افتتاحية : الطغيان لايؤتمن على المصلحة العليا للانسان


إن الله تعالى وضع للإنسان دستور حياة متصلة مترابطة، لا فصل فيها بين الدنيا والآخرة، وإنما الحياة الطيبة في الدنيا هي مقدمة  السعادة الدائمة في الآخرة {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مومن فلنحيينه حياة طيبة ولنَجْزِيَنَّهُم أجرهم بأحسنِ ما كانوا يعملون}(سورة النحل).

ومن فصل بين الدنيا والآخرة عاش في شقاء دائم {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى. قال ربِّ لِم حشرتني أعمى وقد كنتُ بصيرا قال كذلك أَتَتْكَ آياتنا فنسيتها وكذلك اليومَ تُنْسى وكذلك نجزي من أسرف ولم يومن بآيات ربه ولعَذَابُ الآخرة أشد وأبقى}(سورة طه).

فالذي لايعرف الله في الدنيا عاش تائها منسيا وإن ملأ الدنيا ضجيجا وهديرا وتدميرا وتخريبا، فإنه لن يتعدى قدره، ولن يتجاوز سنة الاستدراج التي جعلها الله قانونا حتميا للمجرمينالمغرورين بشئ من زخارف الدنيا وبريقها، يبنون الطين بالطين، ويهدمون الطين بالطين حتى يخنقهم الطين ويغرقون فيه دون أن يسمع لهم صريخ {سنستدرجهم من حيث لايعلمون وأُمْلي لهم إن كيدي متين}(سورة القلم).

جاء في جريدة الشرق الأوسط ليوم الخميس 21-11-2002 هذا الكلام لزعيم النظام العالمي الجديدة مهمتي هي التأكد من أن السيف الامريكي حديد وحاد في كل الأوقات” لنستنتج منه الغرور الكبير الذي يبشر بالسقوط القريب للحضارة المادية، حضارة القوة والقهر والجبروت، حضارة التعالي والاستعلاء، حضارة التقاتل على الدنيا وسلب المستضعفين حقوقهم وحرياتهم كأنهم لم يولدوا إلا ليكونوا عبيدا للأقوياء.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى قارن بين هذه المهمة الطغيانية وبين مهمة الأمة الإسلامية الناضحة بالعدل والرحمة والخير والبر {إن الله يامر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي ا لقربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغييعظكم لعلكم تذكرون}(سورة النحل).

قارن بين جراءة الطغيان، وجدية أصحابه بدون اعتبار لمالك الكون، ولامراعاة لعقول العقلاء وضمائر المومنين الأحياء ، وبين وداعة أصحاب الحق ونومهم عن رسالتهم الكفيلة بإحياء الإنسانية و إنهاضها من تدهورها الأخلاقي وكبوتها الذليلة.

ومع ذلك لا يستحيي أصحاب الحضارة المادية الطاغية من كثرة الترديد لأطاريحهم بدعوى أنهم يحملون للعالم رسالة التحضير والتقدم، ألا يشعر قادة الأمة الإسلامية بشيء قليل من المهانة إزاء نومهم الثقيل الذي أتاح لهذا الفكر الطغياني أن يتجرأ ويتبجح، مع أنهم يحملون رسالة التحضير الأخلاقي لهؤلاء الطغاة قبل شعوبهم، رسالة التحدي الفكري والسياسي والاقتصادي والعالمي، رسالة الإصلاح والإسعاد الأبدي للإنسان التائه الذي يمشي منكوساً رأسُه في الأرض ورجلاه في السماء، مع أن الله خلقه في أحسن تقويم، ولكنه أبى إلا أن يكون في أسفل السافلين.

إن الأمة الإسلامية هي المؤتمنة -لو فقهت وتدبرت- على مصالح الإنسان العليا، أما الطغيان فلا يؤتمن على المصلحة العليا للإنسان.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>