افتتاحية : الالتفاف على الجهاد تدميرٌ للكرامة الإنسانية


 

إن الله تعالى عندما شرع الجهاد شرعه للدفاع عن القيم الإنسانية التي عليها يقوم كيان الإنسان المعنوي من حِفْظٍ لمعتقداته في كرامة، ومن احترام لاختياراته في جميع المجالات والمسارات، ومن اعتراف بحقه في الدفاع عن نفسه إذا ما انتُهكت حرماتُه بالتطاول على أرضه أو عرضه أو ماله أو دينه.

ولضمان استمرار الجهاد في الطريق السليم جعله الله تعالى جهاداً فيه، وفي سبيله فقط، فقال تعالى : {وجَاهِدُوا فِى اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ}(سورة الحج)، وقال : {والذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}(سورة العنكبوت) فالجهاد في سبيل الله هو الضمانة الكبرى لعدم انحراف الجهاد عن مساره الهادف إلى تخليص الإنسانية من براثين شياطين الإنس والجن، العابثين بمقدّرات الإنسان ومُثُله العليا.

وإذا كان الجهاد في حقيقته الكبرى يتضمّن في المقام الأول جهاد النفس والهوى، وجهاد الجهل بالتعليم، وجهاد التدمير الثقافي بالبناء الثقافي السليم، وجهاد التخريب الاقتصادي بمحاربة الانتهازية والمحسوبية والإسراف والأثرة وقمع كُلِّ مسارب الإثراء غير المشروع، .. فإنه ينصرف أيضا إلى جهاد الأعداء :

أ- الذين هجموا على البلاد الإسلامية وقتلوا أهلها بدون حق {وقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ الذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ولا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ}(سورة البقرة).

ب- الذين استباحوا حرمات المستضعفين من الرجال والنساء والولدان بدون حق مشروع {ومَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيل اللّهِ والمُسْتَضْعَفِينَ مِن الرّجَالِ والنِّسَاءِ والوِلْدَانِ الذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ القَرْيَةِ الظّالِم أهْلُها واجْعَل لنا من لَدُنْكَ ولِيّاً واجْعَل لنَا من لَدُنْكَ نَصِيراً}(سورة النساء).

هل أضاع كِبارُ قومنا بعض أو كُلَّ هذه الموازين وغيرها وتاهوا عن الصراط السوي النازل لهم من السماء، وأصبحوا مجرَّد مُوظَّفِين في مخطط العدوّ المتربص الدوائر بالمسلمين بدون سمع، ولا بصر، ولا شعور، ولا تدبر في العواقب الآنية والمستقبلة على مصلحة الإسلام والمسلمين، وعلى المصلحة الإنسانية العليا، التي لا يحمل رايتَها إلا المسلمون أحبَّ من أحب، وكَرِه من كره.

فقد أصبحنا نَرى كبار قومنا لا يَمَلُّون من إدانة الإرهاب بمناسبة وغير مناسبة، بدون أن يستطيعوا إرغام العدو على الجلوس على مائدة الحوار لتحديد “مفهوم الإرهاب” أولا، حتى يقع التعاون بصدق على مكافحة الإرهاب، وهل هناك عاقل في الدنيا يُحَبِّذ الإرهاب أو يؤيده ويناصره؟؟ فتصحيح وتحديد مفهوم الإرهاب هو البداية السليمة والجادة للتعاون على إعطاء كل ذي حق حقه، ومحاربة كل ظالم يتعدى على حقوق الغير بدون وجه حق. أما الجري وراء من يفهم الإرهاب على مزاجه وهواه ويفصله على مقاس مصالحه بدون أن يبالي بشعور المسلمين الذين حدّد الله تعالى لهم مفهوم الإرهاب من فوق سبع سماوات.. فذلك بعيد عن الرشد الذي وضعه الله تعالى في يد المسلمين ليصلحوا كل المسالك المعوجة، وكل الموازين المعوجة، فتلك أمانة في أعناقهم إن ضَيَّعُوها ذبحوا أنفسهم، وذبحوا الإنسانية المتطلعة إلى مستقبل أنظف وأرقى وأكرم من هذا الطوفان الطاغي للآلة الظالمة {ومَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ للْعَبِيد}(سورة فصلت).

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>