المقصود بالجمع في عهد الرسالة الجمع الكُفْري الذي وقف في وجه الدعوة الإسلامية بجميع الوسائل وخصوصا وسيلة الإعلام التي سُخرت للطعن على صاحب الرسالة ونعته بكل وصف قبيح، بل الطعن على اختيار الله تعالى لليتيم الأبتر الفقير ليكون رسولا، و ترك من هو أحسن منه وأصلح لكثرة ماله وولده -في نظرهم-، والطعن في القرآن بأنه من مُفْتَرَيات صاحب الرسالة – وليس من عند الله – وبأنه مجردُ أساطير الأولين، كل ذلك ليُنْفُوا عنه القداسة الربانية، وينفوا عن محمد صلى الله عليه وسلم القداسة النبوية والرسالية. وتبع ذلك – بالضرورة – تشويه الأتباع وتسفِيه اختيارهم للدين الإسلامي على ما يكلف ذلك من العَنَت والكَبَد بدون مقابل مادي محسوس.
فهذا الجمع أخبر الله تعالى بأنه سيُهزم كما هُزِمت الجموعُ الكُفْرية قبله في عهد نوح وهود وصالح ولوط وموسى عليهم السلام جميعا، وهُزم الجمع – فعلا – في بدر، والأحزاب وحنين وتبوك واليرموك والقادسية، وبعد ذلك في حطين و الزلاقة، وعين جالوت وغير ذلك من الجموع الكفرية التي قامت في وجه الإسلام معانِدة مكابِرة.
والجمع الآن – وإن كان يتمثل أساسا في الأعداء التقليديين من عتاة الكفر بمختلف ألوانهم وأهوائهم- فإن أخطر عدو يخرب الأمة من الداخل هم عملاءُ الكفر العالمي الذين ما فتئوا يثيرون غبار التشكيك في مختلف أصول المرجعية الإسلامية – رغم ملاحقة الفشل لهم أينما حلوا وارتحلوا- عَلَّهم يظفرون بطائل من الفتنة والبلبلة داخل الشعوب الإسلامية، تضمن لهم حسن الحُظْوة وحسن السيرة والسلوك لدى دَهَاقِنة الاستعمار العالمي الكريه الوجه والتوجه.
وأوصاف هؤلاء وسيما هم تتجلى في :
أ- هجومهم المستمر على النص القرآني إما بالدعوة إلى “عقلنته” وفهمه فهما حداثيا مدنيا علمانيا بدون مناهج ولا ضوابط، وإما باختصاره بحذف كل آيات التشريع المدني منه بدعوى أن ذلك التشريع كان لزمن مضى وانقضى، ونحن نعيش الآن زمنا لا تتلاءم معه النصوص التشريعية التي مرت عليها قرون وعصور، وإما بالطعن في بعض تشريعاته المصادِمة لقرارات المنظمات الدولية كالإرث، والقوامة، والصداق، و الطلاق، والولي، والزنا، وشرب الخمر، والربا، والمتاجرة في العرض… كل ذلك بهدف نزع القداسة عن النص القرآني واعتباره تراثا من جملة التراثات البشرية التي لا يدعي أحد قداستها. فإذا تم لهم الإجهاز على قداسة القرآن تمكنوا من إسقاط قداسة الدين في نفوس المتدينين، وذلك هو النجاح الكبير الذي يحلمون به، حيث يجعلون من يقدس البشر، ويخاف من البشر، ويتملق البشر، أحسن من الذي يعبد الله، ويتضرع إليه ويترجاه، ويخاف منه وحده، ويطمع في نيل رضاه دنيا وأخرى. ألا بيس ما يصنعون، وبيس ما يأملون ويرجون.
ب- هجومهم المستمرعلى السنة النبوية- الأصل الثاني للمرجعية الإسلامية الربانية – طعنا في رموزها وكتبها، ورواتها، وتشكيكا في انتسابها لصاحب الرسالة، وإبطالا لصحيحها، وتحريفا لمعانيها، كل ذلك أيضا بقصد إسقاط هيبتها وقداستها، وصولا إلى إسقاط هيبة وقداسة صاحب الرسالة. ألا خاب سعيهم وفَأْلُهم، ونحس وجههم وتوجههم.
ج- هجومهم المستمر على المذاهب الفقهية، وعلى علماء الأمة ودعاتها المخلَّدين علما و عملا واجتهادا وحسن فهم، وحسن تواضع وتجرد، وحسن ثبات على الحق وجهاد في سبيله.
د- هجومهم المستمر على المسلمين المتشبتين بدينهم ومرجعيتهم، وعلى كل المجاهدين -حاليا – بأقلامهم وصمودهم في وجوه الباطل يخنقون أنفاسه، ويفَيِّلون رأيه، ويفضحون مخازيه، ويسقطون مقولاته التي لا أساس لها من عقل أو نقل أو منهج أو ميزان، إلا ميزان الهوى المكسور الكفة واللسان، والمعطوب العقل والجنان.
إن روح الصحوة الإسلامية الممتد في جذور الشعوب الإسلامية والناهض في مشاعرها وهِمَمِها هو الذي يقضُّ مضاجع المستعمرين وعملائهم، ويحركهم للوقوف في وجه التيار المبارك الزاحف بإذن الله تعالى على أوكار الخيانة والعمالة والهبوط الحضاري المُسف، رائدهم البشريات الربانية الطليقة من القيود والحدود. للمسلمين هذه البشرى {سيُهْزَمُ الجمعُ ويولُّون الدُّبُر}(سورة القمر) فهل للكفار مثلها؟ من أين لهم بها؟؟ فاللهم لك الحمدُ حتى ترضى.