دراسات : قطاع التربية والتعليم من سيء إلى أسوء


مع إطلالة كل موسم دراسي جديد تشرئب الأعناق لمعرفة المستجدات في الحقل التربوي، ولقد زاد فضول الناس في هذا المجال منذ ظهور النسخ المخطوطة للميثاق الوطني الذي أفرزته الوضعية المتردية لقطاع التعليم. وها نحن نوقد الشمعة الثانية لميلاد الميثاق -حتى لا نطفأها- ولا جديد يذكر بل زاد السيء سوءاً. وفيما يلي بيان ذلك :

من سوء طالع هذا الموسم الدراسي أنه تزامن مع الاستحقاقات الانتخابية البرلمانية فكاد ينسى فلم نسمع بعيد مدرسة ولا بمأتمها حتى أني زرت اعدادية بمدينة وجدة فوجدتها مغلقة الأبواب يوم عيدها. وكان اللقاء المعتاد بمقر الأكاديمية الجهوية بوجدة ككل موسم لقاء كرام حتى أن القاعة المخصصة للقاء في جناح تابع للمركز التربوي الجهوي ضاقت بحضورها فاصطف طابور من أطر التربية يسترقون السمع في الخارج لعلهم يعرفون الجديد إذا انقلبوا إلى مراكز عملهم لعلهم ينذرون، وكان صوت السيد مدير الأكاديمية بدون مكبر صوت يقدم في استحياء الجديد ولا جديد.

لقد ارتفعت حصص اللغات الأجنبية إلى خمس ساعات على حساب اللغة الأم. وحلت المؤلفات الفرنكوفونية محل الكتب المدرسية حتى أن عين الرقابة غضت الطرف عن مؤلف يكرس فكرة “المحرقة أو الهولكوست” في أذهان الناشئة المعول عليها في تحرير القدس وأكنافها بعدما عجز الآباء. وتهافت الآباء والأبناء على الكتب المدرسية الشحيحة خصوصا الجديدة منها فاضطرت الأكاديمية الى استنساخ الدروس الأولى لمادة اللغة الانجليزية بعدما انطلق ا لموسم الدراسي بالكتاب السابق في الجذوع المشتركة، وتساءل الناس عن المؤلفات الفرنكوفونية كتساؤلهم عن عزة الرغيف في زمن المجاعة. وطارت حتى نسخ الكتب المعتادة من الأسواق بل عقمت أرحام المطابع أيضا، ولازال جيش من المتعلمين بدون سلاح في الفصول الدراسية. وتهافت الناس على ملف مستحدث للمترشحين لامتحان الباكالوريا بعدما عبئ الملف السابق وضاعت فيه دراهم كما أهدرت دراهم الآباء في كتب اللغة الفرنسية والانجليزية التي ألغيت بدون سابق إنذار.

وطال انتظار التعليمات الجديدة ا لمتعلقة بهيكلة الأكاديميات وتفعيل مجلسها وهيكلة المؤسسات وتفعيل مجالسها وظلت الأيدي تتداول المرسوم رقم 0.02.3.76 الصادر بالجريدة الرسمية بتاريخ 25 يوليو 2002 في انتظار المذكرات التنظيمية.

وانطلق الموسم الدراسي بدون مجالس، وكثرت الوقفات الاحتجاجية وكان أكثر الوقفات إثارة للانتباه وقفة المعلمين والمعلمات الشباب الذين وقعوا مع الوزارة الوصية عقدا بتشغيلهم في التراب التابع لنيابة وجدة ا نكاد بعد تخرجهم فإذا بهم يرغمون على الاشتغال بنيابتي الناظور وفجيج لأن زملاء لهم ضاقت بهم سبل العيش “فحرقوا مع الحارقين” الى أرض الغربة كما يقال.

انطلق الموسم الدراسي وشهدت أمهات المؤسسات اكتظاظا لم يسبق له مثيل حتى أن الجذوع المشتركة العلمية والأدبية على حد سواء تجاوزت الستين تلميذا يقضون معظم وقتهم في نقل المقاعد والكراسي بين القاعات على حساب الدروس.

انطلق الموسم الدراسي وعملية إعادة الانتشار معطلة في بعض نيابات الأكاديمية لأن الأشباح طالت مخالبهم وانيابهم ولم يعد بوسع أحد الحديث عنهم أو الكشف عن أسرارهم. ومما يثير الانتباه النقص الحاد في الأطر الإدارية حتى أن بعض المؤسسات تعرف ما يسمى بالتسيير الذاتي -أستغفر الله- التسيير العشوائي في غياب إدارة تربوية ساهرة.

انطلق الموسم الدراسي وغاب عنه من  غاب إبان الحملة الانتخابية وفاز من فاز وخاب من خاب ولم يطلب من أحد تعويض ما فات من الصالح العام.

انطلق الموسم الدراسي وأصحاب الاستحقاقات المادية من رجال التعليم يتطلعون بفارغ الصبر إلى خزينة الدولة وعيونهم جاحظة كأنها فاكهة البرقوق في انتظار ما غاب من الحقوق، والهواجس تنتابهم من أخبار مفادها أن استحقاقاتهم ربما تبخرت مع تعيين وزارة جديدة.

انطلق الموسم الدراسي والوزارة تنتظر عريسها الجديد من بين السادة الوزراء المحتملين -وما أكثر خطابها- ليأخذ بيدها إلى شاطئ الأمان وتخرج من الأسوء إلى الأحسن لأنه لم يبق بعد سيئها أسوء.

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>