هذا العنوان المترجم من الفرنسية هو عنوان الرسالة التي قدمها الباحث علي يوعلا لمناقشتها أمام اللجنة المكونة من السادة : د. لحسن الداودي مشرفا ود. فارسي السرغيني رئيسا ود. محمد نجيب بوليف عضوا ود. محمد صحري عضوا. وذلك يوم 26 يناير 2002 بكلية الحقوق، جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس. وبعد المداولات التي تلت المناقشة قررت اللجنة استحقاق المرشح لدرجة دكتورة الدولة بميزة حسن جدا.
وفيما يلي الترجمة بتصرف لما ورد في العرض التقديمي للمناقشة.
تناولت الرسالة هذا الموضوع بمنهجية قوامها :
- ردم الهوة المفتعلة بين الوحي والعلم.
- دمج عقيدة الأمة وثقافتها في البحث الأكاديمي.
- دمج الأبعاد القيمية في التحليل الاقتصادي.
هذه الأبعاد الثلاثة تحكمت في أطور هذا الإنجاز كما جاءالحديث عنها في العرض التقديمي للمناقشة من خلال المحاور التالية :
أهمية الموضوع
يستقي الموضوع أهميته على مستوى الأفكار من تعدد أبعاده التحليلية التي يستوجبها فهم وإدراك مشاكل التنمية التي تعاني منها الإنسانية قاطبة وإن كانت درجات هذه المعاناة متفاوتة تفاوتا بينا من مناح شتى، كما يستقيها على مستوى الفرص التطبيقية التي يتيحها من كثرة الجهات التي يخاطبها.
ومن بين ما يلزم الإشارة إليه على مستوى الأفكار هو أن المنهج اللائق لتحليل إشكالية هذا الموضوع هو المنهج المتعدد الأبعاد التي تبرز تجلياتها في مستويات شتى منها :
1 – الذات، الثقافة، القيم، العادات… التي هي بالنسبة لأي مجتمع إسلامي بمثابة الأرض الصلبة التي لا تقوم له قائمة في غيابها، الأرض التي لا يحق لأي تحليل اقتصادي يتخذ من مثل هذه المجتمعات موضوعا للدراسة أن يهملها تحت طائلة إفراغ الموضوع من صلب جوهرهوالابتعاد بالتالي عن جذوره وأسباب مكوناته.
ب – الدين، الاعتقاد، تصور الوجود… ليس فقط لأن الزكاة جزء منها كرابط بين عالم الغيب وعالم الشهادة، وإنما أيضا لأن لها تجليات عملية فتأخذ بالتالي شكلها العملي على مستوى الأفعال والمؤسسات.
ج – الفقر، البؤس، التشرد، التفكك… وهي الآفات التي تجعل من ساكنة العالم محرومين بنسبة 47 %، وضحايا الفقر المطلق بنسبة 20 % بما في ذلك فقراء العالم الإسلامي الذي تصل فيه هذه المعدلات، في بعض الأحيان، مستويات مهولة، والزكاة بالآثار التي تمليها عليها قواعدها التشريعية تأخذ أولا وقبل كل شيء جهاز مقاومة ضد هذه الآفات وتؤول في التحليل النهائي إلى آليات بتر أسبابها وقطع دابرها.
د – النقاش الدائر حاليا، في المجتمعات المصنعة حول بوادر العجز الذي يعتري آليات إدماج الأفراد في المجتمع التي من بينها : العمل والضمان الاجتماعي والتضامن الاجتماعي والحماية الاجتماعية… النقاش الذي يتطور إلى استشراف المستقبل والبحث عن البدائل من خلال أفكار مثل : الضريبة السالبة، الدخل الأدنى للإدماج، الدخل الأدنى للوجود، الدخل العالمي للوجود… وهو ما يبين جليا حاجة أي نظام اقتصادي يقيم وزنا لكرامة الإنسان إلى ” صمامات الأمن الاجتماعي ” تتخذ مقامها من بين مكونات بنائه لا يفارق أداؤها أداء النظام مهما تغيرت الظروف والأحوال، وما مقام الزكاة من هياكل النظام الاقتصادي الإسلامي إلا أنها إحدى هذه الصمامات وأنها بفلسفتها وبطريقة عملها لا تتميز فقط بتفوق منهجية تناولها لهذه القضايا على الجدال الدائر حولها حاليا بل تسجل سبقا زمنيا بينا لكونها داخلة في النظام الاقتصادي الإسلامي كجهاز مستقل يضطلع بقضية التحويلات الاجتماعية تحصيلا وتوزيعا، وهو أحد أركانه الواجب تفعيله سواء في وقت الرخاء، أو في وقت الأزمة.
هـ – مسؤولية ولاة الأمور في بلاد المسلمين نحو واجب تحريك الوسائل اللازم حشدها في إطار استراتيجية تنموية حقيقية لمواجهة التخلف، إذ من الراجح جدا أن تتحسن قيم مؤشرات التنمية الخاصة بهذه البلاد إذا ما قررت دولها تشغيل النظام الزكوي الجاهز مؤسسيا للعمل والقابل للتنفيذ اجتماعيا طالما أنه يندرج ضمن مكونات ثقافة شعوبها ويأخذ أحيانا مكان الصدارة على قائمة مطالبها بتغيير الواقع نحو الأصلح.
و – الاعتبارات العلمية، وذلك لأن الزكاة وآثارها على الاقتصاد والمجتمع يمثلان ملتقى العلوم إذ لا يستقيم تحليلهما إلا بمقدار ما التزم به المحلل من خضوع للأصول التشريعية (القرآن والسنة والإجماع) وتحكيم للعلوم الشرعية (العقيدة والفقه وأصول الفقه والسياسة الشرعية…) واستخلاص ذكي لما يستفاد منه من العلوم الحديثة (المالية العامة والاقتصاد المالي والنظرية الاقتصادية والمحاسبة والإدارة…) واسترشاد واعمما تتيحه من الفهم والإدراك الصحيحين العلوم الأخرى (التاريخ والسياسة وعلم الاجتماع…)، إنه الموضوع المتعدد التخصصات بامتياز، لذا يفترض أن تكون الآفاق العلمية للباحث في الاقتصاد الإسلامي واسعة بالمقدار الذي يؤهله للاطلاع عليها والتكوين فيها والمقدرة على استعمالها أو على الأقل أن يعتمد أسلوب الاحتراز المنهجي إن لم يتمكن منها في الحدود المطلوبة.
وأما على مستوى رصد فرص التطبيق العملي للزكاة وتطوير أداء نظامها فإن الأوساط التي يخاطبها موضوع الأطروحة هي :
أ – جماهير الأمة داخل العالم الإسلامي وخارجه ليذكرها بما عليها من واجب الفهم الدقيق للزكاة لكي يكون تطبيقها مستوفيا لشروطه الشرعية سواء على المستوى الفردي أو المؤسسي الأهلي أو الرسمي، ولكي ترقى إلى المكانة اللائقة بها بين أولويات المطالب الجماهيرية فيما يتوجب على ولاة الأمور من إصلاحات جبائية ومالية واقتصادية واجتماعية.
ب - السلطات الحكومية عبر العالم الإسلامي لينبهها إلى أن إهمال تطبيق الزكاة أو سوء تدبيرها يؤول إلى شل نظام تضامني شرعه الله عز وجل قانونا واجب التنفيذ داخل كل وطن وبين الأوطان والمجتمعات الإسلامية على مستوى ساكنة المعمور قاطبة.
ج – عموم فقهاء عصرنا ليلفت أنظار المقلدين منهم إلى أن الفقه الذي تمت صناعته للنوازل الواقعة في الماضي لم يعد في مستوى التأطير الشرعي اللازم والدقيق لكافة الحقائق الاقتصادية والاجتماعية في الزمن الحاضر وإلى أن الضرورة تقتضي تطوير فقه الزكاة بما يرقى به إلى استيعاب هذه الحقائق، وهذا أمر يتطلب من كافة فقهاء زماننا قدرا غير يسير من الإلمام بآليات الاقتصاد المعاصر ومفاهيمه حتى يتمكنوا من الإفتاء فيما استجد من القضايا والحكم على النوازل بعد التحقق من مناطها كما هو مجسد على أرض الواقع.
د – كل الاقتصاديين الذين آلوا على أنفسهم أو عاقدوا العزم على التحول إلى البحث في الاقتصاد الإسلامي ليدعوهم بدورهم إلى :
أولا : إخضاع تفكيرهم إلى التصور الإسلامي للمعرفة، التصور الذي لا يقبل أية قطيعة بين الدوافع الروحية والدوافع المادية لأي سلوك اقتصادي.
ثانيا : الحرص على حد أدنى من التكوين اللازم في مختلف العلوم الشرعية.
ثالثا : الإدراك الواضح للخطوط الفاصلة بين الاقتصاد الإسلامي وهذه العلوم وكذا التطبيقات والأفكار المرتبطة تاريخيا بظروف بيئتها من جهة والخطوط الفاصلة بين الاقتصاد الإسلامي والاقتصاد الوضعي من جهة أخرى.
عقبات البحث وكيفية تجاوزها
لا تسلم الطريقة المتبعة في معالجة موضوع هذا البحث من عقبات كان لما استوجبته من حلول الفضل الأكبر على تطويره إلى ما آل إليه من المستوى شكلا ومضمونا، وإن كان حصرها استقصاء لا يخلو من فائدة فإن الوقوف على طبيعتها لا يتطلب أكثر من عرض نماذج بعينها تكون دالة على ما سواها وهي :
أ – من المعوقات الأولى التي آملت سلطتها على مسار البحث ذلك العائق الذي سبقت الإشارة إليه سالفا ممثلا في التباعد الشديد بين نوع المعلومة التي يتطلبها مشروع البحث ونوع المعلومة المتاحة، وهكذا أدى غياب الإحصائيات القابلة التطويع لمقتضيات إشكالية تقدير الحصيلة الزكوية للاقتصاد المغربي إلى تغيير منهج البحث بإحلال المعالجة النظرية للموضوع محل المعالجة الوصفية التحليلية.
وعلى الرغم من هذا التغيير فإن نفس العائق يمكث قائما في أية مرحلة من مراحل البحث التي لها صلة بمجريات الواقع، وهكذا آلت تحليلات الآثار الاقتصادية للزكاة في إطار التجارب التاريخية والحاضرة وتوقعات المستقبل إلى خلاصات منهجية في غياب إمكانية التعبير عليها بواسطة المعطيات الإحصائية.
ب – وثاني العقبات الكبرى التي تؤرق الباحث من البداية إلى النهاية تخص التحديد الدقيق لمستوىالتمازج ين خطابات الوحي والشرع والاقتصاد التي من عصارتها ينبغي أن يتمخض الاقتصاد الإسلامي مستقلا عنها مجتمعه، والحل الناجع في هذا المضمار يقضي أن تكون مقتضيات العقيدة والشريعة كامنة في خلفيات كل لفظ وكل مصطلح وكل جملة… يتكون منها خطاب هذا التخصص، مما يستوجب سلفا أن تكون خلفيات هذا السبيل في التأليف هي التي تتكون منها المرجعية العلمية والثقافية والوجدانية ابتداء للمؤلف وللقارئ على حد سواء، ولكن أمام غياب فرص تكون هذه العقلية عند الطرفين معا كان لابد من إيجاد حل توفيقي يجمع صراحة بين المقتضيات العقدية والأحكام الشرعية والتحليل الاقتصادي في آن واحد بأن تم تخصيص المتن لهذا الأخير وتخصيص الهوامش لعرض النصوص الشرعية المناسبة له.
ج – وثالث العقبات التي يتوجب التغلب عليها في أي بحث يكون أغلب ما كتب في شأنه بغير لغته فيرتبط بكون أن أهم المراجع المتعلقة بالعلوم الشرعية هي مراجع عربية وأن بعض المصطلحات لا مقابل لها في اللغة الفرنسية، ولهذا كانت الترجمة الشخصية للأحاديث النبوية الشريفة وما سواها من النصوص هي المعتمدة كلما دعت الضرورة إلى ذلك، وأما المصطلحات التي لا مقابل لها بالفرنسية فلقد تمت فرنستها باللفظ بكتابتها على أصلها مثل : La zakat , Al khars , le niçab إلخ.
د – وخاتمة هذه العينة من العقبات لا تقل أهمية عما سبق من حيث وقعها المنهجي على صياغة البحث بأكمله وإن كانت تخص أكثر مراحله المرتبطة بالأحكام الفقهية ارتباطا وثيقا، ومصدرها هو التناقض الذي يوقع المواجهة بين منهج الفقهاء القاضي بتعداد التفاصيل المتعلقة بكل مسألة بعينها وتقليب النظر في أحوالها بما ينتهي إلى تعدد الأحكام بشأنها قد يصل الخلاف فيما بينها إلى حد التناقض من جهة وبين منهج الاقتصاديين القاضي بالبحث على صياغة الخلاصات المتعلقة بجنس واحد من القضايا في قاعدة أو عدد قليل من القواعد التي تحكمها مجتمعة ومنفردة، إجمالا وتفصيلا من جهة أخرى، ويستفحل الأمر أكثر عند الأخذ بآراء مختلف المذاهب والمدارس حول مسألة أو قضية ما، بل يحدث أحيانا أن المؤسس للمدرسة أو غيره من خلفه يقضي في مسالة واحدة بأكثر من رأي، الأمر الذي ينتهي بالباحث الذي لم يتمرس على صنعة الفقهاء إلى الحيرة، ولم يتسن الخروج من هذه المعضلة إلا بالاهتداء إلى طريقة غايتها الجمع بين الهاجسين الذين يسكنان المنهجين معا رعاية لمقتضيات التخصصين معا ولما يستتبعان من واجب احترام الاختصاص، ومؤداها ينصرف إلى :
- استعراض مختلف الآراء الفقهية حول المسألة الواحدة،
- محاولة الجمع فيما بينها من أجل الوصول إلى خلاصة توفق فيما بينها،
- الاعتماد، عند اللزم، الرأي الأكثر استيفاء لمؤهلات الترجيح عما سواه بالنظر إلى المنطق الاقتصادي والعدالة الجبائية والعدالة الاجتماعية والنجاعة في التطبيق العملي…
- ترشيح الحل المختار على هذا النحو إلى عرضه على أنظار المتخصصين في الشريعة للفصل في مشروعيته من عدمها.
محتويات البحث
تشتمل الرسالة على تمهيد ومقدمة وأحد عشر فصلا موزعا على أربعة أجزاء وخاتمة وأربعة ملاحق وقائمة المصادر والمراجع بالإضافة إلى فهارس الجداول والبيانات والمحتويات، وتغطي هذه المواد 555 صفحة من القطع الكبير.
ومن البديهي أن هذا الحجم يقلل من فرص التمكن من إعطاء ملخص وفي لمحتوى الأطروحة في إطار الحيز المتاح هنا، ولذا لا مناص من العدول على مثل هذا الطموح إلى الاكتفاء بتناول بعض أطراف الموضوع دون الدخول في تفاصيله وذلك من خلال فكرتين أساسيتين هما :
- الزكاة كنظام جبائي إلزامي،
- الزكاة كمدخل إلى علم الاقتصاد الإسلامي.
1 – الزكاة كنظام جبائي إلزامي :
من خلال هذه الفكرة يطور البحث تصورا للزكاة في قالب يستند إلىكل المقومات الحديثة الخاصة بالنظم الجبائية الإلزامية التي تندرج ضمن الأعمال السيادية للدولة الإسلامية، ولهذا الغرض تم تفريغ مادتها العلمية وأحكامها الفقهية تحت عناوين الفصول الستة الأولى من البحث على مدار جزأين اثنين، وهو ما ساعد على إحداث وتطوير منهجية جعلت في الإمكان إعادة ترتيب أدبيات الزكاة بأطوارها المختلفة القديم منها والحديث بما يكفل القدر الكافي من إبراز خصوصياتها المؤسسية كميزانية مستقلة ضمن المالية العامة للدولة الإسلامية وكصندوق للتكافل الاجتماعي الواجب التنفيذ ديانة، وهذا ما يسلح النظام الزكوي بمنطق أداء خاص به مستحيل الوجود في غيره.
ولبلورة هذه المغازي تم التركيز في فصلي الجزء الأول على :
- الحقل الدلالي والمفاهمي للزكاة من تعاريفها المختلفة،
- أصولها التأسيسية انطلاقا من القرآن والسنة والإجماع.
- أسسها الغائية مستنبطة من مقاصدها الخاصة المصرح بها بالنص ومن الأهداف الاجتماعية والجبائية التي قضى الشرع أن يرتبها ضمن المبادئ المسوغة لأعمال البشر كالتكليف والعبادة والاستخلاف… والتي تدخل ضمن مقتضيات الشرع وضروريات الحياة معا كالعدالة والأخوة والتي تحسنها الحكمة من بين ما يمكن الاستئناس به مما وصلت إليه العلوم الحديثة من التقنيات المساعدة على البيان والدقة في التعبير وفي التطبيق.
ويستمر التحليل على مدار الفصول الأربعة المكونة للجزء الثاني تحت عنوان : أداء النظام الزكوي ؛ وهذا يستوجب إخضاع هذا النظام للتقطيع المنهجي المعتمد في المالية العامة الحديثة بأن تتم إعادة ترتيب فقه الزكاة وفق منطق هذا الاختيار، وكانت النتيجة أن تم ضبط هذا الأداء في مستويات أربعة كل مستوى يفضي إلى الذي يليه ويشترط الذي قبله :
- بدءا بعمليات الوعاء،
- ثم عمليات الربط الجبائي،
- ثم عمليات التحصيل الجبائي،
- ثم أخيرا عمليات التوزيع.
2 – الزكاة كمدخل إلى علم الاقتصاد الإسلامي :
هذه القضية تم علاجها من خلال مراحل ثلاثة :
الأولى : استهدف البحث فيها تحديد الإطار المذهبي لآثار الزكاة على الاقتصاد وعلى المجتمع من جهة ورصد مصدر التقنيات العلمية الكفيلة بالتعبير عليها من جهة ثانية.
الثانية : انصب فيها البحث على تحليل كتابات الاقتصاديين المنجزة في هذا المجال.
الثالثة :عمد فيها البحث إلى استكشاف آفاق جديدة لتنويع اتجاهات بحثها كمقدمة للتأصيل المنهجي لعلم الاقتصاد الإسلامي.
ولقد أفضى تتبع هذه الخطوات إلى :
أ – تناول المذهب الاقتصادي الإسلامي وتطبيقاته والاقتصاد الجبائي في الفصل السابع للاستخلاص من الأول الضوابط الاقتصادية والجبائية والاجتماعية المحددة لآثار الزكاة ومن الثاني المصطلحات والتقنيات المساعدة على تحليلها.
ب – عرض آثار الزكاة ثم تقويمها في الفصل الثامن أي عرضها كما هي معبر عنها من خلال نماذج كنيز في تحديد الدخل والادخار والمعجل والمضاعف والبنيات الإنتاجية للوقوف على ما يحدثه إدماج الزكاة والإنفاق فيها من تحسين في أدائها على مستوى قيم هذه المتغيرات والانتهاء حتما إلى أن الاقتصاد الإسلامي أكثر فعالية من الاقتصاد الرأسمالي.
وبتمحيص هذه الطريقة في التحليل بالنظر إلى فرضياتها وإلى العلاقة السببية بين النتيجة ومصدرها وإلى مرجعيتها النظرية والتطبيقية يتبين أن ما يعد تأثيرات للزكاة والإنفاق على النماذج الكينزية غير مسلمة وأن منطق إثباتها هش وأن مصداقيتها تجاه اقتصاديات العالم المصنع أو العالم غير المصنع مفقودة وأن منطلقات هذا البناء بأكمله غير سليمة.
ج – طرح مقترحات غايتها تجاوز هذه المثالب التي تلغي خصائص علم الاقتصاد الإسلامي ومقوماته، وتأسيس هذا الأخير على قواعد منهجية سليمة وواضحة، ولذا ساعد التفكير في إمكانيات تطوير دراسة آثار الزكاة على محيطها على تناولها من ثلاثة زوايا كل واحدة منها تصب في صنف خاص من أصناف التحليل الاقتصادي، ولبيان ضرورة ونجاعة هذا التوجه خص البحث فصلا لكل صنف بدءا بالفصل التاسع وانتهاء بالفصل الحادي عشر وطور خلاله نمطا تحليليا قائم الذات تحدده غايات وفرضيات، ومفاهيم ومصطلحات ومناهج… تستقى نوعيتها من أصولها المرجعية وهي:
أولا : النوعية النابعة من المذهبية الإسلامية التي في إطارها يجب أن يولد ويتطور علم الاقتصاد الإسلامي الأصيل، وفي هذا المضمار يندرج ما عالجه البحث من نظريات آثار الزكاة على التنمية والتوزيع والفقر والتوازن…
ثانيا : النوعية المرتبطة بالاقتصاد الوضعي باعتباره حقلا معرفيا يتمتع حاليا بالسبق في توليد أدوات وطرق التحليل وتقنياته إذ يستحسن أن يستفاد منها اقتباسا أو مقارنة شريطة ألا يتجاوز أي عمل من هذا القبيل مؤهلات المرجعيتين المستقبلة والمزوِّدة، بل يمكث مستقلا عنهما في نمط تحليلي جديد عنوانه المقترح : علم الاقتصاد الإسلامي المقارن، ولهذا المنزلة أهمية كبرى في الحد مما ينسب إلى الاقتصاد الإسلامي من نظريات واستنتاجات من غير وجه حق ولا دليل معتبر، كما أنها تتيح إمكانات واسعة لتطوير التحليل الاقتصادي الإسلامي باعتباره تحليلا مقارنا ليس إلا، ولقد أتاحت فعلا، في إطار هذا البحث، هذا التطوير في مجال الاقتصاد الجزئي بدراسة نظرية آثار الزكاة على توازن المستهلك بالاعتماد على منحنيات السواء وفي مجال الاقتصاد الكلي عبر المقارنة بين شروط تفعيل الكفاية الحدية للرأسمال من الوجهتين الكينزية والإسلامية.
ثالثا : النوعية المقترنة بالحقائق الواقعية الماضية والحاضرة أو الممكنة الوقوع استقبالا، فتنخرط أية دراسة تتناول واقعا ما من إحدى هذه الزوايا أو الأخرى في إطار علم الاقتصاد الإسلامي التطبيقي، ولقد حاول البحث التطرق إلى رصد آثار الزكاة على بيئتها من خلال التجارب التاريخية والمعاصرة والمرتقبة، ومن بين الخلاصات التي سجلها والتي لا يجوز إغفالها هنا هي أن معرفة هذه الآثار في الحقب الماضية تصطدم بندرة المعلومات المؤهلة للاستدلال عليها أو التعبير عنها وأن قلة أو انعدام اهتمام الجهات الحكومية بأمور الزكاة عبر العالم الإسلامي قاعدة مطردة في الوقت الراهن إذ لا توجد دولة واحدة تتخطى فيها الحصيلة الزكوية الفعلية 1 % من دخلها القومي الخام وأن التقديرات الإحصائية تبرهن فيما إذا جد عزم التطبيق الصادق للزكاة مستقبلا على أرصدة بإمكانها أن تقضي على الفقر في عام واحد في دولة كالباكستان، وأن تغطي فوائض الزكاة من أصل ثلاثة دول بترولية صغيرة ما يعادل المساعدات الخارجية التي تتلقاها سبعة دول إسلامية فقيرة مجتمعة وأن تفرض وتيرة تراجع مستمر على فقر العالم الإسلامي ليختفي منه في غضون الثمان عشر سنة المقبلة.
وأخيرا لقد آل هذا العمل في النهاية إلى أن يفتح الباب على مصراعية على حقول ثلاثة من حقول البحث العلمي في الاقتصاد الإسلامي، وهذا دليل على أن المبلغ الذي بلغه خال من ادعاء الإتيان بالأجوبة النهائية على كل المسائل التي طرحت والتي يمكن طرحها، ولعل أطواره المختلفة قد أسهمت في طرح المشاكل الحقيقية المتعلقة بأداء النظام الزكوي كما هو مستوحى من مقاصد ومآلات النصوص وفي رصد المعالم المنهجية الحقيقية للاقتصاد الإسلامي لبيان مراتب الاستحقاق والادعاء فيما ينسب إليه من العناوين والأبحاث، وإن تحقق شيء من هذا أو ذاك فإنه من منة الله وفضله علي، وبمقدار ذلك تكون الغاية الرئيسية التي استهدفتها الرسالة قد أثمرت بداية تحتاج استقبالا إلى تهذيب وإلى تصحيح وإلى تطوير من خلال أعمال قادمة إن شاء الله، والحمد لله رب العالمين.
إعداد : د. علي يوعلا