أي ثقافة يريد إعلامنا بثها؟


مما لايختلف فيه اثنان، ولايخفى على كل ذي جنان، ما لوسائل الاعلام بشتى أنواعها وأساليبها من أثر فعال وخطورة قصوى في صياغة الجيل الناشئ وتجسيد معالم شخصيته، فإلى عهد قريب كان الاعتقاد السائد، ان دور التربية مقتصر على الأسرة والتعليم، وكان هذا الاعتقاد صحيحا إلى حد ما.

أما في عصرنا هذا، وأمام تنوع المحطات وتعدد أشكالها، وتنافسها، وتفننها في عرض كل ما من شأنه طمس معالم الهوية، والشخصية الاسلامية، فقد أصبح هذا الأمر مستبعدا، وواقع أجيال الأمة العربية شاهد على ذلك.

ولست هنا بصدد الحديث عن الاعلام الغربي بكيفية عامة، فقد تحدث في ذلك المفكرون فأغنوا وأثروا ولكني أريد الوقوف أمام نماذج من هذا البلد الحبيب الذي طالما تم تجاهل مرجعية شعبه، وقيمته  الموروثة عن أجداده.

إن وقفة تأملية أمام صحافتنا المرئية على وجه الخصوص، أمر يدمي القلب ويجعله يتفطر ألما وحزنا على ما يبتغيه بنو جلدتنا من هدم وتخريب وفتك بكل ماهو مقدس، يستهدفون به قلوبا صغيرة، وعقولا ساذجة من أجيالنا الصاعدة أطفالا وشبابا.

فما تعرضه قناتانا من سموم وترهات باسم المتعة أحيانا، والفرجة أخرى، من شأنه أن يطرح العديد من التساؤلات حول الغاية المرجوة والهدف المقصود. أهو العجز المادي الذي يحول دون إنتاج البرامج الهادفة البناءة واستيرادها أحيانا، كما نقرأ ونسمع؟ أم أن المشاهد المغربي لايرقى لمستوى النضج الثقافي والفكري الذي يؤهله للفرجة الحقة والمتعة المفيدة؟، أم أنها حاجة في نفس يعقوب لايعلمها إلا الله؟.

إن فئة عريضة من أولي الألباب، وذوي الفكر النقي قد زهدت منذ أمد فيما تعرضه القناة العجوز ( إ. ت. م) وشقيقتها الفرنكفونية بامتياز “2M”، وصارت تبحث من بين المحطات عماتجد فيه غذاء لروحها وفكرها، وإحياء لمعالم شخصيتها الاسلامية،وحق لها ذلك وما هو بغريب.

فأين ما يطمح إليه المشاهد المغربي، ويعقد الأمل على كوادر إعلامه في كل مرة يتجددون فيها؟، أين البرامج الثقافية العلمية التي تشبع نهم أهل العلم والفكر؟.

أين الأشرطة الوثائقية والبرامج التعليمية التي تغدي عقول التلاميذ والطلبة وتشبع فضولهم المعرفي، وتجيب عن تساؤلاتهم؟ أين المعالجة الواقعية لما يعيشه الشعب المغربي من هموم ومشاكل؟ وقبل هذا وذاك أين المسؤولية الأدبية وأمانة الكلمة الملقاة على عاتق رجال الإعلام؟

أسئلة كثيرة وغيرها تتبادر إلى الذهن، ولاتجد لها جوابا غير القول بأن إعلامنا يخوض حربا ضروسا وبشكل منظم على القيم والمقدسات وكل ما يمت لهذا الدين بصلة. فمن سهرات وليــــالي (إ. ت. م) إلى مدبلجات ومنوعات الـ(M 2) ثقافة العري والاباحية،وإقبار للمبادئ والهوية، حتى براءة الأطفال لوثوا نقاءها بالبرامج المسماة ظلما وبهتانا تربوية، فصعبواواجب التربية  الحقة على الآباء والمدرسين.

هل من اللائق لأطفال المدارس أن يتم استدعاؤهم لبرنامج سنابل، وبدايات، لتعلم الرقص والغناء (وأي غناء)، بنوعيهما العربي والغربي، أهذا من التربية؟.

ألم يكن من الأجدر لو نظمت لهم مسابقات، تجعلهم في ارتباط دائم مع مقررهم الدراسي؟

إن الذي يعلمه الجميع هو أن رجال إعلامنا يحملون اسم الاسلام أبا عن جد، لكن ما يجهله البعض هو أن وراءهم أيد خفية تحمل معاول الهدم والتخريب.

فما الذي يريدونه من أبناء هذا الدين، وواقع حالهم يدمي القلب ألما وحزنا وينذر ببلاء يوشك الله أن يعم الناس به، ماذا ينقص وقد غدا جيلنا أنواعا ونماذج للفساد بكل أشكاله، مابين فاقد للهوية، ومزدوج الشخصية، وجنس ثالث، ونسخ طبق الأصل لأبطال وبطلات المسلسلات؟ أما يكفيهم أن رجال المستقبل ونساءه وسواعده المعقود عليها الأمل، لم يعد همهم غير إرواء الغرائز، وتتبع العورات،وماعادوا قادرين على تحمل مسؤوليات أسرهم، فبالاحرى مجتمعهم؟.

إن إعلامنا يقوم بعملية غسل مخ للصغار والكبار، وتخذير مشاعرهم، وتنويم أحاسيسهم، واستنزاف طاقاتهم، وهذا كله مقصود ومخطط له، وما أصدق ما يقوله الأستاذ نعمان عاشور : “إن وسائل الاعلام كونت جيلا بلا قيم، وبلا إيمان، جيلا يبحث عن نفسه في الجنس والرقص والمجون، والمخذرات، جيلا بلا هوية يستعيد أفكاره وعواطفه، وانفعالاته من عالم غريب عنا وعن تراثنا، وتقاليدنا ومقدساتنا، وهو في نفس الوقت جيل معذور فيما يتردى فيه من سلوك، لأن أحدا لم يمد له اليد، ولم يمهد له الطريق، ولم ينجح في أن يربطه بقيم وطنه”.

فاللهم لك المشتكى، فقد بلغ السيل الزبى.

أمينة المجذوب

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>