6- الاقتصاد الإسلامي على محك البحث الميداني
تتجه المنظومة الاقتصادية لتحقيق النفع للإنسان ( فردا وجماعة) على أساس العدل والإنصاف والعمل على التصدي للمشاكل الناتجة عن الاختلالات والانحرافات عن المسار التوازني.
وهذه الاستفادة تختلف عن مفهوم الاستفادة في المنظومات الوضعية، سواء كانت رأسمالية أو اشتراكية، حيث أنها لم تحقق ما يصبو إليه الإنسان من رفاهية قائمة على العدل والإنصاف. فعلى امتداد التاريخ تبين بجلاء أن مختلف المنظومات الاقتصادية كانت فاسدة. فالمنظومة الإقطاعية، التي سادت على امتداد ما يقارب عشرة قرون، استغلت الدين لتبرير وضع استعباد الأقلية القليلة للأغلبية لتحقيق مصالح شخصية وفئوية على حساب فقر وبؤس وحرمان وشقاء ومجاعة الأغلبية الساحقة. والأدهى هو أنه كان يتم الدفاع عن هذا الوضع باسم الدين.
فباسم الدين واستنادا عليه دعا “كالفين” البروتستاني إلى السعي وراء أقصى قدر من الربح والثروة. ومن تمة، حسبه، على الإنسان أن يتكالب على الدنيا بمختلف الوسائل والسبل، والاندفاع نحو تحقيق الأرباح المادية والسعي وراء الثروة دون التزام بالأخلاق أو التقيد بالقيم. وهذه من الأسباب الأولى التي قادت البشرية إلى نكسة حضارية ما فتئ يتسع مداها منذ الثورة الصناعية في منتصف القرن الثامن عشر، والتي أسهمت إلى حد كبير في انتشار النزعة اللاأخلاقية والابتعاد عن القيم.
وفي الحقيقة إن مختلف المنظومات الوضعية، رغم بريقها الايديولوجي، تقوم -بشكل أو بآخر – على تدمير الإنسان وإنسانية الإنسان وتحطيم واغتيال نزعة التدين والإيمان فيه. وبذلك تلغي أحد مكوناته الأساسية: المكون الروحي.
فعلا لم تتمكن مختلف تلك المنظومات من السيطرة إلا عبر تحطيم القيم الدينية والأخلاقية. ومن الواضح أن مثل هذه المنظومات لم يكن في إمكانها السيطرة أو أن تكون لها السيادة في مجتمعات مؤمنة حقا، تفرد الله بالعبودية والحاكمية والخضوع والسلطان….
فالإسلام على النقيض من تلك المنظومات الوضعية، يقوم على الحركية المتوازنة والتطور المستمر حيث أنه يحمل في طياته آليات التصحيح الذاتي كلما تعرض المسار التوازني للصدمات أو للانحرافات. وهذا ما تفتقر إليه مختلف المذاهب الوضعية.
ولقد أد لنا التاريخ، بما فيه الكفاية وزيادة، أن النظام الإسلامي انحرف، ليس بفعل عوامل داخلية للنظام، وإنما انحرف عندما بدأ الابتعاد عن النهج الإسلامي و منهج الإسلام. ولقد أتاح المسلمون، بابتعادهم عن دينهم وتفريطهم فيه، فرصة نجاح المؤامرات والتآمرات على الإسلام.
لكن قوة علم الاقتصاد الاسلامي تكمن في كونه علم توجيهي. وطبيعته التوجيهية لا تقتصر على السلوك الاقتصادي من استهلاك وإنتاج وتوزيع وتدبير وإنما يتعداه إلى التوجيه نحو السلوك الإنساني الرشيد.
والسلوك الإنساني الرشيد هو سلوك يتأسس على النمو المتوازن لمختلف مكونات وأنساق الكائن، البيولوجي والسيكولوجي والروحي والبيئي، وهذا يضمن سيادة تقبل ما هو حق وما هو عدل وإنصاف تبتعد عن كل ما هو ظلم وغش وخداع. وانطلاقا من هذا المنظور تستطيع المنظومة الاقتصادية الإسلامية التصدي للإشكالا ت الكبرى التي تحياها حاليا البشرية.
إدريس ولد القابلة