… قرأت مؤخرا في إحدى الجرائد الوطنية مقابلة صحفية مع الصحفي والكاتب الفرنسي “جيل كيبل” حول أحداث 11 شتنبر الأخيرة، و لم يأت الرجل بجديد، بل كرر مقولات وتحليلات سئمنا من سماعها من كثرة التكرار والاجترار، من قبيل توريط المسلمين والعرب فيما حدث وضرورة مقاومة الأصولية الإسلامية وتجفيف جميع منابعها الثقافية والمالية والقضاء عليها باعتبارها شراً مستطيراً يهدد الأمن والسلم العالمي؟ !
وللرجل عذره فهو إناء ينضح بما فيه، لكن اللوم والخزي والعار على الذين يعملون صباح مساء على نشر كلامه وكلام غيره المعروف بكراهية للمسلمين على جرائدهم في الوقت الذي يوجد فيه عشرات المفكرين والصحفيين الغربيين الشجعان الذين شبوا عن الطوق الأمريكي وفندوا جميع أطروحاته وادعاءاته ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الصحفي الفرنسي”تييري ميسان” والذي كشف في كتابه الأخير: ‘EFFROYABLE LصIMPOSTURE ” (الكذبة الشنيعة) عن مستوى الكذب والافتراء الذي اعتمدته المخابرات الأمريكية في تفسيرها للأحداث الأخيرة، كما أظهر بأن ما حدث لا يعدو صراعا داخليا بين دعاة استخدام القوة والردع العسكري لفرض الهيمنة الأمريكية على العالم وبين دعاة استخدام النفوذ الاقتصادي والمالي لتحقيق هذه الهيمنة..
وبالتالي فلا دخل للإسلام ولا العرب فيما حدث اللهم إلا ما كان من توريطهم إعلاميا في ذلك من أجل إيجاد مبرر ومسوغ للدخول إلى الباكستان ومراقبتها ومنها إلى أفغانستان وتدميرها وصولا إلى “المياه الدافئة” في بحر قزوين حيث ثاني أكبر احتياطي في العالم من البترول، وأخيرا مراقبة تحركات إيران إحدى أطراف “محور الشر” كما سماها بوش.
هكذا إذن تفتعل أمريكا واللوبيات الضاغطة بها من أجل ضرب عدة عصافير بحجر واحد.
ذلك ما حاول الصحفي الفرنسي إظهاره للناس، وهو الآن في جولة في بلدان المغرب العربي من أجل ترويج كتابه الذي فرضت عليه السلطات الأمريكية-الديموقراطية جدا – حصارا شديدا ومنعته من دخول بلادها؟ !
كما اشترت إحدى الشركات الأمريكية حقوق طبع الكتاب لمنع ظهور الحقائق المرعبة للرأي العام العالمي.
إشارتي لكتاب “تييري ميسان”، كانت فقط لإظهار الأسلوب الانتقامي الذي تعتمده الصحافة (الإمبر-يسارية) عندنا في اختيار ضيوفها ومواضيعها المشبوهة بشكل يخدم توجهاتها العامة والتي تصب في نهاية المطاف في مصلحة الأطروحات الأمريكية والصهيونية نكاية في التوجه والمشروع الإسلامي والقومي الصادق الذي أصبح يقض مضاجهم وكاد أن يقذفهم في مزابل التاريخ لولا أحداث 11 شتنبر المشؤومة والتي أعطتهم مبررا وفرصة لا تعوض من أجل نفث سمومهم وأحقادهم القديمة حتى لو تعارض ذلك مع مصلحة البلاد واستقرار الأمن والسلام فيها…
فقد تحول هؤلاء وأمثالهم من منافقي العالم العربي والإسلامي إلى مجرد أبواق ورجع الصدى للإعلام الأمريكي المتصهين، فلا يتركون فرصة تمر إلا وركبوها من أجل إظهار ولائهم للأعتاب الأمريكية ومهاجمة وضرب التوجهات الصادقة المخلصة في هذا البلد الأمين، يلاحظ ذلك من خلال:
> الترويج لكل الأطروحات الأمريكية إمعانا في تشويه الحركة الإسلامية وجميع مكوناتها الاجتماعية والثقافية والتربوية خدمة لاعداء الأمة.
> التشكيك في كل بادرة خير في هذه الأمة، كما حدث مؤخرا في حملة التشكيك في مشروع “إئتلاف الخير” لجمع تبرعات للشعب الفلسطيني، وتفعيل معركة المقاطعة للبضائع الأمريكية والصهيونية، حتى إننا وجدنا من يتباكى على الخسائر التي لحقت بشركتي “ماكدونالد” و”كوكا” من جراء حملة المقاطعة الناجحة.
> محاربة وتشويه كل صاحب فكر حر من مفكرين وفنانين وخطباء و علماء صادقين، ومحاولة إلصاق تهمة “معاداة السامية بهم.
>النفخ ومحاولة إحياء نعرات قديمة عفى عنها الدهر وعجز حتى الاستعمار على إشعالها في أيامه.
> العمل على نشر ثقافة الرذيلة والانحلال الخلقي والجنسي في أوساط الشباب خاصة تلاميذ الإعداديات حتى أصبح أمر تعاطي المخدرات والفواحش في هذه الأوساط ينذر بشر مستطير على مستقبل الأجيال الصاعدة.
… وبعد، أقول هذا الكلام والحسرة تملأ قلبي للحالة التي صارت إليها بلادنا نتيجة لاستفحال مثل هذا الفكر المهزوم وثقافة الانحلال والابتذال الذي يتولى وزره عندنا أدعياء الحداثة (من الحدث) و”التنوير” غير عابئين بالخطر الداهم الذي أصبح يهدد الجميع بدون استثناء. فحال مجتمعنا اليوم أصبح لا يسرعدوا ولا صديقاً، أغلال ذرعها السماوات والأرض من الفقر والجهل والجوع ونقص في الأخلاق والذمم واستفحال الفساد والرشوة والبغي بغير حق مما أدى إلى انتشار الإحباط واليأس لدى الشباب حتى أصبح الواحد منهم يفضل ملاقاة الحيتان وركوب الأمواج وهي أهون عليه من العيش في الذل والهوان ومسغبة البطالة والتفقير الممنهج، ولا كاشف لما نحن فيه إلا الله، وليحذر الذين يعملون ليل نهار على تأزيم الأوضاع قوله تعالى:{إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة} صدق الله العظيم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ذ. عبد القادر لوكيلي