دروس من سيرة المصطفى : الأمــارات الكبرى للنبوة الخـاتمة الأمـارات الـمعنوية (4)


-4 إحْلال الغنائم له صلى الله عليه وسلم :

الغنائم هي الهِبات والمنح الربانية التي يعطيها الله لجنوده المخلصين إثر كل انتصار على العَدُوّ المناهض لكلمة الله تعالى، ولأن بعض الناس يمكن أن يتبع النبي ويذهب معه للحرب طمعا في المغنم، وليس جهاداً في سبيل الله وحُبّاً للشهادة، نجد أن الله تعالى أيْأَسَ أتباع الأنبياء السابقين من هذا المطمع الدنيوي بإحراق المغانم بعد الانتهاء من الحرب. ولكن لعلم الله تعالى أن أتباع محمد هم نوعٌ فريد من الناس، لا تشغل بالهم المغانم، ولا تملأ قلوبهم الدنيا بحذافيرها، أَحَلَّ الله تعالى لهم الغنائم، بل وعدهم الله تعالى بها إكراما لهم على صدقهم وإخلاصهم، {وعَدَكُم اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِىرَةً تَأخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وكَفَّأيْدِي النّاسِ عَنْكُم}(الفتح : 20) فكان ذلك معلما من معالم النبوة الخاتمة.

5- بعثة الرسول الخاتم بالحنيفية السمحة :

أي جعل الإسلام دين اليسر ليسْهل على كل الناس التديُّن به على اختلاف طاقاتهم، وتنوّع قدراتهم، قال تعالى : {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إلاَّ وُسْعَهَا}(البقرة : 286)، وقال تعالى : {ولَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُم}(البقرة : 220)، وقال تعالى : {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ ولا يُرِيدُ بِكُمْ العُسْرَ}(البقرة : 185)، وقال تعالى : {ومَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ في الدِّينِ من حَرَج}(الحج : 78)، وقال عز وجل : {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم من حَرَجٍ}(المائدة : 7)، وقال صلى الله عليه وسلم : >بُعِثْتُ بِالحَنِيفِيّة السَّمْحَةِ<(1). وقال لمعاذ وأبي موسى حين بعثهما أميرين إلى اليمن >بَشِّرَا ولا تُنَفِّراَ، ويَسِّرَا ولاَ تُعَسِّرا<(2).

فهذهالنصوص كلها تبين أن اليسر من مقاصد الإسلام الكبرى، وأنه مَعْلَمَةٌ بارزة فيه، والحديثُ الذي ذكر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم ما فَضَّلَهُ الله به على الأنبياء يشير إلى نوعَيْن من أنواع التيسير التي لم يكن لها وجود في التشريعات السابقة على الإسلام، وهما : تشريعُ التيمم بَدَلاً عن الماء في حالة فقده، أو العجز عن استعماله، وجواز الصلاة في أيّ مكان وجَبَتْ فيه، بدون اشتراط مكان مخصوص كالبِيعَة والصومعة والصَّلَوات(3).

وهذان النوعان اللّذان يتصلان بأعظم شعيرة من شعائر الدين، وهي الصلاة، يُعْتَبَران معلمةً بارزةً دالةً على النبوة الخاتمة، والرسالة الخاتمة المتسمة باليُسْر ليس في هذين النوعين فقط، وإنما في الصلاة والصيام والتوبة وابتغاء الطيِّبِ من المأكل والملبس وغير ذلك من التيسيرات في مختلف المجالات، الشيء الذي حُرِمتْ منه الأمم الكتابية السابقة على الإسلام، قال صلى الله عليه وسلم >وُجِعِلَتْ لِيَ الأرْضُ مَسْجِداً وطَهُوراً أيْنَمَا أدْرَكَتْنِي الصَّلاَةُ تَمَسَّحْتُ وصَلَّيْتُ، وكَانَ مَنْ قَبْلي يُعظمون ذلك، إنّما كَانُوا يُصَلُّونَ في بِيَعِهِم وكَنَائِسِهِم<(4).

ذ. المفضل فلواتي

———————-

1- رواه الإمام أحمد في مسنده.      //     2- رواه البخاري.

3- الصلوات : قيل كنائس  اليهود وهم يسمونها صلوات

4- مسند أحمد، انظر ابن كثير 159/2.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>