أبحاث ودراسات : التعليم في سوس بين الأمس واليوم 2 مراكز الدراسة في سوس ومناهج التعليم فيها


نشير في هذا العدد إلى  أهم المدارس، وأشهرها، وأهم العلماء الذين تخرجوا فيها، أو أسسوها، أو الذين عرفت  المدارس بأسمائهم، أو باسم القبيلة التي أنشئت فيها، ومن أهم هذه المدارس :

مدرسة دودرا ر

وهي موجودة في قبيلة رسموكة حيث درس فيها العلماء المحجويبون الذين حمل لواءهم  محمد بن مبارك الكدسي النحوي اللغوي، وبعض علماء آدوز، وتميزت هذه المدرسة بالإتقان، والرزانة، وشدة علم شيوخها، ولم تنقطع فيها الدراسة الجدية إلا بعد صدر هذا القرن، ومن أهم علماء هذه المدرسة الأستاذ العلامة علي بن الطاهر الرسموكي.

المدرسة الآد وزية

تأسست في أول القرن الثاني عشر، وتميزت بإتقان العلوم، وحفظ المتون، ودراسة معانيها، وفهم قضاياها، وقد درس فيها علماء فطاحل خلدوا مؤلفات عظيمة خدمت اللغة العربية وعلومها كإبراهيم بن محمد بن عبد الله بن يعقوب المتوفى سنة ستين ومائة وألف، ومحمد بن أحمد   شارح ” المرشد” العلامة الكبير المتوفى سنة إحدى وعشرين ومائتين وألف..وغيرهم.

المدرسة المولودية الرسموكية

وهي مدرسة قديمة مشهورة قبل أواسط القرن الحادي عشر، ودرس فيها علماء عديدون مجدون منهم: عبد العزيز الرسموكي  المتوفى سنة خمس وستين وألف، ومحمد بن الحسن التغزيفتي المتوفى سنة اثنتي عشرة  ومائتين وألف (1212هج)  ..

وتميزت هذه المدرسة بوجود الحاج ياسين المتوفى سنة عشرين  وثلاثمائة وألف (1320هج) الذي ملأها بالعلوم ،وغمرها بالجد، وتخرج منها علماء كثيرون مشهورون كمسعود بن مسعود المتوفى سنة ثلاثين وثلاثمائة وألف (1330هج) ، وأحمد بن محمد اليزيدي  المتوفى سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة وألف فأفاض فيها سيلا من المعارف، والعلوم .

المدرسة الصوابية الـماسية

أسس هده المدرسة في أوائل القرن الثاني عشـر الشيخ أحمد الصوابي  المتوفى سنة تسع وأربعين ومائة وألف، وكانت مدرسة عظيمة رفرفت فيها العلوم، والمعارف، وتخرج منها علماء طارت شهرتهم في الآفاق أمثال أحمد الحضيكي  المتوفى سنة تسع وثمانين ومائة وألف، ثم تسلسلت فيها الدراسة و استمر فيها التعليم حيث لم ينقطعا إلا بعد مفتتح القرن الرابع عشر.

المدرسة الحضيكية

تنسب إلى العلامة الكبير الذي تميز بالعلم، والورع، والتأليف، والإرشاد، والتحصيل وهو أحمد الحضيكي المتوفى سنة تسع وثمانين ومائة وألف (1189هج) الذي اشتهر بالتأليف، والتدريس، وتربية المريدين قياما يعز نظيره. واستمر الجد والتحصيل في هذه المدرسة إلى أن انقرض العلم فيها في القرن الرابع عشر.  وأهم مركز في هذه المنطقة والذي كانت له أهمية بالغة، ومكانة عظيمة في نشر العلم، والمعرفة، وبث الحماس في نفوس أبناء القبائل تمثل في:

الزاوية الناصرية: وتنسب إلى الشيخ أحمد بن ناصر الدرعي العالم النحوي اللغوي الفقيه، فقد كان عاكفا على تدريس المؤلفات المتنوعة.   وتميزت هذه الزاوية بنشاطها العلمي، والديني المستمر لا سيما في المرحلة التي تزعزع فيها كيان المجتمع المغربي للحروب، والنزاعات التي عرفها بعد موت المولى اسماعيل.

فلقد كانت الزاوية الناصرية دار علم، وعبادة ومدرسة تربوية منهاجها كتاب الله عز وجل  وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بوجود سيدي محمد بن ناصر الدرعي الذي كان أستاذا لكل من يقصد الزاوية من الطلبة، والمريدين من كل مناطق المغرب حيث كان الطلبة يجدون فيه بغيتهم في دراسة الفقه، والتفسير، والحديث، والتصوف، وغيرها من العلوم  والمعارف، كما كانت له طريقة لطيفة في التدريس تغري الطلبة  به، وبدرسه، وتحببهم فيه، إذ لم يكن يكثر من النقول، والنصوص، ولا يتكلف الدخول في بحث الخلافات والاعتراضات بل كان يقتصر على صورة المسألة يعرضها بأبسط لفظ، وأسهل عبارة مع الضبط والإتقان، وإصابة الغرض في إجمال القواعد، وذكر الكليات، وما يتفرع منها.

وعرفت الزاوية في عهد أبي العباس أحمد بن أحمد بن ناصر الدرعي ازدهارا كبيرا، واتساعا عظيما، لنظامها التعليمي.

وقد كانت لهذه الزاوية خزانة كتب عظيمة أسسها سيدي محمد بن ناصر الدرعي بمجموعة من الكتب وضعها فوق حصير أهدي له لينام عليه هو وأولاده لكنه آثر الكتب ووضعها عليه، واستمر ينام بلا فراش لحبه للعلم، وتكريم الكتب وإخلاص النية.

وازداد عدد الكتب، وتعددت نسخها إلى أن وصلت إلى مائتي وأربعة آلاف مؤلف كما ذكر الأستاذ محمد المنوني  – رحمه الله – وفي هذه الزاوية تدرس علوم كثيرة كالتفسير، والحديث، والفقه، والأصول، واللغة والأدب، وسائر علوم الشريعة، وفنون العربية، كما كان يتم دراسة أمهات الكتب ك” التسهيل ” لابن مالك، و” مختصر خليل”، و” المدخل” لابن الحاج، و” الإحياء ” للغزالي، و” صحيح البخاري “، و” الشفاء” للقاضي عياض، و” الرسالة ” لابن أبي زيد القيرواني، و” الكافية ” لابن الحاجب، و” الآجرومية ” وشروحها ك”شرح” الأزهري، و” شرح ” الكدسي المحجوبي.

وأما  نشاط الزاوية الاجتماعي فيشبه الزوايا الأخرى من حيث تلقين الأوراد، وأخذ الناس بتربية صوفية هادفة إلى تخفيف حدة أطماعهم المادية، وتقوية الروابط الروحية بينهم، وإخضاع سلوكهم لمقتضيات الشريعة، والإحسان إلى الفقراء، وجبر قلوبهم عن طريق إطعام الطعام، وإيواء المساكين، وغرباء الطلبة المحتاجين .

وتتمسك الطريقة الناصرية بالمذهب السني إلى حد كبير حيث تنبني على أن كل الأعمال المعتادة في الدنيا ينبغي أن تستند في حكمها على نص من القرآن، أو قول فعل مأثور عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

وعلى كل حال تتميز هذه الزاوية بميزتين أساسيتين:

- البساطة في الأوراد، والأذكار، والأدعية. حيث لا يوجد تعقيد ولا تطويل ممل.

- مراعاة الفروق الموجودة بين الناس حيث تختلف الأوراد التي تلقن للحضري عن تلك التي تلقن للبدوي كما تختلف الأوراد التي تلقن للرجال عن التي تلقن للنساء إذ ليس لهذه الزاوية ورد خاص بها.

ولما تميزت به الطريقة الناصرية فقد انتشرت انتشارا كبيرا، وتكاثر أتباعها في جهات أخرى من المغرب كأبي علي اليوسي الذي قام بتلقين أوراد الزاوية للمريدين، وعلى يده اعتنقها عدد كبير وكالشيخ بركة التطواني الذي أسس فرعها في تطوان وغيرها .

هذه بعض المدارس المشهورة، وقد أوردتها على سبيل الاستئناس  لا الحصر وإلا فهي أكثر من ذلك تقارب عدد القبائل والدواوير الموجودة في المنطقة السوسية منها:

المدرسة الإغيلالينية، والبومروانية، والجشتيمية، ومدرسة مزوطة، ومدرسة أكلو، وغيرها من المدارس العلمية المنتشرة في سوس والتي مازال بعضها موجودا، وبعضها الآخر انقرض بموت صاحبها، أو شيخها أو القائم على التعليم فيها، والاهتمام بها فذهبت أخبارها، وقلت مكانتها وتشتت علمها.

وعلى كل حال فإن هذه المدارس وإن اختلفت في بعض المسائل فإنها تتفق في منهج التعليم والدراسة بما يأتي :

- حفظ المتون واستحضارها، ولا يهم إن كان التلميذ أو الطالب لا يدرك مدلولها حالا إذ يكفي أن يختزنها في ذاكرته حالما يصل مبلغ الفهم، والإدراك.

- الإكثار  من تكرار القواعد، وممارسة التطبيقات عليها في كل فرصة، ويدخل في هذا الإطار التزام إعراب أوائل الحزب الراتب في كل صباح ومساء لأن هذا المنهج يرسخ تلك القواعد في أذهان المتعلمين على اختلاف مستوياتهم، ومداركهم .

- التدرج من السهل إلى الصعب، وهذه طريقة علمية حديثة سبقت المؤسسات الثقافية في الجنوب المغربي إلى الأخذ بها قبل أن تعمل بها المؤسسات الحديثة المعاصرة .

ومهما يكن من أمر فإن هذه المراكز كانت منذ نشأتها تتميز بالبساطة والتواضع في عمرانها، وتجهيزها، وسيرها العادي لكنها مع بساطتها تؤدي رسالة جسيمة في وقت ساد فيه الجهل، والظلم، وفي مرحلة هيمن فيها الهوى، وساسة الغاب، والاستعمار، وتعامل معها بحذر، وشدة مراقبة.

ولقد عاشت هذه المراكز مرحلة ركود خطيرة كادت أن تعصف بها، وتجتثها من جذورها حتى أصبح بعضها أطلالا وخرابا موحشة، وأصبح بعضها مهجورا بعد  استقلال البلاد، واكتساح المدرسة الرسمية، وتغيير النظرة المستقبلية لدى روادها، وشيوخها والتحاق كثير من شيوخها، ونجباء طلبتها بمختلف الوظائف في التعليم، والقضاء، والعدالة، والكتابة وغيرها .

ذ. لطيفة الوارتي

باحثة كلية الآداب وجدة

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>