محدثة، ولكن لا تفرق بين التخريج والتعليق والتبويب!!


إن محدثة الأحداث لا تجارى فيما  تأتي به من الطامات والترهات، والسرقة والجهالات، والكذب والخزعبيلات والخزعبيلات: الأباطيل كما جاء في مختار الصحاح للرازي- والخزعبيلة: هي ما أضحكت به القوم، يقال: هات بعض خزعبيلاتك – فلا يمكن تتبع ذلك فيما تسود به الجريدة لأنها بالمئات لا بالعشرات، ففي كل يوم تجمع علينا من هذه الأباطيل والبلايا، ومن هذه المصائب والرزايا، ما يفتت أكباد المطايا.

لقد هزلت حتى بدا من هزالها

كلاها وحتى سامها كل مفلس

ولقد خسرت الجريدة السيئة الذكر “الأحداث” وعلمانيوها وشيوعيوها الرهان لما عولوا على هذه الهزيلة المهزولة، التي لا تبلغ وزن الريشة، فرمت في غير مرمى، وسقطت عند الضربة الأولى، ففضحتهم وجريدتهم فضحا، وأخزتهم خزيا، فانقلب السحر على الساحر، وباء بالخسران الخاسر.

ولو اعتمدوا على أحد صناديدهم، أو بعض كبارهم الذين يعلمونهم السحر، لكان أجدر بهم وأليق، وأنسب لهم وأوفق.

ونحن لا نطلق الكلام على عواهنه، فقد التزمنا أن نأتي لكل أمر ببرهانه ودليله، وإنا نطالب “مفتية الثقلان” بالدليل على ما تهرف به، إذ ما تكتبه اليوم هو تضييع كاغد، وتخسير مداد، فوالله إن بينها وبين علم الحديث أسداد.

فلا يعجز إلا من يعجز عن الكلام أن يقول: هذا خبر تالف، وذاك حديث موضوع، وذلك باطل… بما يشبه ضرطة جمل هائج في صحراء، أو ناقة في بيداء، ثم لا دليل ولا برهان وإنما هو خبط عشواء، فهل عندكم من علم فتخرجوه لنا، ولا نقول لكم إلا ما قال الله  تعالى:{قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}.

وإليك أيها القارئ الكريم فضيحة – بل فضائح  ومخازي – أخرى في صناعة علم الحديث، لمن  تزعم التصحيح والتضعيف، وهي عامية لا تحسن حتى النطق بالكلام الشريف، وتلحن في الدارجة بله الفصحى، وللآخرة خير لك من الأولى.

وإذا شككت في هذا، فانظر إلى هذا الهذيان الذي نطقت به وهي تحسبه علما للحديث، ولعلها إذ كتبته كانت مشغولة الفكر، ومشوشة الخاطر بـ “نبيذ النعمان”، وخمر ة “سوق الكلب”، عند “الجلسة”، فإن للنبيذ ورائحة الخمر الخبيثة تأثيرا عظيما على القوى العقلية وميزان التفكير لا يضاهى أبدا بما زعمته تأثيرا على الملكة العقلية للإمام البخاري بسبب امتناعه عن أكل الإدام والمرق كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا.

قالت محدثة الأحداث وهي تعقب على ردود “ميثاق رابطة علماء المغرب”:

“ياوريقات ملونة، هذه أحاديث أخرى بالصحيح تخالف الصحيح، وكلها أخطاء هي كالتالي…أخرج البخاري في صحيحه حديثا معلقا في كتاب الإيمان فقال: باب الإيمان وقول النبي صلى الله عليه وسلمبني الإسلام على خمس وهو قول وفعل ويزيد وينقص، قال الله تعالى:{ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم}، وهذا حديث ضعيف: قال ابن قيم الجوزية في “المنار المنيف في الصحيح والضعيف”: “وكل حديث فيه أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص فكذب مختلق، وقابل من وضعها طائفة أخرى فوضعوا أحاديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإيمان يزيد وينقص”(1).

وبغض النظر عما ينضح به مستهل كلامها من فساد في النظم، وركاكة في التعبير؛ تشبه ركاكة العوام والسوقة، الذين لا يعرفون أساليب الكلام والكتابة !! فإن هذه الفقرة تعرفك مقدار ما تعرفه “محدثة الأحداث” من علم الحديث، و تصارحك بأنها لم تحصل درجة الوراقين الذين يبيعون كتب الحديث، فضلا عن طلبته، فضلا عن التصحيح والتضعيف، فضلا عن الدراية بمنهج البخاري المنيف.

فكلامها هذا، يوجب لها – لو كان للعلم محتسب – الصفع بالنعال، والضرب بأكف الرجال، على صفحة القفا والقذال، فإنها نطقت بالمحال، وجمعت علينا حشفا وسوء كيلة؛ وإليك البيان:

1- هل يقول من شم للحديث رائحة: (أخرج البخاري في صحيحه حديثا معلقا)، هل  تعقلين أن بين المخرج والمعلق مفاوز؟ ! هل تفهمين الفرق بين أخرج وعلق؟ ! فيا للجهل الصارخ الفاضح؟ !

وها نحن سنضطر مرة أخرى – والله حسبنا ونعم الوكيل – إلى أن نعلمك ما تجهلين من بدهيات قواعد مصطلح الحديث، وهو الفرق بين الإخراج  والتعليق.

تعريف الإخراج

الإخراج: من أخرج، “وهو رواية الحديث بالإسناد من مخرجه وراويه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمإن كان مرفوعا، أو إلى الصحابي إن كان موقوفا، أو إلى التابعي إن كان مقطوعا”(2).

تعريف التعليق

أما الحديث المعلق أو التعليق فهو: ما حذف مبتدأ سنده، سواء كان المحذوف واحدا أو أكثر على سبيل التوالي ولو إلى آخر السند، وقد يستعمل في  حذف كل الإسناد كقوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو قال ابن عباس، أو عطاء، أو غيره كذا(3)

2- فلو كنت ملمة بعلم الصناع أدنى إلمام – لا جاهلة به هذا الجهل المركب – ولنفترض أن الحديث كان معلقا، لكان الصواب أن تقولي: ذكره البخاري تعليقا وليس أخرج، لأن أخرج لا تقال إلا للحديث المخرج والمسند من البخاري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا االنوع من الحديث التزم فيه الإمام البخاري رضي الله عنه شروطا دقيقة، لو كنت تفقهين منهجه ومسلكه وشروطه في الجامع الصحيح التي استنبطها العلماء من صنيعه فيه، ولكن أنى لك ذلك، وأنت عامية لا تدرين ما هنا ولا ما هنالك.

3- أما أحاديث البخاري المعلقة فيقصد بها الاختصار، أو مجانبة التكرار أو تقوية الاستدلال على موضوع الباب، بما لا يدخل في شرط الكتاب، وفيه تفصيل بين ما كان منه بصيغة الجزم: كقال، وفعل، وروى، وذكر فلان. وبين ما ذكر بغير صيغة الجزم: كيروى، ويذكر، ويحكى، ويقال ونحو ذلك.

وليس هذا موضع بسط هذا الأمر، فهو مفصل في كتابيْ الحافظ “تغليق التعليق” و”هدي  الساري”.

4- أما قول البخاري: وهو أي الإيمان (قول وفعل ويزيد وينقص)، فليس له حكم المخرج، ولا يدخل في شرط الجامع الصحيح.

5- ثم إن الحديث ليس حديثا معلقا – كما وهمت وخلطت وخبطت – وإنما ا ستنبطه البخاري من القرآن استنباطا صحيحا، ولذلك عقب بالآية الدالة عليه، وهي قوله تعالى : { ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم…}.(الآية).

قال الحافظ ابن حجر:”ووهم ابن التين  فظن أن قوله: وهو (أي الإيمان قول وعمل) إلى  آخره مرفوع لما رآه معطوفا، وليس ذلك مراد المصنف، وإن كان ذلك ورد بإسناد ضعيف”(4)

6- إذن، يبقى أن هذا الأثر في أصله هو ترجمة للباب لا غير، واستنباط صحيح من القرآن، وهو إجماع السلف ، كما قال ابن القيم في “المنار المنيف” الذي بترت كلامه على طريقة {فويل للمصلين}.

7- ثم لا علاقة بين قول البخاري في الترجمة: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: >بني الإسلام على خمس< وهو حديث صحيح، وبين قوله : >وهو قول وفعل ويزيد ونقص<، وإن أوهمت ذلك واو العطف كما قال الحافظ.

أما تفصيل الكلام في صحة هذا الأثر أو ضعفه، ورفعه أو وقفه، فهو كلام آخر، وله موضع آخر، لا يسعه هذا الحيز.

وإنما وقع لك هذا الاضطراب، والخلط والخبط، بسبب جهلك بمنهج البخاري، ومسلكه وصنيعه في صحيحه خصوصا، وجهلك المركب بصناعة الحديث  عموما.

حديث “الأرواج جنود مجندة..”

قالت “محدثة الأحداث”:”أخرج البخاري في صحيحه: باب الأرواح جنود مجندة قال : وقال الليث عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة سمعت النبي صلى الله عليه وسلميقول: الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، و قال يحيى بن أيوب حدثني يحيى بن سعيد بهذا” ثم حكمت على الحديث بالضعف تعويلا على العقيلي – زعمت-، ثم ادعت أن الحديث يتعارض مع ما جاء في القرآن… الخ هذيانها.وليس غرضنا الآن الانتقاد عليها من جهة فقه الحديث، فكل القراء الكرام يعرفون أنها امرأة  عامية بعيدة عن مدارك الفهم والفقه- مما أقمنا عليه الدليل والبينة في مقالاتنا السابقة – وإنما الغرض انتقادها في شيء تزعم أنها أمه وهو علم مصطلح الحديث والتصحيح والتضعيف وإليك بيان جهلها الفاضح بهذا العلم:

8- لا يقول في مثل هذا الحديث (أخرجه البخاري في صحيحه) إلا جاهل بعلم الحديث وبمنهج البخاري جهلا مطبقا مثل “مفتية الثقلان”، فهذا الحديث ليس مما أخرجه البخاري وإنما هو مما علقه، وبينهما مفاوز.

9- إن البخاري علق الحديث، والدليل على تعليقه له – مرة أخرى – يا من تحسب كل صيحة عليها، وترى كل سوداء تمرة، وكل بيضاء شحمة، وتحشر كل ما يوافق هواها بلا حرج، على ما في مشيها من عرج، وتقع على كل ما دب ودرج- هو أن البخاري لم يسنده بل ذكره في تعاليق الباب، فلا يقال في مثله: (أخرج)، لكي لا يعزرك أتباع البخاري تعزيزا شرعيا، حسبة لله وللعلم الذي اقتحمت بابه، وفتقت جلبابه، ودنست مقامه، دون أهلية علمية، ولا قواعد شرعية.

10- إن الحافظ ابن حجر أجاب عن الحديث في كتابه النفيس “تغليق التعليق” فارجعي إليه، لتتيقني أنك تهرفين بما لا تعرفين.

والحديث صحيح وليس ضعيفا

11- ثم إن الحديث صحيح وليس ضعيفا كما زعمت، فهو موصول في كتاب آخر للإمام البخاري، فقد وصله في كتاب “الأدب المفرد” قال:

-حدثنا عبد الله قال: حدثني الليث عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلميقول: ثم ذكر الحديث…”

-حدثنا سعيد بن أبي مريم قال: حدثنا يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلممثله(5).

وقد ذكره الألباني رحمه الله في “صحيح الأدب المفرد” وقال:”وهو في صحيح المشكاة رقم  5003 في التحقيق الثاني”(6)

والحديث موصول في مسند أبي يعلى وفيه قصة في أوله عن عمرة بنت عبد الرحمن، قال البدر العيني في “عمدة القاري”:” هذا التعليق وصله البخاري في الأدب المفرد عن عبد الله بن صالح عن الليث، ووصله الإسماعيلي من طريق سعيد بن أبي مريم عن يحيى بن أيوب، وفي الحديث قصة ذكرها أبو يعلى وغيره”(7).

أفبعد هذا كله يقال: إن الحديث ضعيف؟ ! ومن يقول؟ ! من لا يفرق بين الشعر والشعير، والنقير والقطمير، والصحيح والسقيم، وليس من علم الحديث في قبيل ولا دبير.

أما التعويل على العقيلي في التضعيف، ففيه نظر وتفصيل لا تفهمه “مفتية الثقلان”، لأن العقيلي معروف عند أهل الصناعة بالتشدد في الجرح والتعديل، والحكم على الرجال، فقوله إذا خالف غيره من الثقات لا يقبل.

أما مهزلة المهازل، وأضحوكة الأضحوكات، التي تشبه عمل “البهلوانات” الذين يسخرون ويستعملون لإضحاك الناس، فهو قولك غير ما مرة في كثير من الأحاديث. (أخرجه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته)(8) وقد بينا لك معنى الإخراج بما يغني عن إعادته هنا.

أفبعد هذا يقبل لك كلام في التصحيح و التضعيف، وأنت تجهلين أبسط بدهيات قواعد علم الحديث الشريف؟ ولا تفرقين بين الشمس  والظل الوريف؟ فأيها المسلمون نادوا على الشرطة والعريف.

د. توفيق الغلبزوري

أستاذ بكلية أصول الدين جامعة القرويين تطوان

————-

1 -الأحداث: الأربعاء 27 صفر 1423هـ الموافق 8 م أي 2002 العدد: 1203. عن البخاري مرة أخرى: تقليص ظل عصبيات لمتفية “الثقلان”

2 -حصول التفريج بأصول التخريج لشيخ مشايخنا الحافظ أحمد بن الصديق الغماري، ص: 23، ت بشرى الحديوي، ط دار الكتب العلمية بيروت، 1421هـ-2000م.

3 -انظر تقريب النووي بشرحه تدريب الراوي 1/219، ومنهج النقد في  علوم الحديث للدكتور نور الدين عتر، ص: 374، ط دار الفكر، ط 3، 1401هـ-1981م.

4 -فتح الباري 1/64.

5 -الأدب المفرد للبخاري، رقم: 900.

6 -صحيح الأدب المفرد: ص: 241 رقم 900، دار الصديق، المملكة العربية السعودية، ط 1، 1421هـ-2000م.

7 عمدة القاري بشرح صحيح البخاري 11/18 ، ط دار الفكر، ط 1، 1418هـ-1998م.

8 -انظر مثلا:  الأحداث 24  ماي 2002م.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>