قضايا إسلامية : موقع الإرهاب الصهيوني والأمريكي في النظام الدولي الجديد


إثر سقوط نظام “ثنائية القطبية” بانهيار الاتحاد السوفياتي وانحلال حلف وارسو في بداية التسعينيات، حاولت الولايات المتحدة الأمريكية الظهور على مسرح النظام الدولي الجديد كقطب وحيد على قمة هذا النظام؛ مدعية أنها القادرة وحدها على قيادته نحو السلام والأمن سياسياً، والرفاهية والازدهار اقتصادياً، والتجانس والاتحاد ثقافيا وأخلاقيا. وهذا ما يدعو إلى القول بأن “نظام العولمة” الذي نادت به أمريكا وهيأت له جيوشاً من المفكرين والإعلاميين، هو نوع من أنواع الاستعمار الجديد. والمستهدف الأول من هذا الاستعمار : هو الإسلام باعتباره حضارة قائمة على الوسطية والاعتدال والتوازن بين الروح والمادة؛ فهو إذاً، يخالف الحضارة الغربية المادية، التي لا تولي للقيم الروحية أي اهتمام.

وهنا تظهر أبعاد الحرب الحضارية التي تنهجها الولايات المتحدة، والرامية إلى بسط سيطرتها على شعوب العالم، وعلى ثقافته وحضارته، وهي بذلك تريد أن تؤرخ لوجودها، وتبني حضارة على حساب حضارات عريقة كحضارة عالمنا الإسلامي، وللأسف فإنها تخط هذا التاريخ بالدم وتبني حضارتها على قلاع من رمل.

إن هذه الحرب الحضارية التي استقت مبادئها وأسسها من نظرية “صدام الحضارات” لصامويل هانتيغتون، تتخذ عدة أشكال(1) :

1- الحرب السيميائية : استخدام المصطلحات كسلاح لغزو الآخر.

2- الحرب العسكرية : استخدام القوة بإرسال جيوش تحت إمرة الولايات المتحدة الأمريكية للدول الخارجة عن طاعة السيد الأبيض دركي العالم.

3- الحرب الاقتصادية : استخدام الحصار كسلاح لهدم الاقتصاد الوطني للبلد المستهدف.

وسوف أتحدث عن “مصطلح الإرهاب” كسلاح تستخدمه الامبريالية الحديثة في حربها الحضارية، التي تستهدف الإسلام بدرجة أعلى كما سبقت الإشارة إلى ذلك، والذي يشكل غصة في حلق الصهيونية والصليبية.

وتجدر الإشارة هنا؛ إلى أن مرجعية الإرهاب في العصر الحديث، تستمد من التراث اليهودي المليء بالأفكار الإرهابية. لذا فإنني سأتناول هذا الموضوع من خلال نقطتين أساسيتين :

مرجعية الإرهاب عند الصهاينة

يستمد اليهود من توراتهم المحرفة كل أعمال العنف والإرهاب التي مارسوها على العرب والمسلمين في تاريخهم الدموي >ويعتبر “سفر يشوع” المكون من 24 إصحاحاً، سجل العنف والإرهاب، وسفك الدماء وإبادة الآخرين، وتخريب ممتلكاتهم، والقضاء على أولادهم وشيوخهم ونسائهم، حتى حيوانتهم ومواشيهم<(2).

>ومن خلال قراءة إصحاحات “سفر يشوع” في العهد القديم، يظهر لنا يشوع بن نون رجلا ظالماً، ومحارباً مستبداً رجلاً سفاكاً للدماء عنيفاً إرهابياً، آمراً بالقتل والذبح الجماعي، مشرفاً على المذابح والمجازر الرهيبة، التي يقتل في الواحدة منها الآلاف من خصومه.

>هذا هو يشوع بن نون كما يُقدمه ويؤرخ له “سفر يشوع”، وكل من يقرأ أخباره في هذا السفر، سيكرهه، ويبغضه لجرائمه، ويعتبره إنساناً خالياً من الرحمة والشفقة، بل مجرداً حتى من الإنسانية<(3).

أما يشوع بن نون كما تقدمه المصادر الاسلامية، المتمثلة في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة، فهو خليفة موسى عليه السلام، وهو الذي قاد ذلك الجيش المؤمن الصالح المجاهد من بني إسرائيل المؤمنين، وجاهد بهم الأعداء الكافرين، وكان يشوع بن نون في حياته وقيادته وجهاده، مثالاً للحاكم الصالح والمجاهد الشجاع والقائد العادل، والانسان الرحيم البعيد عن العنف والارهاب والمجازر(4).

وتتجلى مظاهر الإيمان والصلاح، التي تحلى بها يشوع بن نون في تلك المعجزة الربانية، الفريدة من نوعها، التي خصه بها المولى تبارك وتعالى، حين أخبرنا نبينا عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام : “بأن الله لم يحبس الشمس لأحد، إلا ليوشع بن نون، ليالي سار إلى بيت المقدس”، ولم يكن ذلك -طبعاً- إلا لعظم الأمر الذي كلف به، والأمانة التي أخذها على عاتقه، ليؤديها وفق المنهج الرباني.

إن اليهود في فلسطين المحتلة وخارجها، يعكفون على دراسة “سفر يشوع” وخاصة في المدارس الدينية اليهودية، ويدعونهم حاخامتهم إلى الاقتداء به في إرهابه ومجازره التي ارتكبها ضد خصومه، وأن ينظروا إلى العرب والمسلمين من هذه الزاوية! إذ يمثلون العدو الحقيقي لهم(5) وقد أخبرنا القرآن الكريم عن هذه العداوة والبغضاء التي يكنونها للمؤمنين من أمة الإسلام، حيث يقول تبارك وتعالى : {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا}.

إذاً فالكراهية والبغض والحقد، هي أجزاء متأصلة في العقيدة اليهودية، وقد تربى عليها كل يهودي، فيستحيل أن يتخلى عنها، خاصة وأن “سفر يشوع” يؤمن به كل اليهود وكل النصارى على اختلاف فرقهم ومللهم وطوائفهم.

وهكذا، فإن هذه الأفكار الإرهابية المتأصلة في العقلية اليهودية، هي التي أنتجت قادة الإرهاب اليهودي الصهيوني المعاصر، من أمثال : ابن غوريون وغولدماير، وبيغين وشامير وشارون. هذا الأخير الذي يرتكب جرائمه البشعة في حق الشعب الفلسطيني الأعزل. بواسطة جنوده المدججين بأحدث الأسلحة التي أنتجتها التكنولوجيا الأمريكية.

يحدث هذا، والعالم كله في صمت مريب. مما يجعلنا نزداد يقيناً بأن الإرهاب الصهيوني يسيطر على النظام الدولي الجديد، الذي تقوده أمريكا. فلا غرو إذاً، أن نسمع الرئيس بوش الإبن يقول عن الإرهابي شارون : بأنه “رجل سلام”. فالسلام في عرفهم هو الحرب، وهذا ما يؤكده ابن غوريون بقوله : “إن دعت إسرائيل للسلام فإنها تريد الحرب” وليت المسلمين والعرب يفهموم ذلك جيداً، فيقوموا بمبادرات جادة، وأن يتخذوا مواقف جريئة من أجل فلسطين الشهيدة. فيعاملوا اليهود ومنيحميهم بالمنطق الذي يتعاملون به معهم.

الإرهاب من منظور أمريكي

إن العداء السافر للإسلام والمسلمين بات حقيقة مؤكدة، نطقت بها ألسنة السفهاء من قادة الصهاينة والصليبين. فالرئيس جورج بوش الإبن يقول عنه إثر ا لصدمة التي تلقتها نيويورك في 11 شتنبر 2001 : “إن حربنا على الإرهاب، هي حرب صليبية”. ولا يخفى على أحد ما يروج من أفكار هدامة، ومعلومات كاذبة ومضللة حول الإسلام والمسلمين، عبر وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية، حتى أصبح الإسلام يعني الإرهاب، والمسلمون إرهابيين.

فلا ضير إذاً، أن تتخذ أمريكا من الإرهاب مطية في حربها السميائية ضد أعدائها. إذ بات الإرهاب الوسيلة الجديدة، والسلاح المبتكر، الذي اعتادت القوى الكبرى أن تشهره في وجه الدول والمنظمات التي تعارض فرض المنهج الغربي على العالم. ويظهر ذلك من خلال الاتهامات الموجهة إلى دول أغلبها إسلامية أو عربية. وهذا يؤكد الحقيقة التي سبق ذكرها، والمتمثلة في الحرب الصليبية الصهيونية على الإسلام الذي يمثل في نظر الغرب الإرهاب الحقيقي، والخطر الكاسح للعالم الغربي.

وسأعرض بعض النماذج لتصريحات رسمية وشبه رسمية، تفصح عن حقيقة شعورهم تجاه الإسلام والمسلمين :

“ففي إطار حملته الانتخابية عام 1992، قال الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش : “إنني هنا أمثل أمريكا التي تمثل بدورها الحضارة اليهودية المسيحية التي تقود عالم اليوم بلا منا فس”، ويقول نائبه دان كويل : “إن أخطر ثلاث حركات في القرن العشرين هي : النازية، والشيوعية، والحركة الإسلامية”. وعن الفكرة نفسها يعبر ريتشارد شيفتر مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق فيقول : “إن الإسلام يمثل تهديداً كبيراً للاستقرار العالمي”. والرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسوف يرخي لخياله العنان فيتصور هجوماً إسلامياً كاسحاً، يضطر الغرب -في سبيل مواجهته- إلى أن يتحد مع موسكو لدرء الخطر ومواجهة العدوان، يقول نيكسون في كتابه “الفرصة السانحة” : “… يحذر بعض المراقبين من أن الإسلام سوف يصبح قوة جيوبوليتيكية متطرفة، وأنه مع التزايد السكاني والإمكانيات المادية المتاحة، سوف يشكل المسلمون مخاطر كبيرة، يضطر الغرب إلى أن يتحد مع موسكو ليواجه الخطر العدواي للعالم الإسلامي”. وتقول رئيسة الوزراء البريطانية السابقة “مارجريت تاتشر” : “يجب المحافظة على حلف الأطلنطي لمواجهة الخطر الإسلامي”(6).

أما على المستوى الإعلامي فنجد الهجوم العدواني المستمر على الإسلام والمسلمين هو شغلهم الشاغل، فعلى سبيل المثال، نقرأ ما كتبته “باربارا إميل” اليهودية الأصل في جريدة “التلجراف” البريطانية عدد 15-9-2001 “لسوء الحظ أن المسلمين المتطرفين يملكون أسلحة عصرية في أيديهم، والدول الإسلامية إما أنها تؤيدهم أو تدعمهم، وهؤلاء لهم هدف واحد : هو تدمير الحضارة الغربية، إزاء ذلك، فليس أمامنا بديل، فيجب أن نصنفهم في مربع الأعداء، وأن يطردوا من الأمم المتحدة، فإذا تقاعست عن ذلك، فينبغي أن تلجأ الولايات المتحدة إلى طرد الأمم المتحدة ذاتها، وفي الوقت ذاته يجب أن يمنع الجهاد تماماً، ويجب أن نطالب المجالس الإسلامية بإدانته، وهذا التعظيم والإكبار له في الكتب الدراسية وفي المساجد، ينبغي أن توضع له نهاية، وأن لا يسمح به على الإطلاق”(7).

گــركـيـن إدريــس

——

1- يعد العالم المغربي “المهدي المنجرة” من الأوائل ا لذين تطرقوا الموضوع الحرب الحضارية، ففي سنة 1991 أصدر كتابه “الحرب الحضارية الأولى”، تزامناً مع الهجمة الشرسة على العراق، والتي تعد الحلقة الأولى لهذه الحرب، وتلتها حروب أخرى في البوسنة والصومال، وكوسوفو.. وأخيراً أفغانستان. وقد صدر له أخيرا كتاب تحت عنوان “الحرب الحضارية الثانية” باليابانية، تطرق من خلاله إلى الحرب الأمريكية على أفغانستان، وقد أشار إليه في الحوار الذي أجرته معه “جريدة الأيام” الأسبوعية، عدد 32، وانظر كذلك كتابه “انتفاضات في زمن الذلقراطية” ط2 -2001 البوكيلي للطباعة والنشر والتوزيع.

2- د. صلاح الخالدي، دراسات في العهد القديم : “سفر يشوع : مدرسة الإرهاب اليهودي” مجلة فلسطين المسلمة، شتنبر 1997، ص 47.

3- 4- 5- المرجع السابق، ص 47.

6- ياسر أبو شبانة “النظام الدولي الجديد بين الواقع الحالي والتصور الإسلامي” دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، ط 1 1998 ص 97- 98.

7- فهمي هويدي “دعوة لتحالف دولي ضد الكراهية” جريدة المحجة عدد 157.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>