توسمات جارحة :  دقيقة من فضلك


انتهت عطلة الصيف بضجيجها وصخبها وإيقاعها المجنون , ورجع كل واحد إلى قواعده إما سليما أو مليئا بخدوش المعاصي التي لحقت به في فترة الانطلاق والتحلل من النظام المفروض عليه . فهل توقف كل منا مع نفسه ولو برهة من الزمن يعيد حساباته مع الحياة والواقع ؟؟ هل سأل ذاته : وبعد , إلى أين يؤدي بنا طريق الغفلة واللامبالاة والانكباب المفرط حول حياتنا الفردية فقط ؟؟ هل استطعنا أن نحقق جزءا من كلية قوله تعالى {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (الذاريات .56) ؟؟ هل حقا نعبد الله حق عبادته كما نعلن في كل صلاة ؟؟ هل وقفنا في وجه مختلف الشهوات والملذات التي تسقطنا في شتى العبوديات ؟؟ ماذا فعلنا لقضايانا المتعددة المعلقة  ,, هل أفردنا لها جزءا ضئيلا من وقت عطلتنا أم اكتفينا بمتابعة أخبار الصامدين في وجه الطغيان والاستكبار العالمي ونحن نتمتع بوجبات شهية ومياه باردة ؟؟ ماذا بعد، وكل حالنا ينطق بأننا استسلمنا للغثاء وللوهن ؟؟ .

كثيرة هي الأسئلة التي قد تنتاب المتأمل لما وصل إليه الإنسان في المجتمعات المنسوبة إلى الإسلام تحتاج إلى وقفات سريعة وعميقة لمعالجة الإشكاليات المثخنة  بالجراح , تتطلب منا محاولات مستمرة لاسترداد كينونتنا الحضارية وشخصيتنا المتوازنة كي لا نخسر الدنيا والآخرة  وتزيد الأمم في التكالب علينا ونحن نتفرج كأن الأمر لا يعنينا , يقول عز شأنه :{قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا , الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}(الكهف .103-104) ” وقد يسأل سائل منا : وهل في أيدينا شيئا نفعله غير الجري وراء لقمة العيش واقتناص لذة هنا أو هناك ؟؟ , أجل كل واحد منا مسؤول مسؤولية كاملة أمام الله عز وجل أمام هذا الفساد والانحطاط والتخاذل , رجلا كان أم امرأة , كل منا يحمل مسؤولية تغيير نفسه ومجاهدتها من أجل التحرر من مختلف القيود التي تقيد انطلاقتنا نحو سماء الحرية وشتى العبوديات التي ننغمس في شركها بوعي أو بدونه حتى تتعود أنفسنا على المذلة والخضوع ونستسيغ معيشة  الضنك التي نتجرعها في الدنيا قبل الآخرة ,, أجل ,, كل منا مسؤول حسب موقعه كي يتحرر من كل هذا  ,, وحين نستطيع أن نجاهد من أجل التحرر من مختلف الفتن والشهوات والأهواء ونعبد الله وحده لا شريك له  لن نشعر أبدا بطعم الذلة أو ينتابنا الوهن .

فهل آن الأوان كي نقف وقفة نصوحة أمام الله ونضع نصب أعيننا المعايير الإسلامية الحقيقية ونحاسب أنفسنا على ضوئها لننبذ هذا الواقع الغثائي الواهن ولننطلق من جديد  في سماء الاعتقاد الجازم بأن الشخصية المسلمة يجب ألا تتحكم في سلوكياتها وتصوراتها سوى ثوابت قارة يقينية نزل بها الوحي وقررتها السنن الكونية والشرعية كي تكون نواة طيبة لإنبات المجتمع الصالح , لأن تغيير النفس هو أس كل إصلاح وهو كفيل بتغيير الحياة الاجتماعية وإعادة تشكيلها من جديد , أما أن نتخذ نفسنا إلهنا من دون الله عز وجل ونحن نظن أننا نحسن صنعا وأن كل شيء بخير فذلك هو الضلال , وسيزداد الفساد انتشارا وكل عطلة وأنتم تغيير وتجدد وإيمان .

< الأديبة  الدكتورة   أم سلمى

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>