افتتاحية : مبادئ للتقدم والنهوض ومبادئ في المزاد


كانت النظرة السريعة لما أفرزته الانتخابات الاخيرة تدعو للتفاؤل بابتداء الخطو نحو مستقبل تصحيحي لكل التعثرات والنكسات  التي ارجعت التاريخ المغربي -بعد الاستقلال- من حيث المضمون وعقلية  التسيير والتفكير إلى قرون خلت. ونُظُم بادت. إلا أن الترتيبات التي اعقبت النتائج دلت على أن حليمة عادت إلى عاداتها القديمة بصور أليمة.

كانت الاحزاب صلى الله عليه وسلمالعتيدةرضي الله عنه تطلق على الأحزاب التي اسستها الحكومات المتعاقبة – بعد الاستقلال- لتأييد سياستها، كانت تطلق عليها الأحزاب الإدارية، ونشأ عن هذا التصنيف صراع مرير داخل الشعب الواحد ذي الهم الواحد، والمستقبل الواحد، والتاريخ الواحد حيث أصبحت جهة من الشعب تناضل في صف ما كان يعرف بالاحزاب  الوطنية التي كانت تتبنى  مبادئ تتجاوب مع تطلعات فئة عريضة من الشعب، واختارتجهة أخرى الانتماء للأحزاب النافذة لتحقيق مآربها، والتنفيس عن مكبوتاتها اتجاه احتكار الوطنية والنضال وادعاء خدمة الصالح العام برؤى مُهَجَّنة مخَمَّرة بشئ من عجين الأصالة، أو برؤى مستوردة بالكامل من دول بنت  استراتيجيتها على  معاداة الدين، وإنكار وجود الله تعالى بالمرة، أ’و إنكار حقه في رعاية مخلوقاته بالتشريع الحكيم الضامن لهم العدل والاستقرار والسعادة.

وجاء الاستعداد لخوض المعارك الانتخابية المقرر لها يوم 27/9/2002 ليشهد تفريخ أحزاب تشابهت مشاربها حتى صعٌب على المواطنين التمييز بين مختلف  ا لعباءات والشعارات، ولكن العين بقيت مشدودة إلى الاحزاب التي حٌفرت مبادئها في الذاكرة التاريخية للشعب المغربي، وجاء الموعد فكانت النتائج أقل من المستوى  المؤمَّل أو المطلوب، نطرا لظهور تيارات وهيآت تتبنى الاصالة الاسلامية مرجعا ومذهبا في غير مواربة أو تستر ومداهنة.

وجاءت الترتيبات الضرورية للبدء في بناء الهياكل الديمقراطية، فكشفت زيف المبادئ، إذ ظهر أن التحول من هذه الضفة لتلك الضفة يتم بسهولة عجيبة، كما يتم خلع الألبسة، ولباس أخرى ، وهذا هو النفاق الذي حذر  الله تعالى  منه المسلمين.

وإذا كانت كل الاحزاب تحرص على ادعاء الانتماء للاسلام، فإن الاسلام الحق عبارة عن أركان ومبادئ لاتُباع ولاتُشترى لا في السر ولا في العلن، ولكن الإسلام الحق يباع في سبيله كلُّ شئ مقابل شئ واحد هو الفوز برضا الله عز وجل والجنة.

فهل تعي النُّخب  ا لفكرية والسياسية أنها تحفر قبورها بتقلُّبها ذات اليمين واليسار والوسط. وتقلُّبها بين الولاء لله تعالى والولاء للمصلحة الخاصة، بين الولاء للمصلحة الوطنية والولاء للمصلحة الأجنبية بين الولاء للمبدإ والولاء للعصا الغليظة بين الولاء للجماهير المحرومة والولاء للفراعنة المتجبرين. فالله عزوجل هو القهار الجبار المتكبر وحده. وغيره هم المقهورون مهما طغوا وعتوا.

إن شيئا من الاحترام كانت ما زالت بعض الأحزاب تحظى به إلى  حدود موعد 27/9/2002. ولكن ظهر للعيان أن لاصوت يعلو فوق العصا والسوط والنَّهمة والزجرة. وذلك هو النعطف التاريخي الذي سيتمخض عنه مسار جديد ، مسار انعدام الثقة، ومسار البحث عن الثقة. وهو مسار سيكون طويلا، ولكنه في النهاية سيٌفرز مَقْبُورين تاريخيا، ومبعوثين تاريخيا يقودون القافلة – بأفكار جديدة ، ونظرات جديدة ، وعزمات جديدة- لشاطئ الاستواء على  بَرِّ الأمان من الانتهازية السياسية، والديكتاتورية المقنّعة، والمبادئ المزيفة. وذلك يوم أن تعي الشعوب المسلمة أن القلوب الترابية لاتعبُد غير التراب، ولا تعرف كيف تعبد غير التراب، حتى تنغرس في التراب لأن {لهم قُلُوبٌ لايَفْقَهُونَ بها ولَهُمْ أَعين لايُبصرون بها ولهُمْ آذان  لايَسْمَعون بها} آنذاك ستتحرك القافلة نحو القبلة الصحيحة فمصلحة  البلاد والعباد ليست في التيهان عن القبلة، ولا في تضييع القبلة، ومحو الشخصية وتعديد الأزلام.

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>