منْ أوراقِ شاهِدَة : شْوِيَّ لْرَبِّي، وْبَزَّاف لْقَلْبِي وْدُقِّــي يــا أمـــريـكـا، (عَفْـوا) يــا مَــزِّيـكَــ


كان المطر يَهْمِي بالخارج، بالسْطُولاَ، كما تُحب أن تقول أمي.. فمنذ الساعات الأولى للنهار، انفتحت سماء الله بماء مُنْهَمِر.. ويُوشكُ أذان المغرب أن ينطلق، ولا زالت الغيوم تَسِحُّ مدامعه الثِّقَال.. سبحانه وتعالى كريم، قلتُ في نفسي، وانْبعَجَ خدي بزجاج نافذتي وأنا أرى إلى زقاق غَمَرَهُ السَّيْل، مع انسداد المجاري، فغدا بُحيرة لا سبيل لقطعها إلا بالفْلاَيْكْ.. وشَطَّتْ بي المُخيلة على حين  غرة، إلى جغرافية أخرى، شعرتُ باسترجاع معالم بِنَايَاتها برعْدة، تَسْرِي في عظامي.. يارب المستضعفين كيف يكون حال ساكني دور القصدير الآن، وأي إفطار هذا الذي يَتحوّلُ معه كل أثاث البيوت البئيسة إلى كائنات عائمة يكتنفها عجين الطين وعصير المزابل الآتية مع السيل!!!.. قبل عامين، و قد حملتني إحدى زياراتي “للكاريان سنترال” بالحي المحمدي بالدار البيضاء إبان يوم ممطر، شَلّني الذهول لهول ما رأيت فكأنما قُذفْت بالبنغلاديش، فالمرحاض، كما الطنجرة، كما أفرشة النوم المتهَدِّلة تَستَوْطن نفس الرقعة المدعوة تجاوزاً بالغرفة.. غرفة يستلقي في فضائها، الصغار والكبار، الذكور والإناث، المتزوجون والمطلقات، الأبكار والعزاب، بمساواة تحسدهم عليها الحركات النسائية البُرْجعَاجية القضايا.. وهناك، أذكر، عاينْتُ المتهالكين على الخمرة والمخذرات، والدعارة، والمتعلمين العاطلين المدمنين على الحيطان.. وجالست الحمقى من الذين طار لِيهُمْ الفَرخْ بالمِيزِيريّة”.. كان البؤس البَيِّنُ في الوجوه، والعمران أكثر مِنْ أَنْ يُحْصَى، فاضحا كل خطابات “گولو العام زين” في طبعتها الجديدة.. ومرة أخرى حَمَلتني خطواتي إبان الحملة الانتخابية الأخيرة، للإخوة، إلى فضاء الكاريان، وهذه المرة بسيدي مومن بالبيضاء، وَبَدَتْ لي الكَارْيَانات كما هي، ولا تبديل لقصديرها، وللأزبال وكثبان التراب التي تطوق فضاءها الكئيب.. وتذكرتُ، وأنا أرى حال جزء من الرعية المهجورة، أولئك المهرولين إلى الكراسي البرلمانية، من الذين عششوا وباضوا فيها وعادوا إليها بفضل مِنْهَاجْ ديالنا فديالكم، واسترجعت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : >.. وإنها لحسرة وندامة يوم القيامة<، فقلت في نفسي آنئذ “بَاز ليهم” كيف يجترئون على دروب الحسرة والندامة. واللحظة وأنا ببيتي أستعيد بنافذتي على وَقْع زَخّات المطر كل هذه اللوحات المخزية ببلاد المْسَلْمِين!!، يُحاصرني السؤال الكبير : هل نحن حَقا صائمون، وهل لله حَاجَة بإمساك بُطوننا، وما تحت سرتنا فقط أم أنّ الصوم شعيرة شمولية، عَلَيْنا أن نَتَبَنّى فيها منظومة كاملة من السلوك، عبادة ومعاملة، لنكون من عُتَقَاء رمضان، ولعلنا بصيامنا نكون من المتقين، ثم أيّ صوم هذا الذي لا يحرك ضمائر، ثم عزائم الجميع حكاما، ومحكومين، وكل من موقع مسؤوليته، الرسمية، كَمُسْتَأمن “رسمي” على الرعية، أو الأخوية التضامنية لتحقيق البنيان الإسلامي المرصوص، الذي من شأنه  المواجهة الجذرية للفقر، الذي يختزن حتما حقوقا مهضومة وأموالا مَنْهُوبة.. ومظالم يَبْيَضُّ لها المَفْرِق!… إن الصيام الذي لا يجعل الإنسان يستشعر جوع وعطش وقهر الآخرين، في الوقت الذي يتنعم فيه هو بكل ما يشتهيه إذْ يقول له كن فيكون، إنْ هو إلا كالأنعام، بل أضلُّ سبيلا.. وإنّ أرواح كل المشردين والضائعين، سكارى ومخدرين ومومسات كما  أرواح كل أولئك الحراگا الذين يموتون غرباء، ليست إلا كبائر عظمى ستثقل موازين المتسببن فيها يوم يذكر المرء ماقدمتْ يداه، ويقول الكافر، ياليتني كنْت ترابا.. وإن الله سبحانه وتعالى الذي يعلم خائنة الأعين، وما تُخفي الصدور، غني عن التّديّن الاسْتعْراضِي، تَديّن سِيرْ وَاجِي “للتراويح” بالسبحة و السجادة، والجلباب، وحملات البُوسْ والعناق، والتّبْريكات بحلول الشهر الكريم، وغني عن الصيام الذي لا يصنع إلا ذواتا منخورة مهزومة، مستقيلة من هموم الأمة، ذواتا لاهية، تردد مع المغني المصري بحُبُور ” رمضان جَانَا رمضان”، لكنها لا تفهم التزوُّد مِنْ كنوزه إلا بالقْصَايْر وْدَارَتْ، عَنْدِي عَنْدَك، شعارها شْوِيَّ لْرَبِّي وْبَزّافْ لقلبي وْدُقّي يا أمريكا، (عفوا) يا مزيكا.. وقد كان شهر رمضان، شهر انتصار المسلمين الرساليين الأوائل في معارك كثيرة كبدر، وعين جالون، والزلاقة وشهر الانتصارات الباهرة لصلاح الدين الأيوبي على الصليبيين، الذي قال قولته الشهيرة حين دخل إلى إحدى خيمات جنوده، ووجدَهُم يطبّلون ويُغنون : >مِنْ هُنَا تأتي الهزيمة<!!.. وها هي هزائمنا اليوم متوالية بفلسطين، وأفغانستان والعراق.. لأننا رَكَنّا للظلم والظالمين، فما أفَادَ فِينَا الصّيام ولا القيام، لأن الله لا ينصر إلا حزب الصادقين ويمقت الغشاشين!!.. وبَعْد.. فهل للخروج مِنْ غيَاهِب هذا الجُبِّ مِنْ سبيل؟؟ ذة. فوزية حجبي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>