيد السؤال : أين الضرر الذي يقع على المرأة هنا في ظل المدونة المعدلة.

إن التعدد إذا وقع -حسب المدونة الحالية- يقع برضى المرأة التي يتزوج عليها زوجها.

فقد جاء في الفصل 30 المعدل : ” يجب إشعار الزوجة الأولى برغبة الزوج في التزوج عليها، والثانية بأنه متزوج بغيرها”

أي على الزوج إحضار وثيقتين : واحدة يثبت فيها أن الزوج أشعر الزوجة الأولى برغبته في التعدد، والثانية فيها إشعار للمرأة التي يريد التزوج بها بأنه متزوج غيرها، فهذا التعدد يقع برضا الطرفين، فإذا رضيت الأولى والثانية، فما وجه تدخل طرف ثالث في هذا الأمر مادامت الأطراف المعنية والتي يحتمل أن تتضرر راضية وغير متعسف عليها بحكم القانون؟. ثم إن هذا الرجل عندما يريد أن يعدد فهو لايعدد برجل وإنما بامرأة، فلهؤلاء المعترضات على التعدد أن ينشئن جمعيات تُعَرِّف النساء وتقنعهن بعدم الموافقة على الزواج بأي رجل تقدم إليهن وهو متزوج، دون الحاجة لا إلى عرائض أو مسيرات أو… ثم أن في الفقه الاسلا مي ما يحول دون هذا الضرر المتوهم، وهو أن الاسلا م جعل للمرأة حق اشتراطها في عقد زواجها عدم التزوج عليها، وإذا فعل فأمرها بيدها. فأين الضرر إذا تم الأمر برضاها وكان لها حق الطلاق إذا اشترطته.

بالاضافة إلى ذلك، فالتعدد لايقع اعتباطا، وإنما لايقع إلا إذا توفر لدى القاضي مايدل على أن  هذا الزواج ممكن، ومن ذلك :

- أن المدونة الحالية جعلت للقاضي حق تقدير هذا الأمر ولو جاء الزوج بالوثائق  المطلوبة : فهل يملك المعدِّد دارا كافية لزوجتين مستقلتين ونفقة كافية لسد الحاجات المادية؟ مثلاً،فأين هذا الحيف هنا؟

- مادامت تملك ألا تتزوج من البداية هذا الرجل وتستطيع أن تشترط ألا يتزوج عليها.

- وإذا كان القاضي لا يأذن له إلا إذا رأى أنه أهل لأن يعدد. فلم يبق إلا أن من يريد أن يمنع التعدد في أي وجه من الوجوه كالمرض أو العقم، لم يبق إلا إرادة إلغاء الشرع.

الطلاق بيد القاضي

الطلا ق كما هو معروف أنواع ثلاثة : طلاق يوقعه الزوج وطلاق يوقعه القاضي(التطليق)، وطلاق تطلبه المرأة (الخلع).

النوع الأول : يوقعه الرجل عندما يكون متضررا من جهة المرأة.

النوع الثاني : عندما ترغب الزوجة في الطلا ق تجاب إلى ذلك من قبل القاضي إذا أثبتت موجبات التطليق، كأن تتضرر بغيبة الزوج أو إذا أعسر في النفقة أو بإيلاء الزوج لها( أقسم ألا يجامعها مدة تزيد على أربعة أشهر) فإذا انقضت هذه المدة ترفع شأنه إلى القاضي الذي يدعوه إلى الرجوع عن فعله هذا، وإلا قضى عليه بتطليق زوجته المتضررة، كما يمكن أن ترفع الزوجة أمرها إلى القاضي إذا كان الضرر اللاحق بها ماديا كالضرب أو معنويا كقطع كلامه عنها سواء كان فعلا أو قولا. لكن كيف تستطيع المرأة أن تثبت هذا الضررأحيانا؟ هذا قد يعسر في إثبات بعض حالاته، لذلك أشرك الشرع الاسلامي أطرافا داخلية أخرى  ويتجلى ذلك في حَكَمٍ من أهله وحكم من أهلها؛ وهذان الحكمان قد يتعرفان على ما قد لايتعرف عليه غيرهما لقرابتهما وإرادتهما الإصلاح. وحتى إذا أخفق هذا الأسلوب فللقاضي أن يضع الزوجين في بيت الإصلاح. وحتى  إذا أخفق هذا الأسلوب فللقاضي أن يضع الزوجين في بيت أمين أي أسرة يختارها القاضي خلا ل مدة حتى يعلم الظالم والمظلوم، والغالب في مثل هذا الأمر أن هذين الزوجين المتخاصمين عادة ما يقع بينهما في هذا البيت عودة إلى الطمأنينة والمعاشرة الطيبة لأن كل واحد منهما يريد ألا يظهر أنه هو المعتدي.

النوع الثالث : إذا استحال الدليل على إضرار الزوج لزوجته فعليها أن تخالعه كمخرج أخير لإنقاذ المرأة والحفاظ على كرامتها.

قضية تحديد سن الزواج

في قضية تحديد سن الزواج لا يملك أحد النص القطعي والدليل العقلي. إنها مسألة نسبية. فالشأن في المرأة أن تنضج وتصبح أهلا للتزوج والولادة وغيرها. حتى قبل 15 سنة كما حددته المدونة الحالية، وكذلك بالنسبة للذكر فالغالب أنه يبلغ قبل 18 سنة المحددة حاليا.

والمطالبون بالتعديل يريدون تحديد سن الزواج عموما في 18 سنة، والسؤال : لماذا؟ إذا كان من أجل أن تتم البنت دراستها مثلا فإن ذلك لن يتسنى  لها إلا بعد الثلاثين، وإذا كان المراد أن تنضج فهي قد نضجت من قبل هذا السن المقترح (18 سنة)، فلماذا تمنع من الزواج إلى هذا السن؟ أَلِتَوْسِيعِ دائرة الفسق والفجور الأخلاقي؟ كما يريد التيار التفسيقي.

ثم ما الضرر الذي قد يقع على امرأة بلغت سن 14 سنة مثلا واستكملت أنوثتها ونضجها وجاء رجل مناسب لها ماديا ومعنويا، وهي راغبة فيه ومستعدة للزواج به، ما الفائدة من تأخير زواجها طيلة 4 سنوات؟!

وقد طالبت الحركة النسوانية بأشياء أخرى يضيق المجال لذكرها هنا وخلاصة الأمر:

إن الدعوات النسائية تدل على أحد أمرين :

1- إما أنهن لا يفهمن  الشرع والقانون المنصوص والمطبق من خلال المدونة الحالية، وهذا يتطلب أن يعدن إلى ذلك من جهتن، ويتطلب من جهة الدولة أن تجعل أحكام الأسرة جزءا من المنظومة التربوية ،تتعلم هذه الأحكام في المدارس، وتشرح على القنوات التلفزية والإذاعة وكل وسائل الإعلام قصد التوعية الشاملة حتى  يتبين لكل طرف من أطراف الأسرة الحقوق التي له والواجبات التي عليه، وحتى تعلم الأمور الناقصة بالفعل وتحتاج إلى تصحيح، فيتجه التصحيح إليها بعينها لاإلى غيرها.

2- أن تعلن هؤلاء النسوة المرجعية التي يعدن إليها ويقدمنها. فإذا كانت هي المرجعية الاسلامية فينبغي أن تلتمس الأحكام الخاصة بالنساء من نصوص الشرع ومما يستنبط منها وبالوسائل الشرعية، ومنها أن يبحث في ذلك لدى أهل الاختصاص من العلماء. فلا يمكن أن نبحث في قضايا طبية عند الفقهاء مثلا.. فلكل علم رجاله المختصون.

3- إن أي إحداث في شأن الأسرة لاينبغي أن يقتصر فيه على توهم المشاكل، بل يجب أن نصل إلى المشاكل عبر وسائل متعددة منها استطلاع الرأي وكل الوسائل العلمية المتاحة.

ففي التعدد مثلا ينبغي أولا أن نعرف حجمه في الأمة. بحيث لا نجعل القضية قضية أو المشكلة مشكلة حتى تكون فعلا قد أحدثت واقعا مزعجا يحتاج إلى مدارسة وحل، أما إذا كانت القضية محصورة في كم قليل لايكاد يعلم أو يسمع فلا. أي (لانجعل من الحبة قبة) كما يقال. وفي هذا الباب نعلم كم من المعنسين والمعنسات، حتى نرى هل التعدد يحل المشكلة أو يعقدها؟ ثم نرى  أسباب العنوسة : الاقتصادية والاجتماعية و.. أي يجب أن ننظر في الأمراض الحقيقية التي يتهرب البعض منها بافتعال هذه القضايا، ولا أنننظر إلى الأعراض فقط.

محمد أبـــو يــاســـر

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>