الأدب الإسلامي ومعركة الهوية (1)


الحديث عن ا لأدب الإسلامي ليس كما يزعمون حديث الساعة؛ بل إنه حديث كل ساعة.. وهو بلغة أعمق وأعبق؛ حديث بلغة العصر أو بلغة الواقع.

الساعة الحقيقية، حديث الساعة الضابطة، حديث الساعة بمعانيها الكليية، ومعانيها ا لمتألقة.. حديث يخترق الساعة المحدودة في الزمن والمكان، التي نصطلح عليها بالساعة الصفر، أو بلحظة الصفر، ليصلها بالساعة التي تستمد وجودها من الخلود، من اللانهاية..

الساعة التي يتوق إليها ويتشوق إلى بناء وجود حقيقي؛ وجود يقصي من حسابه العدمية، ويقصي الحسابات الضيقة..

لذلك فالمعركة تبدأ من حيث تنتهي الحسابات الضيقة المحدودة ، والحسابات المحسوسة. والحسابات المغرقة في الماديات، أو المغرقة في  المثل الوهمية.. الأدب الإسلامي هو حساب لكل ا لحسابات في شموليتها. معركة الادب الإسلامي إنما هي معركة السلام والسلم والاستمرار.. السلام الذي يبني ويؤسس للخلود، لا الذي يكرس الضعف والوهن والتقلص والنكوص.

معركة الأدب الإسلامي هي إذن معركة بناء حضاري، بناء تجدد وخلود، وبناء ترسيخ قدم الوجود الإنساني، إلا بالخلود الازلي، وبالاستمرار في هذا  ا لوجود في عالم لايعرف الفناء.

فالمعركة إذن هي معركة وجود حقيقي، وليست معركة >وجود وجودي<.

وتبدأ المفارقة – في هذه  المعركة البنائية- في شكل الأدب الإسلامي، ومفهوم الأدب الإسلامي، وأدبية الأدب الإسلامي، وإسلامية هذا الأدب.

ولعل الحديث عن هذه الثنائيات، يفضي إلى القول بان أدبية هذا الأدب، تتمثل في ارتباطه بالخلق ( بفتح الخاء) والخلق ( بضم الخاء) والتخلق والتخليق.. أدبية هذا الأدب؛ تنبع من ارتباطه بمهمته ووظيفته البنائية. فهو يقوم بمهمة الخلق والتخليق في آن، لأنه يخلق (بكسر وتضفيف اللام) الكتابة. ولا يمكن تخليق الكتابة -من منظور أدبنا هذا- إلا عن طريق تخليق ا لكاتب.

فالتخليق والتخلق في الأدب الإسلامي لايتم إلا بشرط التواصل الوظيفي. التواصل الوظيفي الذي ينطلق من نفسه، وبشفرات ورموز دقيقة هي هذه الأدبية نفسها، هذه الأدبية التي تضفي عليه الطابع الإبداعي الذي يكرس السمو. وسمو الفكرة، وسمو الكلمة، وسمو التلقي. لهذا فإن التواصل  الأدبي تواصل وظيفي، بكل ما تحمله كلمة وظيفية من معان دالة وقوية ومبينة. تواصل مع الذات والموضوع والآخر، عبرمرجعية ثابتة ألا وهي المرجعية الربانية التي تؤسس وتكرس الخلود الحقيقي.

في الأدب الإسلامي لايموت الأديب، ولايموت النص، ولايموت المتلقي، ولايصبح الموضوع متجاوزا أومتآكلا مهما طال أمده أو قصر.

لأن  الأدب الإسلامي يؤكد على الحركية والتطور والانصهار.. هو ادب يستمد نهوضه وحركيته وأدبيته وإبداعيته من الذات الكلية،  الذات الكونية، ذات الأمة بتراثها وتاريخها ووجودها، إنه يبقي على فطرتها  النقية، ويحفظ لها كيانها من التآكل والإنهيار. إنه أدب هوية، يتجول فيه ومن خلاله القارئ والمتلقي وهو يستشعر ذاته، ويعتز بذاته، ويستنشق الأنقى والأرقى والأتقى.

ذ. محمد كيزي

-يتبع-

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>