لقد طال ليل المسلمين، وكلما احْلَوْلَك الظلام واشتدت جحافِلُه اشْرَأَبَّتْ الاشواق والأعناق إلى بزوغ أوائل خيوط الفجر، ولكن بدل ذلك تهجم عليهم أمواج أخرى من الظلام أكثر كثافة وسماكة وشمولا وكأن ما يحيط بنا ليس إلا الظلام وكأن سماءنا لا تعرف إلا الظلام، وكأن أرضنا لا يتفجر من خلالها إلا الظلام مثلما تتفجّر البراكين الغاضبة..
ونحن كنّا في الدهور السابقة خَيْر أمّة أخرجت للناس، كما أننا أمة موعودة بالاستخلاف والتمكين في الأرض، وبظهور ديننا على جميع الأديان ولو كره المشركون، لكن أمتنا كما ترون هي المستهدفة بالقتل والتشريد والغصب والنهب والأسر والإفقار والتمزيق والتشتيت، وقد اتفقت العوالم(الأول والثاني والثالث) والبشرية كلّها على ذلك الاستهداف، فدماؤنا وأْعراضنا وكرامتنا وأمْننا ودينُنا ولغتُنا وأسَرُنا كلذلك مستهدف بالعدوان والانتهاك والارهاب والبغي.. ولا يُنْجِينّك من ذلك كونُك تعيش في ظل دولة ديمقراطية أو متحضرة، فمادمت مسلماً فأنت متهم يحيط بك ظلامُ الظلم في بلاد عدالتهم المختلة أو في بلدان جَوْرنا المقنّن.
ولعل الفجر كثيراً ما يَهُمّ أن يُطِلّ من آفاقنا كما كان عهده في ماضينا المشرق، لكن ما أن يَرى المسلمين ما يزال يقتُل بعضهم بعضاً ويأسر بعضهم بعضاً وينهبُ بعضهم بعضاً ويتآمر بعضهم على بعض حتى يتزاور وينحرف عن آفاقنا تلك، لأن الفجر لا يعانِقُ الظلام ولا يصطلح مع الظلم، إذ الأمر كما ترون ما تزال إيران والعراق تتبادلان رفات أجنادهما وأسْراهم بعد مضي عشرين سنة من اندلاع الحرب العمياء بينهما، وما يزال الأسرى الكويتيون المسلمون في سجون العراق المسلم، وما يزال في الجزائر منذ أكثر من عشرين سنة الأسرى المغاربة المسلمون بسبب حرب ا لصحراء.. وما تزال سجون جل البلاد العربية والاسلامية مليئة بمعتقلي الرأي ومسجوني العقيدة.. وما تزال بعض دول الاسلام تتحالف مع “الآخرين” على محاربة “الاخوة الأشقاء” وما يَزال في بلاد المسلمين ثراء فاحش ويتفاحش، وفقر مدقع ويزداد انتشاراً وتفاحشاً.. وما يزال في بلاد المسلمين إذا سرق فيهم الضعيف الفقير أقاموا عليه الحد وإذا سرق فيهم القوي و”الشريف” تركوه بل ربما ولّوه عليهم وأسندوا إليه أمورهم!! فأنّى والأحوال كما ترون لليلنا المظلم الكثير الظلام الطويل المفْرِط الطول أن ينتهي ويبزغ فجرنا الذي كان معتاداً أن يبزغ أول ما يبزغ من فوق جبالنا ومن آفاق بحارنا وصحارينا.
إن بيننا وبين بزوغ فجرنا العظيم المفعم بالضياء والأنوار أن نعود إلى الله : إلى حبّه وتوحيده وتعظيمه وطاعته وعدله وقرآنه، وإلى اتّباع رسوله صلى الله عليه وسلم والاهتداء بسنته وسيرته وإلى إيثار حبه على حب أنفسنا وأولادنا وأموالنا؛ أن نعود إلى محبة المسلمين وولاء المؤمنين وإشاعة الخير والرحمة فيما بينهم وإقامة العدل في مجتمعاتهم والسهر على خدمة مصالحهم والغيرة على شرفهم وأعراضهم وصيانة كرامتهم ومحاربة من يحاربهم ومنع ما يضرهم وإزالة كل ما يسوؤهم والعناية بأطفالهم ومعالجة مرضاهم والأخذ بيد ضعفائهم.. وعندئذ يبزع الفجر ويتوالى بزوغه كما كان عندما كنّا خير أمة أخرجت للناس {ولينصرنّ الله من ينصره إن الله لقويّ عزيز}.
د. عبد السلام الهراس