ســلام على حــرمة الخطيب الواعظ في بلادي


 

شملت حملة توقيفات تعسفية بعض السادة الخطباء الوعاظ في مختلف  مدن المغرب إبان الحملة الانتخابية لأسباب واهية تراوحت بين تهمة التعرض لموضوع الانتخابات وبين تهمة الاعراض عن إلقاء خطب ” مفبركة” صيغت خصيصا لتكميم الأفواه طيلة الحملة، ولقد اعتمدت إجراءات التوقيف على تقارير جهات مغرضة كانت دائمة التربص ببعض المنابر، شغلها الشاغل التأويل المغرض لما يرد في الخطب المنبرية قصد اقتناص مايفي بغرض الوشاية الكاذبة لدى الجهات المسؤولة من أجل التخلص من خطباء مشهود لهم بالكفاءة والجرأة.

ولقد كان هذا الاجراء الذي لم يَرْعَ حُرْمة للخطباء هدية من أجل إرضاء فصيل حزبي معروف بتجاسره على  المقدسات الإسلامية كما تُجْهر بذلك جرائده اليومية، والكل يذكر قصيدة الشويعرة التي أساءت الأدب مع شخص الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ، والكل يذكر المقالات التي نالت من صحابي جليل هو أبو هريرة  ومن إمام جليل هو الإمام البخاري. ومع ذلك لم نسمع بتوقيف أو حجز يلحق هذه الجرائد، وكأن هذا الفصيل الحزبي أشْرَفُ من مشاعر أمة برمتها.

إن استهداف منابر الجمعة في مناسبات كمناسبة الانتخابات وغيرها يُعَدُّ سابقة خطيرة تدل دلالة واضحة على الاستخفاف بالمنابر من جهة، وبمشاعر الأمة من جهة أخرى، لأن هذه الأمة تضع ثقتها الكاملة في خطباء الجمعة حُبًّا في سماع الجهر بالحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولعله لا وجود لحدث أو موضوع تعرفه بلادنا دون أن يكون للمنابر فيه رَأْيٌ على ضَوْءِ الكتاب والسنة، إن كان بالفعل ديننا الحنيف هو الإسلام كما ينص على ذلك الدستور.

ولا طائل من وراء صناديق زجاجية، وحضور رقابة دولية إذا ما غُيِّبَت المنابر فشهادتُها في نزاهة الانتخابات وشفافيتها أوْلَى  منشهادة غيرها، ولاطائل من وراء شعار دولة الحق والقانون، ودولة ا لحريات العامة إذاكان الخطباء لايملكون حق التعبير، ولا يستطيعون حتى قول ” إن الانتخابات أمانة سيحاسب عنها العبد يوم القيامة فليتق الله تعالى  في الامانة. وإنه من العبث والسخرية أن تتحدث كل الشرائح على شاشات التلفزة في موضوع الانتخابات بما في ذلك المهرِّجون، ويمنع الخطباءُ من قول كلمة الحق، بل إنهم اتّهِمُوا في وطنيتهم كما اتُّهموا بالانحياز الحزبي زوراً، وأكثر من ذلك صودرت منهم المنابر طيلة الحملة الانتخابية،َ ونزعت منهم الثقة فأصبحوا بين عشية وضحاها مَحَطَّ اتهام، وهم الذين وضعت فيهم الامة ثقتها، وزكتهم المجالس العلمية

ومن المضحك أن تتضايق بعض الجهات أحيانا بقول الخطيب” هذه خطبة وردت علينا من وزارة الاوقاف ” وربما اعتبر قوله هذا تُهْمة، وهو إجراء يبدو عند التامل تهمة بدوره، إذ كيف تتأفف هذه الوزارة من نسبة الخطيب إليها، وهي نسبة تشريف، إلا  أن تكون خطبا كاذبة تريد إلقاء مسؤوليتها على الخطباء وحدهم أمام الامة وتتسابق وحدها للحصول على الثناء من ذوي مراكز الثناء.

مرت أسابيع على  الانتخابات والأمة تنتظر انتهاء الفصل التعزيري الذي لحق بعض الخطباء، ولكن يبدو أن الفصل صار عقوبة دائمة، ولقد زرت نظارة  الاوقاف بمدينة وجدة للاستفسار عن مصير خطبائها الموقوفين باعتباري خطيبا متطوعا لوجه الله تعالى ففوجئت بالسيد الناظر سعيدا وعيناه تبرقان فرحا وكأنه حقق نصرا لا مثيل له، وفي نفس الوقت تصنّع البراءة ظنا منه أنه قد أوتي من دهاء معاوية،،وزعم أن الكتابة العامة هددته بالطرد إن هو لم يطبق إجراء التوقيف وعجبت لأمْرِه وأمْرِ من هدده – إذا ما صح ادعاؤه- لجزاء سِنِّمار الذي قوبل به خطباء اجلاء، لم يشفع لهم مسارهم الطويل في الدعوة إلى الله ولم يشفع لهم كتاب الله تعالى ولم تشفع لهم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدق عليهم قول الشاعر:

أيذهب يوم واحد إنأ  سأته

بصالح أيامي وحسن بلائيا.ومما يحز في النفس أن الخطباء لاتجمعهم رابطة، وكأنهم لاوجود لهم في بلاد يرخص فيها لكل من هب ودب من الشرائح حتى إذا ما نزل بساحتهم ما يدعو إلى التضامن ألفواْ أنفسهم أضيع من الايتام أمام اجراءات القانون،ولقد غادرت مكتب السيد الناظر السعيد بتوقيف الخطباء باطنا، والمتباكي عليهم بدموع أعَزَّ من دموع تمساح، خصوصا وأن بعضهم يتهدد قوت أولاده الثلاثة كما زعم بعدما أبلغته بأنني سأعتزل المنبر احتجاجا على فصل زملائي الخطباء، فما كان منه إلا الابتسام بسخرية بادية وشيعني إلى الباب شبه مطرود غير آسف علي خصوصا وقد سبق له أن استفسرني هاتفيا عن خطبة  لم أتلوها وأنا لم أر لها أثرا،وهددني بإجراء الفصل آنذاك إذا ما سولت لي نفسي تجاهل الأوامر.

وسلام على حرمة الخطباء الواعظين في بلادي

محمد شركي خطيب

مسجد الوحدة بمدينة وجدة.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>