الحدث : من مظاهر الجمود في العمل السياسي بالمغرب -الأحزاب نموذجا-


إن عملية تغيير الواقع المؤلم في بلدان العالم الثالث -والمغرب جزء منه- لم تعد تصطدم فقط بالتحديات الخارجية التي تلعب دوراً أساسياً في عرقلة العملية التغييرية، بل يصطدم أيضاً بالأطر والتنظيمات التي آلت على نفسها القيام بهذه العملية، كما يصطدم بتمييع الممارسة والفعل السياسيين.

هذا ما يؤكده الواقع الحزبي ببلادنا ويشهد على صدقه ما جرى في الحياة السياسية المغربية طيلة ما يربو عن 40 سنة، التي ظل خلالها الحزب خاضعاً لآليات وممارسات سلطوية تتكيف مع الممارسات والآليات التي تمارسها السلطة السياسية في المقابل، ولا أدل على ذلك إشكالية الديمقراطية داخل الأحزاب التي أثيرت في بعض المنابر الإعلامية، فبدل أن يقدم الحزب نموذجاً عملياً لحياة داخلية سليمة تطلق الطاقات وتفجر الإبداعات إذا به يقع في المحذور ويقع في فخ الجمود واللعبة السلطوية داخلياً وخارجياً.

ولعل نظرة سريعة على الخارطة الحزبية تبرز ما يلي :

- تربع “الشيوخ” على عروش الأحزاب استدعاء لنموذج الزاوية التي يعتبر الشيخ فيا محورياً داخل دائرة المريدين.

- ذلك أدى إلى سيادة الرأي الواحد وغياب “الديمقراطية” الداخلية التي يبشر بها الحزب ناخبيه ومريديه.

- ظاهرة الانشقاقات التي أدت إلى تناسل مجموعة من الأحزاب مما يظهر عدم جدية الطبقة السياسية في بناء حياة سياسية سليمة، وإنما الحفاظ على الكراسي والامتيازات التي يوفرها الحزب لرموزه.

-أصبحت الأحزاب عبارة عن تلوينات اجتماعية واقتصادية فقط، حيث لم تعد تعبر عن إديولوجيات محددة حتى أنك لا تستطيع التمييز بين حزب يساري أو حزب على يسار الوسط أو حزب على يمين الوسط، أو حزب الوسط، أو حزب اليمين..

- إن بروز أسئلة جديدة في عالم اليوم حول البيئة وحقوق الإنسان والعولمة… جعل الأحزاب الكلاسيكية لا تستطيع المواكبة الحقيقية لتطورات الوضع الدولي، فلجأت إلى جعل هذه المواضيع والأسئلة عنوان استقطاب ليس إلا.

فما الفرق مثلا بين الأحزاب التي لازالت ترفع شعار الاشتراكية والاشتراكية العلمية، والماركسية اللينينية  والتي تدعو -لا بل تمارس- إلى خوصصة مجموعة من القطاعات الحيوية وهو جوهر مطلب و ممارسة الأحزاب التي تُدعى يمينية؟!

عجباً!! فهذه الأحزاب كلها ديمقراطية، وكلها تُضَمّن “برامجها” الدفاع عن حقوق الانسان -والمرأة خصوصا- وكلها تدعو إلى انتخابات نزيهة وكلها تدعو إلى الوحدة الوطنية وكلها لا بل “إسلامية” وكلها…

- إن الحزب في بلادنا يتماهى إلى حد كبير مع “القبيلة” و”المنطقة” و”الشخص”، بات الحزب تعبيراً محضاً عما هو قائم في تفاصيل المجتمع، أي إنه غادر وظيفته الحقيقية كمشروع مجتمعي تجديدي يحاول تجاوز ماهو قائم نحو موقع التطابق مع الوقائع السائدة ومسايرتها ليصبح لوناً اجتماعياً أو اقتصادياً ليس إلا.

فإلى متى ستظل أحزابنا ضرباً من ضروب الخلايا الصغيرة في مجتمع يتوق إلى الخروج من التخلف؟!

وكيف يمكن أن تعبر الأحزاب عن نبض المجتمع المغربي تعبيراً حقيقياً وأصيلاً دون أن تكون متغربة عنه؟

- إن الديمقراطية في خطاب الأحزاب المغربية ظلت قيمة فلسفية أخلاقية أكثر منها قيمة واقعية، أي بمجرد انتقالها من الفكر إلى الممارسة تصبح إديولوجية يستعملها أصحاب المصلحة والضغط من أجل مصلحتهم، بل سرعان ما تتحول إلى آلية استبداد وقمع، تمنع التنوع والاختلاف وتلغي مبدأ الاعتراف بالآخر.. وتصبح في نهاية المطاف عامل نكوص وانكفاء وانحراف عن الخط التغييري المنشود الذي يحرر البلاد والعباد، يحرر الفكر والإنسان، رغم أن الديمقراطية تبقى مهيمنة على الخطاب السياسي من خلال المشافهات والخطاب المعلن الذي يحمل في طياته استبداداً مؤدلجاً. ولذلك لابد من تحرير الأحزاب من أسر الاديولوجيا أو استخدامها مطية للمصالح الحزبية بل والشخصية، وإدماجها في المجتمع ما أمكن حتى لا تأخذ حجماً سياسياً وإعلامياً أكثر من حجمها الواقعي الحقيقي.

إن المؤسسة الحزبية قد تحولت إلى شبكة واسعة من المصالح والمنافع الاقتصادية جعل قسماً كبيراً اليوم من الحزبيين يبقون في أحزابهم بسبب ارتباطاتهم المصلحية فقط، فالحزب لم يعد مجرد أفكار ومبادئ وقيم بل أصبح في كثير من الأحيان متمثلا بمؤسسات ومصالح وبتركيبات لها طابع اقتصادي منافعي كبير.

ونحن على أبواب أول انتخابات في العهد الجديد الذي وعد بالنزاهة والشفافية بعيداً عن الأساليب العتيقة في تزوير إرادة المواطن، هل يمكن أن نفتح أعيننا يوم 28 شتنبر الحالي على خارطة سياسية حقيقية وسياسيين حقيقيين يعكسون إرادة العدل -ولا يعاكسونها- من داخل برلمان ينبض بتطلعات الشعب، برلمان يكون بداية عهد سياسي جديد تتمتع فيه جميع المؤسسات بالمصداقية حتى تستطيع الإجابة عن جل الاشكالات والتحديات التي أصبح يطرحها عالم المعلوميات والتكنولوجيا والعولمة من جهة والتحديات الثقافية والأخلاقية والقيمية وعلى رأسها الهوية والمرجعية الحضارية لهذه الأمة من جهة أخرى؟!.

وإن 28 شتنبر 2002 لناظره قريب.

بقلم : محمد البنعيادي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>