قمة بيروت … نهايات طرق أم بدايات أفق


من قمة القاهرة المنعقدة تحت ضغط الدم الفلسطيني المنتفض إلى انعقاد قمة بيروت و ما زال العرب الرسميون حائرين في كيفية الخلاص من هذه الورطة الانتفاضية، فلا هم قادرون على وقفها و لا هم يريدون قطع حبال الود مع الكيان الصهيوني و الولايات المتحدة، و هم لا زالوا بالرغم من عظم التحديات مشغولين بإجراء الموازنات بين الغضب الشعبي و الرضا الأمريكي، و على الرغم من قراراتهم الباردة التي لا تناسب بحال سخونة الدم الفلسطيني إلا أن مقررات القمم بقيت شعارات يرددها الزعماء العرب صباح مساء  ليثبتوا لشعوبهم بأن قلوبهم مع انتفاضة الأقصى، و لكن سيوفهم – طبعا – لا زالت في غمدها، و حتى سفيري الكيان الصهيوني في مصر و الأردن لا زالا هناك في الدول العربية يمارسان عملهما كالمعتاد، و نشاط بعض المكاتب الاقتصادية الصهيونية لا زال هو الآخر فاعلاً في الدول العربية على الرغم من دواعي الإغلاق.

لم يطلب أحد من الزعماء العرب أن يفتحوا جبهة حربية على الكيان الصهيوني، كل ما أراده الفلسطينيون الدواء والغذاء  و السلاح و القليل من المواقف السياسية الجادّة، و رغم ذلك فإن الزعماء العرب لا زالوا يبخلون و يختبئون خلف التبريرات و الشعارات والمراهنة على الزمن للهروب من ضغوط شعوبهم الحيّة .

الآن التحديات أصبحت سافرة لا مكان للاختباء منها، ولا سبيل للهروب  منها وإذا لم يكن الزعماء العرب على قدر المرحلة، فإن المرحلة ستتجاوزهم والشعوب لن تسكت عنهم .

التحديات

نحن لا نبالغ في الاستنتاج ولا نريد أن نعطي آمالاً خادعة فلقد شاءت التقادير  الزمنية في هذه القمة أن تصبح صعبة التبرير سافرة التحدي والتحايل عليها سيكون انتحاراً عاجلاً أم آجلاً .

  1. فـ”إسرائيل” أنتجت شارون المعروف بمواقفه السياسية وتاريخه الدموي، ولا سبيل لتجميل صورته وإقناعنا بحسن مظهره،وما فعله حتى اللحظة كاف لكل عاقل ليحكم على مواقفه ويعرف ضبط حدوده السياسية في التعاطي مع أي تحرك سياسي
  2. والولايات المتحدة أسفرت هي الأخرى عن دواخلها، فهي سافرة العداء لكل مسلم وعربي ولاسيما بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، وهي تحضّر الآن لضرب العراق وترتيب المنطقة وبعدها ستفرض  التسوية، وهي تسابق الانتفاضة وتريد إجهاضها حتى لا يتعطل السيناريو  المرسوم.
  3. أوهام التسوية  التي روجها الزعماء بحجة موازين القوى أو الجدوى الاقتصادية هي الأخرى سقطت وانكشف زيفها ولم يعد عاقل يراهن عليها والمقاومة التي كانت خيار “المجانين” لم تعد تقتصر فقط على الإسلاميين، والاهم أن جدواها في استنزاف المحتل فاعلة  ولا تحتاج إلى دليل.
  4. اليسار الصهيوني المراهن عليه من العرب الرسميين وصل إلى نهاية حدود عطائه، فهو لا يريد أن يعطي أنصار التسوية أدنى آمالهم، وأطروحات الدولة الفلسطينية أصبحت مجردة من مضمونها لأنهم يريدون إعطاءنا دولة هشة ( لا حدود ولا سيادة ولا ترابط حقيقي )، كما لا ننسى أن اليسار الصهيوني هو من استخدم أشد أعمال القتل بحق شعبنا من قبل ، وهو ذاته الواقف مع شارون للدفاع عن سياساته، لقد انكشف اليسار الصهيوني هو الآخر ولن يخدعنا أحد بأفضلية اليسار عن اليمين أو إمكانية أن يعطينا اليسار شيئاً  إذن ليس هناك من أحد يراهن عليه لدى الشعب  الصهيوني.
  5. فزّاعة الجيش الصهيوني  وموازين القوى التي استخدمها الزعماء العرب لكي نقبل بالهزيمة ونرضى بالتسوية، انكسرت بشكل جلي في الجنوب اللبناني، وتتآكل اليوم في ( عيون الحرمية)  و(عين عريك)  أما دبابة ( المركافا ) الأسطورة فأصبحت صيدا سهلا كل ذلك في قلب الدولة المزعومة التي أصبحت بلا أمن ولا اقتصاد ولا سياحة بفضل سلاح الاستشهاديين .

الإدراك

بين هذه التحديات والمتغيرات هل يدرك الزعماء العرب كل ذلك ؟ المراهنة صعبة عليهم لأن هناك ثمة إصرار على الاستبداد في القرار والحكم  ! وثمة إصرار آخر على التسوية ، وخوف مقابل من الحرب، وإصرار عجيب على تحدي قوانين التاريخ، و الأغرب إعطاء المزيد من  الفرص لشارون وبوش رغم سخونة الدم الفلسطيني وتململ الشعب العربي وتوتر المشهد الإقليمي والدولي، فثمة حساب لا زال عندهم  لقوة الكيان الصهيونى وبطش الولايات المتحدة… وهم يبحثون الآن عن مبادرات بينما نحن نغرق بدمائنا، وهم أيضا يريدون  التحايل على الدم الفلسطيني النازف، بل والأنكى أن أهداف ضربهم لشعب عربي باتت واضحة وجلية .

بالعموم رغم ما حدث  بحقنا من مذابح ومهما قدم أو سيقدم  الشعب الفلسطيني  من تضحيات، لم نطلب من العرب -الرسميين منهم – خوض الحرب، طلبنا منهم القليل من السلاح والغذاء والدواء، وقليلا آخر من المواقف السياسية الجادةمثل  ورقة المقاطعة الشاملة مع الكيان الصهيوني، أو تهديد المصالح الأمريكية بورقة النفط، أدنى الواجبات طرد السفراء الصهاينة من بلادهم  تقطيع  معاهدات التسوية المذلة، هذا قليل من المواقف التي من الممكن أن تنقذ الزعماء العرب من التحديات والمتغيرات التي ستتجاوزهم إن لم يدركوا حقيقتها، ويخطئ الزعماء كثيراً إن ظنوا  أن تفخيم وحدة الشعارات وكثرة التبريرات ستنجيهم من قوانين التاريخ والجغرافيا.

بقي أن نقول

عندما لا تستشعر الأنظمة ألم أمتها ولا تستجيب لأدنى طموحات شعبها، وتبقى تساير التيارات الوافدة والظروف الطارئة خوفاً من إغضاب أحد، وعندما تعالج هذه الأنظمة الأحداث الساخنة بالمواقف الباردة، أو تقيس مواقفها الحاضرة بموازينها السابقة دون إدراك للتغير أو فهم لحجم التحدي، فاعلم أن هذه الأنظمة عند نهاية طريقها، ولكن نهايات طرق ليست  متشائمة  كما يتصور البعض، بل هي بداياتأفق كما نتصورها نحن، لأن (نهاية أحد هي بداية الآخر)، والبداية إذن هي لحضارة الأمة وآمال الشعوب وبالتالي انتصار  لمنطق الحق الفلسطيني مهما كان ضعيفاً على باطل الصهاينة مهما كان قوياً، هذه ليست صورة (كاريكتورية ) جميلة ولا نهاية قصة سعيدة  لفيلم عربي، بل هي الحقيقة وإن طالت وسنرى إرهاصاتها في الأفق، ولن يتحقق ذلك إلا باستمرار المقاومة الفلسطينية بكل عنفوانها لأنها الوحيدة القادرة على إحداث هزة  إستراتيجية في المياه الراكدة أياً كانت  إقليمية أو دولية .

ذ. إبراهيم أبو الهيجاء

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>