ألم قلم : بيع ومحاكمة وإبعاد بالمزاد


إن الذي يتتبع ما يجري في فلسطين المحتلة، لا يملك إلا أن يمتلئ حزنا وأسى، بل أقول كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : >فلو أن امرءاً مات بعد هذا حزنا ما كان عندي ملوما بل كان عندي جديرا< لأنه إذا كنا نرى رجالا أبطالا يقاومون الاحتلال بما يملكون من إيمان وعزيمة، نرى في المقابل أشباه الرجال بل أشباح الأحياء، يجلسون على طاولة المفاوضات ليبيعوا الرجال الأبطال، أو يحاكموهم، أو يبعدوهم دون أن يشعروا بأدنى قطرة من الحياء، أو وصمة عار، بل بالعكس يعبرون عن اعتزازهم وفخرهم وكأنهم الأبطال، وكأنهم المقاومون، وكأنهم هم الذين حملوا السلاح وكأنهم هم الذين هدمت دورهم، وكأنهم هم الذين رملت نساؤهم، وكأنهم هم الذين يُتِّم أطفالهم، وكأنهم وكأنهم… يعبرون عن اعتزازهم وفخرهم بدعوى تحمل أخف الضررين…هكذا دون حياء.

حينماكان العرب عربا، وكان المسلمون مسلمين، كانوا يفضلون الموت وهم أعزاء شرفاء في ساحات الحرب، من أن يستسلموا وهم أذلاء مهانون.

حينما كان العرب عربا وكان المسلمون مسلمين، كانوا لا يصافحون الأعداء، ولا يبتسمون في وجوههم ولا يبيعون أبناءهم إرضاء للعدو.

ما  حدث في فلسطين المحتلة مؤخرا مؤشر ينذر بالخطر على مستقبل الشعب الفلسطيني، فلأول مرة تقع مقايضة بشكل علني بين العدو وبعض المسؤولين  الذين  نصبوا على رقاب الشعب الفلسطيني في المناطق التي يقال عنها أراضي السلطة.  مقايضة قلبت الرأي العام العربي بين عشية وضحاها… فبالأمس كان الشارع العربي مع الشعب الفلسطيني، ومع السلطة متمثلة في رئيسها عرفات، لأن الكل كان في محنة – وإن كانت محنة الشعب أكبر من محنة الرئيس قلبا وقالبا، إجراء وهدفا – لكن ما إن رفع الحصار عن الرئيس في مقابل وضع ستة من أبناء الشعب الفلسطيني تحت حراسة صهيونية في نسخة أمريكية بريطانية، حتى انقلب الشارع العربي على السلطة وبدأت أحاديث الناس تتناسل : ألا تعني هذه المقايضة أن الحصار كان مجرد سيناريو فقط للوصول إلى الفلسطينيين الستة؟ وغير الست أيضا؟ وازداد التساؤل عمقا ووضوحا حينما بدا التفاوض في شأن المحاصرين في الكنيسة،  وتمخضت المفاوضات عن نفي البعض ومحاكمة البعض.

يقول البعض إن حصار الرئيس كان يهدف عزله عن الشعب  وتهديده بإزاحته إن هو لم يرضخ لمطالب اليهود، وإن حصار الشعب الفلسطيني كان يهدف تدمير بنياته التحتية وقتل المقاومين وتصفيتهم وتجفيف منابعهم، بهدف تمهيد الأرضية للمفاوضات المقبلة بفرض إرادة اليهود.

وهذا ليس ببعيد أيضا عن أرض الواقع، فأولى المفاوضات التي تمت هي المرتبطة بالمحاصرين في الكنيسة، ولقد تم فيها فرض رغبة اليهود، الذين كانوا يقولون منذ البداية إن رفع الحصار رهين بأحد أمرين إما محاكمة من بداخل الكنيسة وإما إبعادهم إلى الأردن… لكن  إبعادهم – بعد المفاوضات – تم إلى إيطاليا… وكفى بهذا رحمة ورأفة بهؤلاء الشرفاء… حتى إن إيطاليا قالت في كلمة ترحيبية لا تخلو من دلالة: “لا يمكن أن نأوي هؤلاء القتلة…”

واستمرت المعاناة فرفضت  عدد من الدول العربية والأوروبية استقبالهم. إلى أن توصلوا إلى سيناريو عجيب، وهو أن هؤلاء المحاصرين سيذهبون إلى بعض الدول الأوروبية من أجل التدريب وليس هناك إبعاد !!! عجيب والله أي تدريب يقصدون، تدريب على العمل أم تدريب على الاستسلام، أم تدريب على غسل الدماغ.

إن الأمل بعد الله سبحانه وتعالى في أبناء الشرفاء من أهلنا في فلسطين ومن أهالينا على امتداد البلاد الإسلامية.. كذلك نأمل من الشرفاء في القيادة الفلسطينية أن يعوا المخاطر التي تتهدد الشعب الفلسطيني ومقدسات الأمة هناك، وأن يضعوا أيديهم في أيدي المخلصين من شعبهم استمراراً للصمود والمقاومة، فالوضع خطير جداً. ولعل تصريح أحمد عبد الرحمن على قناة أبو ظبي يوم 2002/5/6 حينما قال : “لست من أصحاب الكواليس، ولا أعرف ما يجري على مستوى المفاوضات” يحمل أكثر من دلالة، ولعله إعلان عن مخاض الله أعلم بعواقبه.

د. عبد الرحيم بلحاج

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>