القرآن هو الهدي الحقيقي ولا اجتماع للأمة الإسلامية إلا على هديه
إذا إذا كان القرآن هو الهدي فيجب أن نلتقي عليه وأن يكون هوميثاق الأمة الإسلامية، وما أصاب ا لمسلمين من اختلالات إلا بتعدد المواثيق عندهم، وتعدد الدساتير عندهم واختلافها وتباينها.
دساتير للدول العربية تمنع الوحدة الاسلامية، لأن فيها من التناقض، والتضارب، والتباعد مايجعل الأمة الاسلامية ليست مرشحة لا الآن ولا غدا ولا بعد غد لأن تلتحم وتتحد، دساتيرها تمنعها، حدودها تمنعها، مفاهيمها وأنظمتها تمنعها إلى غير ذلك من المعوقات التي وضعتها لنفسها يوم أبعدتْ الهدي القرآني.
الأمة الاسلامية عندها فرصة واحدة هي فرصة الأخذ بالقرآن، وهي فرصة الاعتماد على الله عز وجل، متدرعة بالقرآن العظيم، إذا ضيعت القرآن فقد ضيعت فرصتها الأخيرة بأن تكون أمة، فلايمكنها أن تنهض بدون هذا القرآن، ولايمكن أن تقوم لها قائمة بدون الهدي القرآني أبداً.
وبما أننا نحن جميعا في شهر رمضان،وبمناسبة ا لحديث عن النور القرآني، فإنني أنبه نفسي وكل واحد منكم إلى أن يقترب أكثر في هذا الشهر المبارك من القرآن، فليحاول منكم كل واحد أن يبسط بينه وبين القرآن الكريم جسرا، لاتَدَعُوا علاقاتكم مع القرآن تكون علاقة عادية في هذا الشهر كسائر الأيام، ليحاول كُلُّ شاٍّب منكم أن يختم القرآن مرة أو مرتين على الأقل في هذا الشهر، حاولوا أن تخصصوا بعض وقتكم للقرآن الكريم، اجعلوا هذا الشهر شهر القرآن الكريم.
اعتنوا به أكثر مما كنتم من قبل، اسمعوه مسجلا، اقرءوه في المصاحف، اعطوه جزءا استثنائيا من وقتكم، وليحاول كل من يستطيع منكم أن يقرأ شيئا من تفسيره، -ولو في تفاسير مختصرة- أن يفعل.
فإن هذه الحالة الروحية التي تعم المسلمين الآن هي مما يساعد المسلم على ان يُقْبل على القرآن الكريم وأن يقترب منه، وان يهتدي بهديه.
وبعد، فالموقف الذي يقف عنده القرآن في الآيات التي استعرضت جزءا منها في اللقاءات الماضية هو موقف الرد على اولئك الذين اعتدوا عن الإيمان بالله تعالى بتوهمهم استحالة إعادة الأبدان وإحياء الرمم البالية، وقد رد القرآن على ظنونهم تلك، وزعمهم ذلك، وأكد ان ابتعاث الناس بعد موتهم ليس بالأمر الذي يعسر على الله عزوجل، ودعاهم إلى أن يؤمنوا بالله واليوم الآخر، ثم دعاهم إلى أن يهتدوا بهدي الله، دعاهم إلى أن يؤمنوا بالله ورسوله والكتاب والنور الذي أنزلنا،
ما أعظم أهوال يوم القيامة يوم الجمع لكل الخلائق من الأولين والآخرين
ثم عاد القرآن الكريم للحديث عن يوم القيامة: فقال تعالى : {يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن}.وهذا عود إلى موضوع الآخرة، ورجوع إلى الحديث عن يوم القيامة ، سمى الله عز وجل هذا اليوم الذي ينتظر الناس يوم الجمع، وهذا اليوم له أسماء متعددة بحسب ما يتم فيه من الاشياء، فهو يوم الفصل لأن الله يفصل فيه بين الناس، وهو يوم الجمع لأن الله تعالى يجمع فيه الناس، وهو يوم الدين لأن الناس يدانون فيه ويجازون، له أسماء متعددة، وكل اسم يشير إلى جانب مما يحصل في هذا اليوم من الجزاء، ومن العقوبة والثواب.
في هذا المكان سماه الله عز وجل يوم الجمع، لأنه اليوم الذي يجمع الله فيه عز وجل الخلائق من آدم عليه السلام إلى آخر نفس مَرَّتْ على هذه الارض حيث يُجْمعون جمعا واحدا، ويُحْشرون حشرا واحدا فيكون هذا أكبر اجتماع للناس، حينما يأذن الله تعالى بقيام الساعة: يجمع الله تعالى الخلائق كلهم على صعيد واحد وتبدل الأرض يومئذ غير الأرض ولاشك أن هذا التجمع في نفسه وهذا الجمع في نفسه سيكون جمعا رهيبا مهيبا لأنه سيجمع البشرية كلها، سيكون جمعا يحس فيه الانسان بأنه لم يبق له ذلك التمييز. فلا أمير ولا مأمور، ولا قو ي أو ضعيف، ولا كبير أو صغير، الناس كلهم سواسية، يقفون على حقيقة واحدة، وهي أنهم بشر، ليسوا أكثر من ذلك، إن الجمع الكثير من الناس لايترك لإنسان فرصة لأن يكون شيئا أكبر من كونه إنسانا أي انسان، لاتنصب له شارات أو هالات يُعْرف بها ويشعر أنه متميز بل الجميع حاضر، والجميع متساو والجميع خائف، والجميع وَجِلٌ والجميع يخاف ذنبه، والجميع يرجو ربه.
إذاً هذا الجمع جمع مهول يهز الناس، ومجرد تصور هذا الحشد يُحدث زلزلة في النفس الإنسانية خصوصا وقد صار التعداد البشري من أولهم إلى آخرهم، فكلهم يجمعون على صعيد واحد، فكم يكون تعدادهم؟؟، وكم سيحضر هذا الجمع؟؟ ملايين من البشر؟ ملايير؟ بلايين؟؟ لا يحصى عددهم إلا الله تعالى.
إن الله عزوجل وحده سيفعل ذلك وسيجمع الناس جميعهم لهذا اليوم، ويُحْضِرُهم عن بكرة أبيهم لايستثني منهم أحدا، والجميع حاضر، والجميع وافد يرجو أن يفعل في أمره ما يُفْعل، ويرجو أن يلقى جزاءه.
سمى الله هذا اليوم يوم الجمع، كما سمى هذا اليوم بيوم الفصل {هذا يوم الفصل جمعناكم والاولين فإن كان لكم كيد فكيدون} : أي جمعناكم أنتم والاولين، فمن غاب عنك وسمعت ذكره فستلقاه يوم القيامة، أي من غاب من السابقين من الصحابة وممن سمعت بذكرهم فإنه سيكون حاضرا معك، وسيكون محتشدا مثلك على ذلك المكان المحشر الذي يلتقي الناس فيه جميعا على صعيد واحد حُفَاةً عُراة لاشئ يسترهم، بل يكون الرجل منهم قد صار أغْرَل أي تضاف إليه تلك الجلدة التي قطعت منه يوم الختان، ترد إليه لتُحاسب معه، لأنها جزء من بدنه، جزء من جسده وتتصور عائشة رضي الله عنها هذا الموقف وتقول كأنها تعجب من هذا الاجتماع ا لذي يلتقي الناس فيه حفاة عراة وتقول: الرجل والمرأة يلتقون جميعا، وكلهم يجتمعون في مكان واحد، هذه سوأة عظيمة ،هذه فضيحة كبرى أن يلتقي الناس عراة تلتقي أنت وأبوك وأمك وجدك كلكم عراة، كيف تلتقي أباك وأنت عاري الجسد، أنت لاتريد أن تلقى أباك الآن إلا وأنت في ستار كامل لأن بينك وبينه من الوقار والحياء ما يمنعك من أن تنكشف أمامه، لكنك سياتي يوم القيامة عاريا كما أن أباك سياتي عاريا، كما أن ابنك سيأتي عاريا، كما أن أمك ستأتي عارية فَيُشْكل الأمر، على عائشة رضي الله عنها وتسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يجتمع الناس جميعا عراة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : الامر أكبر من أن يهمهم ذلك إنهم مشغولون بما هم فيه فلا يتفطن أحد لمن حوله هل هو لابس أم عار، هل يتفطن الناس إلى بعضهم بعضا في حالة الزلازل، في حالة الكوارث مثلا، هل يبحث الانسان عمّا يلبس، إذا قامت الزلازل فرّ الناس إنهم يفرون من بيوتهم لايعرفون هل يلبسون أم هم عراة، لايعرفون أرجلُهم منتعلة أم هم حفاة، ربما لايتبين لهم ذلك إلا بعد مُضِيٍّ مدة، إن الانسان يذهل عن كل شئ، فلذلك ولو كان عاريا فإنه حينئذ مشغول بهذا الخوف الفظيع الذي يسكنه، الخوف من ان يُزَجَّ به في نار جهنم والعياذ بالله. وصدق الله العظيم إذْ يقول : {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى النّاس سُكارى وماهم بسكارى ولكن عذاب الله شديد}(سورة الحج).
الجمع بمعنى آخر هو جمع جميع أجزاء الإنسان كلها التي لا يقدر عليها إلا الله تعالى
هذا هو المعنى الاول من معاني الجمع، ويمكن أن يراد بالجمع الجمع الأول الأسبق قبل هذا الحشد للإنسان يوم الحشر وهذا الجمع هو أي جمع الإنسان نفسه، تجميع الانسان الذي سيَتَفتَّت ويتحلل ويصير أجزاءا متناثرة، هذا الانسان يمكن أن يكون قد صار في أعماق البحار، أو ذراتٍ في ثنايا الأرض أو جزءا من مكوناتها، هذا الانسان المشتت الأجزاء سيجمعه الله تعالى من جديد.
إن الله سيجمع هذا الانسان جمعا ويستعيد الأجزاء فتلتقي وتلتئم ويعود هذا الانسان إلى حياته الأولى وإلى وصفه الأول، فيكون هذا التجمع ألأول أخطر من التجميع الثاني، إنه تجميع الانسان نفسه {أيحسب الانسان أن لن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه} إنه الجمع الأول الذي ينشئ الانسان إنشاءًا جديدا، والذي يعيد الانسان عَوْدًاجديدا، والذي يجعل هذا الانسان ياخذ هيكله، وياخذ وجوده وكيانه، إذن فهناك الجمع الذي يكون على مستوى الإنسان الواحد، وهناك الجمع الثاني الذي هو الجمع البشري لكل الناس المختلفين المتباينين الذين عاشوا في أزمنة مختلفة، وفي حقب متوالية، هؤلاء يجمعو ن جمعا آخر، فلذلك سمى الله تعالى هذا اليوم يوم الجمع، ولايستطيع أحد أن يجمع هذا الجمع أبدا، إنه الجمع الذي يختص به الله عز وجل لأنه هو الذي يقدر عليه ، ولايمكن لأحد من الناس أن يفعل هذا، فسبحانه سبحانه الذي يقدر على خلق الإنسان أول مرة، ثم يقدر على إنشائه من جديد، ثم يقدر على جمع أوله وآخره.
د. مصطفى بنحمزة