قضايا إسلامية : بعد عام من زلزال سبتمبر وضرب أفغانستان : ابن لادن عقدة أمريكا الجديدة، وواشنطن لم تحقق أهدافها، وطالبان مازالت محتفظة بكوادرها وأسلحتها 3/3


ذهبت طالبان.. وبقيت القوات الأمريكية

دخلت القوات الأجنبية إلى أفغانستان بعد قرار الولايات المتحدة ضرب من سماهم “الإرهابيين” بعد حادثة 11-سبتمبر-2001م. وكانت أمريكا تتهم بهذه الحوادث أسامة بن لادن وأتباعه أعضاء تنظيم القاعدة، ثم طلبت أمريكا من نظام طالبان تسليم أسامة بن لادن للولايات المتحدة الأمريكية؛ لكنهم رفضوا ذلك، وطلبوا أن يحاكَم أسامة بن لادن في بلد ثالث، أو تقدم أمريكا الأدلة على تورطه في هذه الحوادث لتتم محاكمته في داخل أفغانستان.

وسقطت حكومة طالبان بجهود مشتركة بين الأمريكان والتحالف الشمالي، وانتهى حكم طالبان، وانتهت مراكز التدريب لتنظيم القاعدة، لكن بقيت القوات الأمريكية في أفغانستان، بل هي تُحكم سيطرتها يومًا بعد يوم في مناطق مختلفة في أفغانستان. ويُعتبر انتشارها بهذه الصورة احتلالاً لأفغانستان. وصار الذين كانوا ينكرون تواجد القوات الأجنبية، والذين كانوا يعيشون أحرارًا، أباة، مجاهدين في خنادق الجهاد – لا يُسمح لهم اليوم بالسكنى في منطقة وزير أكبر خان من كابول.

وتتحكم الطائرات الأمريكية في سماء أفغانستان -تجوب البلد ذهابًا وإيابًا- من غير خوف ومن غير رقيب. ولا تسيطر الإدارة المؤقتة على شيء في البلد؛ وقد تقوم القوات الأجنبية ببعض العمليات التي توقع الإدارة المؤقتة في الحرج، مثل قصف القافلة التي كانت تأتي من ولاية بكتيا في جنوب أفغانستان لتهنئة حامد كرزاي بمناسبة توليته رئاسة الإدارة المؤقتة.

مناطق انتشار القوات الأجنبية

انتشرت قوات التحالف الغربي (غير قوات الأمم المتحدة) في كل المناطق الأفغانية من الشمال إلى الجنوب، والوسط، والجنوب الغربي على النحو التالي:مزار الشريف (المنطقة الشمالية): تمركزت القوات الفرنسية والأمريكية والبريطانية في مطار دهدادي بمزار الشريف، مع أن هذه المنطقة بعيدة عن خطر طالبان وتنظيم القاعدة. ومع ذلك يحتفظ فيها بالقوات العسكرية.

مطار بأجرام الجوي (شمال كابول): يقع مطار بأجرام -أكبر المطارات العسكرية في أفغانستان- في ولاية بروان عند مدخل وادي “بنجشير”، مسقط رأس القائد أحمد شاه مسعود. استقرت فيه القوات البريطانية والأمريكية؛ وتولت زمام الأمور فيه بحجة تأمين وصول المساعدات الإنسانية التي تصل إلى أفغانستان جوًّا عن طريق هذا المطار. ويعتبر مطار بأجرام أكبر قاعدة جوية للقوات الأجنبية في أفغانستان، يستقبل فيه كل القيادات الغربية؛ لأن المنطقة آمنة، والمطار بيد القوات الغربية لا يتدخل فيه أحد من القوات الأفغانية، وقد استُقبل فيه توني بلير رئيس الوزراء البريطاني وكولن باول وزير خارجية أمريكا، وغيرهما.

كابول (عاصمة البلاد): واستقرت القوات الأمريكية في فندق “أريانا” داخل مدينة كابول، الفندق الذي أخذه زلمي خليل زاد (المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي لأفغانستان) مقرًّا له، وقد وضعوا الستائر على سور الفندق بألوان العلم الأفغاني، مع صورة ضخمة للقائد أحمد شاه مسعود. وفي مبنى السفارة الأمريكية بكابول تنزل الهليكوبترات العسكرية، لكن عدد القوات الأمريكية بكابول ليس كبيرًا.

ولاية ننجرها (المنطقة الشرقية): استقرت القوات الأمريكية في ولاية ننجرها في عدة أماكن؛ منها: مطار مدينة جلال آباد، ويعيش المسؤولون الكبار من القوات البريطانية داخل المدينة في بيت “حضرت علي”، وقيادات القوات الأمريكية في بيت “محمد زمان”، وأنشئوا معسكرًا لهم في مديرية “آجام” بقرب منطقة “توره بوره” الجبلية. وتعيش مجموعات منهم في داخل منطقة “توره بوره” والقمم الجبلية بقربها، وقد أقاموا علىالجبل الأبيض مركزًا للاستطلاع.

باميان (المنطقة المركزية): وتمركزت القوات الأمريكية والبريطانية في ولاية باميان بمساعدة الشيعة من حزب الوحدة. ويوجد تفاهم كبير بين القوات الأجنبية (وخاصة البريطانية) والشيعة في منطقة باميان، إلى درجة أن زعيم حزب الوحدة كريم خليلي يُحرس من قبل الجنود البريطانيين أثناء تجولاته داخل أفغانستان.

ولاية لوجر: تمركزت مجموعة أخرى من القوات الأمريكية في مديرية “خوشي” بولاية لوجر بمساعدة “حسين أنوري” من حزب الوحدة الشيعي المنشق على كريم خليلي.

المنطقة الجنوبية الغربية: تتواجد القوات الأمريكية في جنوب غرب أفغانستان في ولاية أورزجان واستقرت في ولاية قندهار، وفي ولاية هيلمند، وولاية هيرات في مقر فيلق هيرات، وفي “خانه جهاد”، وفي مطار شيندند بولاية فراه.

وبذلك أُحكمت السيطرة الأمريكية على أفغانستان، وقد أنشأت القوات الأمريكية بعض مراكز التدريب في مختلف مناطق أفغانستان، يدرب فيها بعض الأفغان على جمع المعلومات، ويساعدهم في ذلك الشيعة أكثر من غيرهم.

خسائر إستراتيجية بغياب طالبان

ومن الخسائر الاستراتيجية لغياب طالبان ما أعلنه مسؤولون عن مكافحة المخدرات في الأمم المتحدة إن الحكومة الأفغانية الجديدة برئاسة كرزاي فشلت بصورة كبيرة في محاولاتها لاستئصال زراعة زهرة الخشخاش التي يستخرج منها الأفيون من البلاد.

وقال هكتور ماليتا المتحدث باسم المنظمة الدولية إن الحملة التي بدأتها الحكومة في أبريل نيسان، لم تحقق نجاحا يذكر.

وتؤكد هذه التصريحات تقارير ظهرت في وقت سابق هذا العام قالت إن الحكومة لم تدمر تقريبا أيا من حقول الخشخاش على الرغم من تأكيداتها أنها تقوم بذلك.

وتقدر الأمم المتحدة الآن أن ما قيمته أكثر من مليار دولار من زهرة الخشخاش تنتج الآن في مزارع في جميع أنحاء البلاد.

وتقول المنظمة الدولية إن معدلات الإنتاج الآن تقترب من معدلاتها في أواخر التسعينيات قبل أن تحظر حركة طالبان زراعة الخشخاش تماما.

وكانت أفغانستان في تلك الفترة أكبر منتج للخشخاش في العالم، إذ كانت تنتج 70 في المئة من الاستهلاك العالمي من الأفيون.

وتوفر زراعات الخشخاش مصدر دخل مربح للمزارعين الذين عادة ما يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة.

وكانت طالبان قد حظرت زراعة الخشخاش عام 2000. وتقول الأمم المتحدة ومنظمات مكافحة المخدرات إن هذا أدى لوقف تام تقريبا لزراعة الخشخاش في موسم زراعته عام 2001.

الحراسة الأمريكية ..هل تحمي قرضاي من طالبان؟

تصاعدت المخاوف الأمنية عقب اغتيال نائب قرضاي الحاج عبد القدير، فقد طلب الرئيس الأفغاني حامد كرضاي من الولايات المتحدة توفير الحماية الشخصية له.وكانت القوة المكلفة بحماية كرضاي إلى الآن تشتمل على مجاهدين أفغان سابقين.

ولكن عملية الاغتيال التي طالت نائب الرئيس الحاج عبد القدير في الشهر المنصرم قد زادت من المخاوف حول سلامة كرضاي نفسه.

واستجابة من واشنطن لحماية قرضاي بدأ جهاز الأمن الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية الأمريكية تولي حراسة الرئيس الأفغاني حامد قرضاي ابتداء من سبتمبر/الماضي ،وهو ما وصف بقرار نادر من نوعه. وصرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية جوان بروكوبوتيش بأن مهمة حماية قرضاي ستستمر لمدة عام وستشمل تدريب عناصر من الأمن الأفغاني على الأساليب الحديثة المتبعة في حماية الشخصيات المهمة.

وأضافت أن عناصر الأمن الدبلوماسي سيحلون محل القوات الخاصة الأمريكية التي تتولى حراسة قرضاي منذ اغتيال نائبه حاجي عبد القدير في الشهر الماضي بناء على خطة اتفق عليها وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد ووزير الخارجية كولين باول بعد مباحثات علي مستوي عال بين الجانبين.

وأرجعت المتحدثة القرار إلي محاولة توفير ظـروف آمنة للحكومة المركزية في أفغانستان حتى تتمكن من الاضطلاع بمهامها في إعادة البناء وتحسين ظروف المعيشة. ويتولى الأمن الدبلوماسي عادة حماية الشخصيات الدبلوماسية الأمريكية المهمة في العالم بمن فيهم باول كما يضطلع بتوفير الحماية للمسئولين الأجانب علي المستوي الوزاري الذين يزورون الولايات المتحدة. ومن بين الشخصيات التي تولي الجهاز حراستهم خلال وجودهم بالولايات المتحدة أعضاء العائلة المالكة البريطانية والأمين العام لحلف شمال الأطلنطي( ناتو) والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات.

اغتيال النائب ومحاولة اغتيال الرئيس

وكان التحدي الأمني الكبير هو محاولة اغتيال رئيس الحكومة الأفغانية حامد قرضاي يوم 5سبتمبر/أيلول الحالي وأفلت منها بأعجوبة . وقد اتهمت الحكومة الأفغانية تنظيم القاعدة بتدبير محاولة الاغتيال في قندهار جنوبي أفغانستان ، وقال وزير الخارجية عبد الله عبد الله إن المحاولة قد تكون من تدبير تنظيم القاعدة الذي يتزعمه أسامة بن لادن.

وقد كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن عودة القاعدة وطالبان إلى مسرح الأحداث بقوة في أفغانستان بعد سلسلة من الهجمات. وأشار الوزير الأفغاني إلى أن انفجار السيارة الملغومة الذي وقع قبل هذه المحاولة بيوم في كابل قد يكون أيضا من تدبير حركة طالبان أو القاعدة.

وقال عبد الله إن الهجومين اللذين وقعا قبل أيام قليلة من حلول ذكرى مرور عام على هجمات 11 سبتمبر/ أيلول يثبتان أن تنظيم القاعدة لا يزال نشطا في أفغانستان.

ومن ناحيته قال الرئيس الأفغاني حامد كرضاي إن محاولة اغتياله الفاشلة أثناء زيارته لمدينة قندهارفي جنوب البلاد وحادث تفجير قنبلة في العاصمة كابل قبلها بيوم، لا يعني أن أفغانستان ستدخل في حالة من الفوضى.

وقال كرزاي في أول ظهور علني بعد عودته من قندهار “إن الحادثين منعزلان وقد نفذا من قبل مجموعات إرهابية”، كما يظهران عدم قدرة المشتبه بتورطهم في تنفيذهما على تنظيم أنفسهم كمجموعات منظمة، و”لا يدلان أيضا على أن العنف يعم البلاد”.

واعترف في الوقت نفسه أن بلاده مازال أمامها مشوار طويل للحصول على الخبرات الأمنية اللازمة لفرض الأمن في البلاد، وقال إنه لن يحتجب عن العامة وسيواصل اختلاطه بالجماهير ولكنه سيعيد النظر في الإجراءات المتبعة للحفاظ على سلامته.

وكان كرزاي قد اتهم مقاتلي حركة طالبان وتنظيم القاعدة بأنهم وراء محاولة الاغتيال ووراء حادث تفجير قنبلة في كابل أسفر عن مصرع 30 شخصا على الأقل وجرح 167 آخرين.

وكان نائب الرئيس الأفغاني ووزير الأشغال العامة حاج عبد القدير قد سقط قتيلا بعد أن أصيب برصاصات في الرأس أثناء مغادرته مقر وزارته في العاصمة كابول في السابع من يوليو تموز الماضي.

فقد اقترب مسلحون مجهولون من الوزير أثناء توجهه إلى سيارته وأردوه قتيلا مع سائقه.

بعد الفشل الأمريكي:

مكافأة لمن يرشد على القاعدة

وتأكيداً لحالة الفشل التي تعيشها واشنطن اعتادت الطائرات أميركية إسقاط منشورات فوق جنوب أفغانستان تعرض مكافأة تصل قيمتها إلى خمسة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تساعد على تعقب زعماء طالبان والقاعدة.

وقال تجار أفغان لدى وصولهم إلى بلدة تشامان الحدودية في باكستان إن منشورات تناثرت في المنطقة وأسقطتها طائرات أميركية فوق ولايات هلمند وأرزجان وقندهار التي كانت من معاقل طالبان.

وحملت المنشورات صورتين للملا محمد عمر الزعيم الروحي لطالبان الذي قلما كان يظهر خلال فترة حكم الحركة الذي استمر خمس سنوات وانتهى في العام الماضي.

وكانت طائرات أميركية قد أسقطت منشورات مشابهة في مارس/ آذار الماضي تعرض مكافآت لمن يدلي بمعلومات لتعقب أفراد طالبان والقاعدة الفارين.

21 هجوما لطالبان ضد الأمريكان

خلال 3 شهور

ومما يؤكدأن طالبان مازالت تحتفظ بحيويتها وقوتها وكوادرها أصدرت جماعة تطلق على نفسها اسم ‘الجيش السري للمجاهدين’ بيانا في الفترة الأخيرة أعلنت فيه عن تحملها مسئولية الهجمات التي تعرضت لها القوات الأمريكية في أفغانستان خلال الفترة الماضية. وتوعد البيان الأمريكيين بمزيد من الهجمات انتقاما للشهداء الأفغان الذين لقوا حتفهم خلال الحملة الأمريكية على أفغانستان .

وأضاف البيان الذي صدر باللغة العربية وتم توزيعه شرق أفغانستان أن الجماعة ستنتقم لمقتل الشهداء الأبرياء الذين راحوا ضحية القصف الأمريكي المتوحش.

وقال البيان إن هدف الجماعة ـ التي لم تكن معروفة سلفا ـ هو استمرار الجهاد حتى يخرج آخر جندي أجنبي من أفغانستان، فضلا عن الدفاع عن العقيدة الإسلامية والحق في إقامة نظام إسلامي.

وأشار البيان إلى أنه لا يوجد سلام أو استقرار في أفغانستان، كما وصف الرئيس الأفغاني حامد قرضاي بأنه ‘عبد’ للأمريكيين بسبب الدعم الذي تقدمه واشنطن للزعيم الأفغاني.

وأوضح البيان أن الجماعة الجديدة شنت على القوات الأمريكية ما يقرب من 21 هجوما في الفترة ما بين الأول من يونيو و 31 أغسطس.

ويعتقد المراقبون أن هذا البيان قد يكون موجها لآلاف العرب الأعضاء في تنظيم القاعدة ممن يختفون حاليا بعيدا عن أعين الأمريكيين.

جدير بالذكر أنه قد نفذ بحق القوات الأمريكية العديد من العمليات العسكرية في أفغانستان ، لكن الولايات المتحدة كانت دائما تنفي معظمها برغم تأكيد مصادر شبه مستقلة لوقوع عدد منها.

السيد أبو داود

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>