نشرنا تباعاً في العددين السابقين دوافع ومنطلقات وثيقة (مائة إجراء ومقتضيات) والجزء الأول من النص الكامل للقانون الذي ينظم الحالة الشخصية والعلاقات الأسرية كما تقترحه مجموعة 95 المغاربية من أجل المساواة، من إنجاز الشريف الشماري عالية ومزيو كلثوم من تونس وفريدة بناني من المغرب وآيت زاي نادية والغزالي حميد من الجزائر، وقد اعترفت الوثيقة بأنها مدعومة من قبل الإتحاد الأوروبي ومؤسسة فريد ريش إبرت الألمانية.
وفــــــي هـــذا العـــدد نـنـشــــرالجزء الأخير المتعلق بـ :
تعدد الزوجات وزواج المسلم بغير المسلمة والميراث والتبني
حيثيات
يتضمن مشروع التقنين المغاربي للأحوال الشخصية “مائة إجراء ومقتضيات لصالح النساء” فصولاً اجتهدت ” مجموعة 95 المغاربية من أجل المساواة ” في صياغتها وهي تتعلق بصفة خاصة ب :
- تعدد الزوجات
- زواج المسلمة بغير المسلم
- الميراث
- التبني
الوثيقة التالية تعرض للحيثيات المعتمدة بصددها :
تعدد الزوجات
هناك من الفقه الإسلامي من يبيح التعدد وهناك من يبيحه ولكن يقيده وهناك من يمنعه، ونحن سرنا مع الرأي الأخير (الفصل 13)
وطالما أن هذا الرأي منشور في كتب أصحابه فلا داعي لذكره هنا وإنما نكتفي بإضافة ما يلي :
1- إن إباحة التعدد يجب أن تفهم وتفسر في سياق طبيعة العلاقات الإنسانية في المجتمع العربي قبل الإسلام. فالإباحة كانت تمثل تضييقا لفوضى امتلاك المرأة التي كانت موجودة في هذا المجتمع. وبالتالي فإن تحديد العدد بأربعة يمثل تقدما في طريق تحرير المرأة.
2- يجب مراعاة سنة الإسلام في التدرج، وبما أنها نقلة نحو التضييق فإن حصر الزواج في امرأة واحدة بعد خمسة عشر قرنا من تطور البشرية يعد نقلة طبيعية في الطريق الذي بدأه الإسلام.
إن العدل مبدأ من المبادئ الأساسية والجوهرية في الإسلام وإلغاء التعدد وقصر الزواج على واحدة يحقق ذلك المبدأ إضافة إلى أنه يعد بمثابة تضييق آخر يناسب تطور المجتمع.
زواج المسلمة بغير المسلم
من الموانع المؤقتة التي نصت عليها القوانين زواج المسلمة بغير المسلم، ونحن لم نعتبرها كذلك للاعتبارات التالية :
الاعتبار الأول يستمد جذوره من القرآن الكريم، يقول سبحانه وتعالى : {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن، ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم، ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا، ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم}(البقرة:221) ويقول تعالى : {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المومنات مهاجرات فامتحنوهن، الله أعلم بإيمانهن، فإن علمتموهن مومنات فلا ترجعوهن إلى الكفار، لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن …}(الممتحنة:10).
ويقول عزوجل : {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم}(المائدة:5).
هذه هي الآيات التي تم الاستناد عليها لإباحة زواج المسلم من الكتابية ومنع زواج المسلمةبغير المسلم. وهي نصوص غير قطعية وإنما تتضمن مبادئ عامة، ولهذا وقع الاختلاف في تأويلها. ومن ثم فالمنع والإباحة هو مجرد اجتهاد إنساني ليست له أي صبغة قدسية.
- أن الفقهاء لم يفرقوا فيما يخص زواج المسلمة بين أهل الكتاب والمشركين، بينما فيما يخص زواج المسلم فرقوا بين>الكتابية< و >المشركة< فبالرغم من اجتماع >أهل الكتاب< و >المشركين< تحت صفة الكفر، إلا أن >أهل الكتاب< هم أقرب إلى المسلمين من المشركين بدليل أن الله سبحانه وتعالى جمع بينهم وبين المسلمين في آيات كثيرة. بالإضافة إلى أن أهل الكتاب لا يمكن أخذهم بمشركين لأنهم يومنون بالله ولا يشركون به أحدا وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في كثيرمن الآيات.
- أنه بالرغم من الاختلاف الذي وقع بين الفقهاء حول الأخذ بآية سورة البقرة وآية سورة المائدة، وفي المراد بالمحصنات وفي نكاح الكتابيات وحول المقصود بالكتابيات، فقد فرقوا فيما يخص زواج المسلم بين المشركات والكتابيات ليقضوا بأن كلمة >الكفار< جمع فيها سبحانه وتعالى في خطابه بين أهل الكتاب والمسلمين، واستشهدوا كذلك بأن آية التحريم نسخت بالأية التي في سورة المائدة وسموها لذلك بآية التحليل وعلى هذا الأساس أجازوا للمسلم الزواج بالمحصنات من الكتابيات دون المشركات وهن الحرائر من اليهوديات والنصرانيات.
في ضوء كل ما سبق، وللمساواة بين الرجل والمرأة في الزواج من أهل الكتاب، استندنا على كل ما قال به الفقهاء ولكن دون تمييز بين المسلم والمسلمة وإلا لو أبحنا للمسلم دون المسلمة فإن هناك آراء في الفقه الإسلامي تحرم على المسلم كذلك، وتساوي بينه وبين المرأة في ذلك، استنادا على عدة آيات وعدة أحاديث نبوية، وطالما أن الرأيين معا اجتهاد إنساني، فنحن ذهبنا إلى المساواة بينهما لتأكيد مبدأ حرية الانتقاء وحرية الاختيار دون تمييز ديني…التي تنص عليها الاتفاقيات الدولية.
الاعتبار الثاني هو أن الحكومات المغاربية صادقت على عدة اتفاقيات دولية. البعض منها تمت المصادقة عليه بتحفض -وخصوصا اتفاقية نيويورك لـ10ديسمبر1962 والمتعلقة بالموافقة على الزواج والسن الأدنى للزواج وتسجيل الزواج والتي جاء فيها بأن المرأة لها الحق في اختيار زوجها كما أن للرجل الحق في اختيار زوجته، وذلك دون أي تحديد أو تمييز يتعلق باللون أوالعقيدة أوالجنس.
هذا التصديق يتطلب جعل النصوص القانونية الداخلية موافقة للاتفاقية وإلا فإن ذلك سيفرغ مصداقية توقيع الحكومات على هذه الاتفاقية.
إن المصادقة لها قيمة قانونية تجعل الاتفاقية في رتبة أعلى من قوانين الأسرة أو أنها أقوى نفوذا من القوانين.
ومراعاة للإعتبارين معا تمت صياغة مقتضيات الفصل 13في اتجاه المساواة بين الجنسين.
الميراث
بإيجاز ودون تبسيط، يمكن القول إن الإسلام قد سلك طريقة التدرج في تشريعه للأحكام الخاصة بالمرأة، حيث أخرجها من الحالة التي كانت عليها وهي أشبه بالرق، واعترف لها بحقها في الملكية والميراث بقوله تعالى: {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا}(النساء :7).
فهذه الآية الأولى التي نزلت في الميراث، تتضمن قاعدة المساواة بين الجنسين، غيرأنه كان هذا الحكم الشرعي شديد الوطأة على أخلاق الجاهلية -فقد لقي اعتراضا من طرف بعض المسلمين : “كيف نورث من لا يركب فرسا ولا يحمل سيفا ولا ينكأ عدوا؟”- عدله الإسلام بجعل حظ المرأة نصف الرجل بقوله تعالى :{يوصيكم الله في أولادكم للذكرمثل حظ الأنثيين}(النساء :11).
ولكن مع تشريع القرآن لهذه القاعدة التي هي استثناء من القاعدة العامة فإنه في بعض الأحوال ساوى بين الرجل والمرأة : كميراث الأبوين مع وجود الولد، وكميراث الإخوة في الكلالة، بل قد جعل حظ المرأة أوفرمن الرجل في ميراث الأبوين مع فقد الولد : {فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث}(النساء :11).
بناءا على هذا ومراعاة للنقط التالية :
1- إن النص الذي يجعل حظ المرأة نصف الرجل يجب فهمه في سياق إنتاجه الاجتماعي والتاريخي والواقع الذي توجه إليه النص. والقاعدة الفقهية تقول :(الحكم يدور مع علته وجودا وعدما). وأنه (لا ينكرتغير الأحكام بتغيرالأزمان).
لهذا، فإذا كان الإسلام قد فرض على الرجال كفالة النساء وجعلهم مكلفين بشؤونهن المادية تقريرا للحال الواقعة وإذا كان الفقهاء قد عللوا نقص ميراث المرأة عن الرجل بكفالته لها – أو بقولهم أن التفاوت في التبعات هو الذي اقتضى تفاوتا في الميراث بين الجنسين -فإنه لم يعد مكلفا بذلك، لأن المرأة حققت بفضل التعليم والعمل وبفضل استقلالها عن الرجل في تحمل مسؤولية عيشها بل وأصبحت تساهم معه في الإنفاق على الأسرة أو أبعد من ذلك بمفردها، فانتفت العلة التي أسس عليها ضعف نصيبها في الميراث مما يتطلب طبقا للقاعدة الفقهية تغيرالحكم لتغير العلة وتبدلها والمساواة بين الجنسين في الإرث.
2- إن هذا الحكم الشرعي بناءا على علته هو حكم مرتهن بالشروط الاجتماعية والتاريخية، وبما أنه مرتهن بذلك، وبما أن هذه الشروط أو العلة انتفت فيجب أن نتحرك مع اتجاه حركة النص لنحقق إحدى المبادئ الأساسية للشريعة الإسلامية وهي المساواة. فـ”إذا تأملنا حق التأمل في نصوص الشريعة الإسلامية ومراميها نجد أنها تريد أن تذهب بالمرأة مع الرجل مذهب المساواة في وجوه الحياة”(1).
كما أن ” الإسلام في مراعاته لسنة التدريج لم يتركنا نهيم في الشك ولا نفهم أنه في جوهره ينحاز لشق الرجال على النساء”(2).
نخلص إلى أنه ليس هناك كما يقول الفقه (3) ما يجعلنا “نعتقد خلود هذه الحالة دون تغيير، على أننا نجد الإسلام نفسه قد تجاوزهذه الحالة التي وجدها أمامه في كثيرمن أحكامه اعتبارا لضرورة تبدلها مع الزمان”.
ولهذا وبما أن الزمان تطور وانتفت العلة ولم تعد المرأة تابعة للرجل في شؤونها الاقتصادية، وما دام الإسلام يرمي في جوهره إلى العدالة التامة وروح الحق الأعلى وجب إعادة النظر في قواعد الإرث نحو المساواة بين الجنسين، فالإسلام في جوهره لا يمانع في تقرير هذه المساواة مع كامل وجوهها متى انتهت أسباب التفوق وتوفرت الوسائل الموجبة.
التبني
إن مسألة التبني من المسائل الخلافية الحادة، حيث يرى كثيرمن العلماء أن التبني مرفوض في الإسلام، وذلك استنادا إلى ما ورد في القرآن من تبني الرسول لزيد بن حارثة، ويأخذ هذا الفريق من العلماء من الآية القرآنية :
{ما كان محمد أبا أحد من رجالكم، ولكن رسول الله وخاتم النبيئين}(الأحزاب : 40) وكذلك من الآية {ادعوهم لآبائهم…}(الأحزاب :5) دليلا على تحريم التبني، وعلى مخالفته لقوانين الشريعة الإسلامية، التي تحرص -فيما يزعمون- على الحفاظ على علاقات النسب واضحة لما يترتب عليها من أحكام خاصة في مسألة المواريث.
لقد كانت مسألة المواريث هي محور اعتراض المعترضين على التبني الذي قد يؤدي -فيما يزعمون – إلى أن نورث من لم يورثه الله تعالى في كتابه وشريعته. ومشكلة التبني لن تحل بالتأويل أو بالتأويل المضاد وإنما تجد حلها الحقيقي في فهم النصوص في سياق إنتاجها الاجتماعي والتاريخي. والواقع الذي يخاطبه الوحي ويتوجه إليه النص، واقع يقوم على الاعتداد بعلاقات الدم والنسب الأبوية على وجه الخصوص.
التشريع التونسي يبيح التبني ويضع له شروطا تدوركلها حول مراعاة مصلحة الشخص المتبنى، حيث يجيز أن يحمل المتبنى لقب المتبني وجواز أن يحمل إسمه ولكن يشترط بذلك أن يتحقق بناءا على طلب المتبني نفسه ويجعله بمثابة الإبن ويعطيه نفس حقوق الإبن كاملة ويجعل عليهمن الواجبات إزاء الشخص الذي تبناه ما يماثل كل واجبات الإبن إزاء الأب.
بناء على ما سبق وبما أن التشريع التونسي يأخد بالتبني وهو تشريع متكامل سرنا على نهجه فيما تم تشريعه من نصوص.
—————-
(1) الطاهر الحداد “امرأتنا في الشريعة والمجتمع”. ص111
(2) نفس المرجع، ص112
(3) نفس المرجع، ص 38