تحليل سياسي : في الذكرى الأولى لأحداث 11 شتنبر : اللعبة الكبرى والجريمة الكاملة 2/2


لقد قلنا في العدد الماضي إنه ما من جريمة كاملة … يجب أن تكون هناك آثار وأدلة تقود إلى المجرم الحقيقي.

فمن قام بهذه الجريمة ؟

هناك قاعدة أخرى في علم الجريمة وهي : ” فتش عن سبب الجريمة والدافع إليها ثم ابحث عن المستفيد من هذه الجريمة” .

فما الدافع إلى هذه الجريمة ومن المستفيد منها؟

يكمن الدافع في الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي بدت بوادرها في الولايات المتحدة الأمريكية وأمريكا الجنوبية وفي أوروبا الغربية، فكان من الضروري اختراع عذر لإشعال حرب تحرك الاقتصاد الأمريكي الذي تلعب شركات الأسلحة دورا كبيرا في إنعاش اقتصادها … لا نقول هذا  كاستنتاج شخصي قد يوافق عليه البعض ولا يوافق عليه البعض الآخر … بل نقوله بلسان شخصية سياسية من أكبر الشخصيات السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية … إنه السيد ليندون لاروش مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة في الانتخابات القادمة في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2004 م.

انظروا ماذا قال هذا السياسي الأمريكي المعروف في المحاضرة التي ألقاها في واشنطن في 24/7/2001 أي قبل 48 يوما من وقوع الهجوم في نيويورك وواشنطن :

( نحن في أزمة مالية … إن الولايات المتحدة الأمريكية تدار بشكل سيئ منذ عهد كارتر. ونظامنا على حافة الافلاس.إن نظم المواصلات والطاقة والتعليم والصحة وبنيتنا التحتية في حالة انهيار.إن 80% من الشعب هم من ذوي الدخول المحدودة، ووضعهم الآن أسوأ بكثير من وضعهم في عام 1977 وما دام صندوق النقد الدولي  وسياستنا الحالية و” وول ستريت ” والنظام الاحتياطي الفيدرالي لا يزال مهيمنا علينا فلا يتوقعن أحد أي إصلاح أو تحسن.وإذا استمرت الحال على هذا المنوال فقد يضطر الرئيس بوش إلى التخلي عن منصبه قبل انتهاء مدة رئاسته. إن الانهيار لا يظهر فجأة أمام الأعين، فالسياسات الخاطئة تستمر وفجأة تقع الأزمة.  ليست الولايات المتحدة وحدها، بل ان انكلترة وألمانيا وفرنسا وإيطاليا – أي دول غربي أوروبا – على حافة الإفلاس أيضا.كان روزفلت يريد في الثلاثينات إنهاء العداء والخصام في العالم، ومسح آثار الاستعمار. ولكنه مات قبل تحقيق هذه الغاية.أما ترومان وتشر شل وأصدقاؤهما والإنجليز والفرنسيون والهولنديون فقد أحيوا الاستعمار. بينما كانت نهضة الولايات المتحدة ونهضة اوروبا مرتبطتين بنهضة الأمم الأخرى. ولكن عندما اشرفنا نحن وأوروبا على الإفلاس سحبنا أمريكا الجنوبية أيضا إلى الانهيار.لم تعد المكسيك كالسابق،أما بنما والاكوادور فغير موجودتين.أما كولومبيا فقد انهارت تماما.إن فنزويلا على حافة الهاوية، وكذلك بيرو.الارجنتين وبرازيل على وشك التمزق والانقسام.شيلي على عتبة الانهيار المالي.وهناك مشاكل مالية كبيرة جدا في بوليفيا وبروغواي وفي أوروغواي.

إن أفريقيا تزال من الوجود أمام أعين الولايات المتحدة من قبل الإنجليز ومن قبل بعض الأوساط في الولايات المتحدة . فمثلا يقوم والد الرئيس بوش بالاتفاق مع رئيس الوزراء السابق لكندا بواسطة شركتهم ” Barrick Gold ” بالاستقرار في الكونغو وبنهب مناجم الذهب والماس فيها. ويقوم هؤلاء وكذلك العديد من الشركات المتعددة الجنسيات  بتشكيل فرق جيوش خاصة في جميع أنحاء أفريقيا، وبدفع الأفريقيين لقتل بعضهم البعض. وبهذه الطريقة ينهبون ثروات أفريقيا من جهة ويقللون نفوس سكانها من جهة أخرى .

من جهة أخرى هناك تحولات جديدة في آسيا… في روسيا والصين والهند،بل حتى في اليابان. لقد تاسست منظمة ” وحدة شنغهاي”، وهناك جهود لتأسيس خطوط مواصلات تبدأ من الصين ومن آسيا وتمتد إلى أوروبا. وتخطط دول جنوبي آسيا لتعاون مماثل. هناك أعداد كبيرة من الناس في آسيا، ونستطيع بعد توحيد كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية إنشاء خطوط مواصلات تمتد من هنا إلى سيبيريا ومنها إلى أوروبا. نستطيع مد يد المساعدة لنهضة الدول التي تقع على هذه الخطوط وغيرها من الدول بإعطاء القروض دون فوائد. ونستطيع بذلك فتح أسواق جديدة وواسعة لنا.

ولكن يتم في مثل هذه الأوضاع والفترات في العادة إشعال نار حروب عالمية. لقد تسبب الإنجليز في إشعال نار الحرب العالمية الأولى للحيلولة دون حدوث مثل هذه التحولات في آسيا. قاموا أولا بإشعال النار في البلقان ،ثم في العالم بأسره. وقام الألمان بإشعال نار الحرب العالمية الثانية بنفس الدوافع.والآن تريد القوى الموجودة في داخل الولايات المتحدة وفي انكلترة ( ومن ضمنهم برزنسكي) إشعال حرب عالمية لعرقلة هذه التحولات الجديدة الجارية في آسيا.إن شهر أغسطس أفضل وقت لاشعال مثل هذه الحرب(* ).وسيعلنون أن هذه الحرب هي حرب بين الغرب وبين الإسلام.علينا أن نمنع وقوع مثل هذه الحرب.ولهذا علينا أن نوقف شارون في اسرائيل قبل كل شيء.الحرب هي الهواية الوحيدة لهذا الشخص.علينا ان نوقفه وأن نؤمن السلام في الشرق الوسط ، وأن نحيي نظامنا ونتحول إلى النهضة بطريقة روزفلت)

هذا هو الخطاب التاريخي الذي ألقاه السيد لاروش قبل حادثة الهجوم.وهو يبين مدى بعد نظر هذا السياسي.

وبعد أسبوع واحد من وقوع الهجوم صرح في مقابلة إذاعية بما يأتي :

( إن عملية 11 ايلول عملية مكياج صنعت في فترة تسود فيها أزمة مالية ونقديةفي العديد من الدول.لم تقم بهذه العملية أي قوة من خارج الولايات المتحدة الأمريكية أبدا. يحتمل أن هناك أفرادا من بلدان أخرى تم استخدامهم فيها. ولكن الذي قام بهذه العملية عبارة عن قوى موجودة في داخل الولايات المتحدة، والهدف منها القيام بانقلاب إداري فيها، وجر الولايات المتحدة إلى الحرب. وهذه القوى مستعدة للقيام بعمليات أخرى للوصول إلى هدفها، وستقوم بإثارة الجماهير لجر الحكومة ودفعها للحرب.علينا أن نوقف هذا.عليكم ألا تصدقوا ابدا الأخبار التي تذيعها قنوات CNN و FOX TV والقنوات المشابهة لهما.إن تصديق ما تذيعه هذه القنوات لجر البلد إلى الحرب يعني أنك تكون آلة لتحقيق أهداف الذين قاموا بهذه العملية.علينا ألا نفكر في التدخل في أفغانستان، وعلينا إيقاف اسرائيل عند حدها لأنها تشكل خطرا على الولايات المتحدة الأمريكية وعلى غيرها من الدول، وأن نؤسس السلام في الشرق الأوسط لأن التوتر الموجود في هذه المنطقة جزء من الحرب المخطط لها في آسيا).

وفي مقابلة صحفية قام بها مدير تحرير (Executive intellegence Review ) مع السيد لاروش في 18/9 /2001 صرح السيد لاروش بما ياتي : ( قبل كل شيء إن ما حدث في الولايات المتحدة يوم الثلاثاء الماضي في اليوم الحادي عشر عبارة عن هجوم رتبتها قوة غامضة ، وهذه العملية نوع من عملية تتسم بالخداع وصادرة من داخل حجاب وستار قوى الأمن في الولايات المتحدة.لم يأت اصحابها من الشرق الأوسط ولا من اوروبا ولا من امريكا الجنوبية.يحتمل وجود أفراد من أمم أخرى تم توريطهم فيها، ولكن هذه العملية عملية معقدة ورفيعة المستوى جدا، ولا يمكن حاليا لأحد خارج الولايات المتحدة تنفيذ مثل هذه العملية.لذا فنحن نرى أنها عملية متسمة بالخداع وذات مستوى رفيع من التنظيم وهي من داخل بلدنا.

والمشكلة لا تنحصر في هذا فقط، فنحن نعلم أنه إن حدث مثل هذه العملية فإن أمورا أخرى عديدة ستسير نحو وجهات خاطئة … نحن لا نحاول هنا اكتشاف مقترفي العملية لعقابهم فقط، بل للحيلولة بينهم وبين القيام بما ينوون من اقتراف أمثال هذه العمليات بل بأسوأ مما حدث في 11 ايلول.)

وهذه المقابلة الصحفية طويلة وتناولت أمورا مهمة أخرى، ولا نستطيع درجها هنا بأكملها ولكننا نعطي عنوان صفحة الإنترنت الخاصة بالسيد ليندون لاروش والتي تنشر فيها جميع مقابلاته الصحفية وجميع تصريحاته السياسية ومنها هذه المقابلة. علما بأن هذه الصفحة تحتوي على قسم عربي أيضا أضيف قبل عدة أيام فقط ( أي في أواسط شهر سبتمبر ” تشرين الأول ” ).

وكل ما يخشاه الإنسان أن يتم اغتيال هذه الشخصية السياسية لكونه بهذه الجرأة التي تزعج دون شك قوى كثيرة في الولايات المتحدة الأمريكية

üüüüüüü

ودليل آخر على أن القوى الخفية الموجودة في الولايات المتحدة هي التي دبرت هذه العملية الإرهابية نستقيه من أحد الأفلام الأمريكية الحديثة التي تعرض في هذه الأيام في صالات السينما في جميع البلدان تقريبا ومنها طبعا الولايات المتحدة. ولكن الحكومة الأمريكية وحليفتها الحكومة البريطانية قامتا قبل ايام ( أي في أواسط شهر تشرين الأول لعام 2001) بمنع عرض هذا الفلم.واسم الفلم ( SWORD FISH) وهو من بطولة ” جون ترافولتا “.

فما السبب الكامن وراء هذا المنع الغريب في بلد الحريات كما يدعون؟

يكمن السبب في أن حوارا ساخنا يجري بين سيناتور في الكونجرس الأمريكي ( وهو في الفلم رمز القوة الخفية وراء الأستار في الإدارة الأمريكية ) وبين العميل السري الذي يكلفه هذا السيناتور بإنجاز بعض المهام السرية الممنوعة من الناحية القانونية.

يقول السيناتور في هذا الحوار  : ( أجل … أجل سنقوم بإسقاط طائراتنا … وسنقوم بضرب مبانينا …وسنعرض الوجه القبيح للإرهاب أمام الأنظار… وبهذا نحصل على تأييد الرأي العام لشن حرب على الدول الإرهابية).

أليس هذا هو ما تم فعلا في الواقع ؟

إذن هل عرفتم السر الكامن  وراء منع الحكومتين الأمريكية والبريطانية لهذا الفلم ؟

والشيء المضحك أن الحكومتين قدمتا سببا هزيلا في تبرير هذا المنع … ذكرتا أن الفلم يحتوي على مشاهد عنف… علما بأنها لا تحتوي على ربع مشاهدالعنف والقسوة والجنس التي تحفل بها المئات بل الآلاف من الأفلام الأمريكية التي عرضت في السابق أو التي تعرض حاليا . وهذا المنع تطبيق للمثل القائل : ( يكاد المريب يقول : خذوني).

üüüüü

قلنا إن من القواعد الثابتة في علم الجريمة التفتيش عن دافع الجريمة ثم عن المستفيد منها.وقد شرحنا الدافع على لسان المرشح للرئاسة في الولايات المتحدة في الانتخابات القادمة.والآن لنتناول الجهة المستفيدة .

فمن  المستفيد  من عملية الإرهاب هذه ؟

المستفيد هو الولايات المتحدة الأمريكية  … وإسرائيل …لا غيرهما.

1- منذ أكثر من عام واسرائيل تواجه موقفا عصيبا لم تواجهه من قبل قلب جميع موازين الأمن عندها ودب الهلع في نفوس شعبها. وزادت الهجرة المعاكسة وقلت الهجرة إلى اسرائيل. ولم ينفع مجيء شارون للحكم ولا سياسة القتل والإرهاب التي اتبعها . واستنفدت إسرائيل كل حيلها وفشلت في ترويض الفلسطينيينوإنهاء الانتفاضة. وساءت سمعتها في الخارج وبدأ تحول ملحوظ في الرأي العالمي ضد سياسة اسرائيل.لذا شعرت اسرائيل بأن أمنها بل وكيانها أصبح على كف عفريت… لذا كان عليها القيام بعمل ما … قررت وضع الولايات المتحدة أمام الإنتفاضة وأمام منظمة حماس التي تقود الشارع الفلسطيني وتقود الانتفاضة والعمليات الاستشهادية.

أي إن من أهم أهداف هذه اللعبة الكبرى هو جر الولايات المتحدة إلى إعلان الحرب على ” الإرهاب” أولا ثم إدراج منظمة حماس ومنظمة حزب الله ضمن المنظمات الإرهابية التي يجب على الولايات المتحدة محاربتها والقضاء عليها… أي عندما عجزت هي عن هذا الأمر وضعت أكبر قوة عالمية أمام المنظمات الجهادية المحاربة لإسرائيل.

2- الهدف الثاني هو إعاقة تنامي قوة الأقليات الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية وفي العديد من الدول الأوروبية. فهم أصبحوا الآن قوة ملحوظة. وقد ابدى المسلمون في الانتخابات الأمريكية الأخيرة نشاطا ملحوظا. وأي تعاظم لقوة الحركة الإسلامية أو للأقلية الإسلامية يعني هبوطا لقوة اللوبي الصهيوني. وهو ما لا ترضى به إسرائيل، ولا يمكن أن تهمل هذا الأمر الخطير بالنسبة إليها، أو أن تتناساه ولا تعمل له ألف حساب ولا تخطط للقضاء عليه. فكان إلصاق هذه العملية الإرهابية بالمسلمين ضروريا لإثارة الرأي العام ضدهم في الولايات المتحدة وفي أوروبا، وتنفيره منهم وتجميد نشاطهم وتقليل هجرة المسلمين إليها.

3- جر الولايات المتحدة إلى الحرب أمر في مصلحة شركات السلاح في الولايات المتحدة التي هبطت مبيعاتها بنسبة كبيرة. وكما لا يخفى على أحد فلهذه الشركات تأثير قوي في الحياة الاقتصادية والسياسية في الولايات المتحدة .

4- تريد الولايات المتحدة من حربها في أفغانستان الامتداد والاستقرار في منطقة آسيا الوسطى الغنية بمصادر الطاقة بعد أن استقرت في منطقة الخليج.وهذا الاستقرار في هذه المنطقة يمكنها أيضا من إضعاف حلف شنغهاي.

5- من أخطر ما ستجنيه الولايات المتحدة هنا هو أنها حصلت على ” صك على بياض ” أي على ” صك مفتوح” للتدخل أينما شاءت ومتى ما شاءت بحجة محاربة الإرهاب ولم يتسن لأي دولة حتى الآن الحصول على مثل هذا الامتياز الفريد والخطير.فإذا ما أرادت ضرب العراق فبهذه الحجة،وإذا أرادت ضرب السودان أو إيران أو ليبيا أو سوريا فبهذه الحجة. أي حصلت على مرونة حركة سياسية كبيرة وعلى حجة وعذر للتدخل في شؤون جميع الدول في العالم ولا سيما الدول الإسلامية والعربية. وهذا مكسب كبير لإسرائيل أيضا لأن معظم هذه الدول العربية لها مواقف ضد أطماع إسرائيل وضد سياستها الارهابية في فلسطين.

إذن فلم تضرب الولايات المتحدة – بترتيبها هذه العملية – عصفورين بحجر  … بل ضربت عدة عصافير بحجر واحد، وأعلنت هيمنتها المطلقة التي لا تعترف باي قيد ولا باي قانون دولي.

فهل سترضى دول العالم بهذا الأمر..

وهل سيرضى المثقفون والمفكرون  ومؤيدو حقوق الإنسان بهذا الواقع الجديد  الذي تريد الولايات المتحدة فرضه على الجميع رغم أنوفهم؟

إنه بداية لدور جديد  …  وعهد جديد … عهد صراع بين من يتقبل هذا الأمر بخنوع…وبين من يكافح دون وقوعه ودون تحققه …

والأمر ليس بجديد … إنه الصراع الأزلي بين الحق و الباطل.

أورخان محمد علي/خاص

——–

(* )  أخطأ السيد لاروش في تعيين موعد الحرب شهرين فقط.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>