اعرف عدوك : ازدياد تفكك المجتمع الإسرائيلي في ظل حكم البطة العرجاء الفرار من الجيش والهجرة المضادة، وتضاعف الإدمان


“ثمن تفكك السلطة الفلسطينية وانفراط عقدها هو ايضا ثمن تفكك المجتمع الاسرائيلي ، لا قائد ولا سائق ، والحكومة لا تقود زمام الامور ، لا من الناحية الامنية ولا من الناحية الاقتصادية، والميزانية لا تطرح حلولا للركود الحاد ولا للبطالة “.. العبارة السابقة لم تأت على لسان حسن نصر الله عدو اسرائيل اللدود ولم يصرح بها الشيخ احمد ياسين زعيم حماس ، انما جاءت على صدر صفحات جريدة “هآرتس “احدى كبرى الصحف الاسرائيلية ، فشارون الذي جاء به الاسرائيليون للحكم ليمنحهم الامن الذي افتقدوه في ايام سلفه ايهود باراك ، فشل في مهمته بشكل لم يتوقعه اكثر الاسرائيليين تشاؤما ، فضلا عما تسببت فيه حكومته من ازمة اقتصادية خانقة لم تشهدها اسرائيل منذ قيامها قبل 54 عاما .

ومثل شارون حتى عام مضى بالنسبة لغالبية الاسرائيليين الورقة الاخيرة في صراعهم مع الفلسطينيين ، واقصى تصعيد لردع الفلسطينيين واقناعهم بقبول ما يعرض عليهم من تسويات ، ولذلك لم يتورع السياسيون الاسرائيليون مثل شيمون بيريز وايهود باراك عن تهديد مفاوضي السلطة بانهم لن يحصلوا من شارون “البلدوزر “على ربع ما يعرضونه هم عليهم ، ويعتبر المحللون الاسرائيليون ان صعود شارون لرئاسة الوزارة لم يكن لحب الاسرائيليين لشخصه بقدر ما كان لمعاقبة الفلسطينيين على الاستمرار في الانتفاضة والمقاومة .

وتسخر صحيفة “هآرتس “من استمرارغالبية الاسرائيليين في تأييد شارون رغم انه لم يجلب الأمن ولا السلام ، ثم تعلق على ذلك التأييد مؤكدة انهم “يؤيدونه بسبب الجنازات تحديدا لان الموت يتربص بنا في الشوارع “.

وتقدم الصحيفة في مقال اخر كشف حساب لما قدمه شارون للاسرائيليين خلال عام باعتباره المسئول الأعلي عن الازمة الحالية : “ارتفاع منحني معدل الضحايا الاسرائيليين، المصاعب الاقتصادية المتزايدة ، أصوات الرافضين من اوساط الوحدات المختارة في الجيش ، وفشل الحلول التي تقترحها الأذرع الامنية لتحسين مستوي الحماية الذاتية ، وقصور الردود العسكرية علي الارهاب الفلسطيني “.

ومن جانبها كانت صحيفة “معاريف “اكثر دقة في توصيف ما آل اليه الوضع في اسرائيل بسبب سياسات شارون الوحشية ، ونقلت عن الجنرال شلومو اهارونيشكي وصفه للسنة التى امضاها شارون في الحكم بانها “كانت الاسوأ في تاريخ اسرائيل في كل ما يتعلق بمواجهة الارهاب “.

وتواصل الصحيفة تعليقها قائلة “ان الوضع آخذ بالتصعيد والتفاقم ، وان العملية المأساوية التي وقعت في بئر السبع واسفرت عن مقتل مجندات صغيرات، تقطع نياط القلب وتقطع الانفاس واليأس عميق، ويزداد ايضا الاحساس، الذي عبر عنه بنيامين نتنياهو بقوله (لا يمكن ان نواصل هكذا)”.

شارون البطة العرجاء

وفي اعقاب الهجمات التي اسفرت عن مقتل سبعة اسرائيليين بينهم خمسة جنود وتحطيم دبابة اسرائيلية من طراز “ميركافا -3 “في نقلة نوعية خطيرة لعمليات المقاومة الفلسطينية ، جاء التعليق من جانب صحيفة “يديعوت احرنوت “بانه “ليس عرفات وحده هو الذي يفقد السيطرة على الأرض ، بل يبدو – ايضا – أن سياسة الأمن الاسرائيلية تتفكك ، هذا هو الأسبوع الثاني الذي ينتهي بسقوط سبعة قتلى إسرائيليين ، وهذه وتيرة لا يمكن لأية حكومة، في أي دولة، التعايش معها”.

وتنتهي الصحيفة إلى نتيجة مفادها ان حكومة شارون تعاني من “إفلاس أمني يحتم على المطبخ السياسي إتخاذ قرارات تقطع دوامة وقوع عملية ثم الرد، فالعملية ثم الرد، تجرف الجانبين نحو الهاوية، في احتضان مميت “.

ومن جانبها علقت صحيفة “الجارديان “البريطانية على العمليات الاخيرة للمقاومة الفلسطينيةوالتى استهدفت عددا من رموز الاحتلال العسكري الاسرائيلي بانها كانت بمثابة ضربة في القلب لاسرائيل ادت الى فقد الثقة في رئيس الوزراء “المحارب “ارييل شارون .

واشارت الصحيفة الى “ان الاسرائيليين باتوا يدركون ان شارون فشل على مدى خمسين عاما في تحقيق اسطورته بتحطيم اعداء اسرائيل ، وانه على الرغم من ان الفلسطينيين يخسرون الكثير امام قوة عاتية إلا ان اسرائيل تخسر الحرب نفسها “.

واضافت الصحيفة ان “المواطنين الاسرائيلين اصبحوا يدركون انه ليس هناك امن في اسرائيل وان العمليات المتتالية للفلسطينيين تترك اثارا عميقة من القلق داخلهم ، وان 49 في المائة من الاسرائيليين يرون ان القيادة الاسرائيلية فقدت زمام الامور الامنية “.

وتندد صحيفة “يديعوت احرونوت “بالحصار الامني وحالة الطوارئ الدائمة التى تفرضها حكومة شارون داخل المدن الاسرائيلية ، مشيرة الى ان “الحل الجديد لشارون وبن اليعازر للعنف الفلسطيني هو جندي في كل دكان ، وفي كل موقف سيارات، وفي كل محطة باصات ، وسبعة في كل مفترق طرق “.

وتوقعت صحيفة”جيروزاليم بوست “الإسرائيلية أن يلقى شارون مصير رئيسي الوزراء اللذين سبقاه “بنيامين نتنياهو وايهود باراك “، مشككة في احتمال استكمال شارون لفترة ولايته التي تنتهي في نوفمبر 2003 ، حيث انه “اصبح مجرد بطة عرجاء “.

وأشارت الصحيفة الى “ان هناك تشابها بين رؤساء الوزراء الثلاثة على الرغم من الاختلاف البين فى شخصياتهم واعمارهم وخلفياتهم السياسية فقد جاءوا للسلطة بوعود ضخمة وامال كبيرة من اجل التغيير وقيادة الدولة بنهج جديد إلا أنهم جميعا.. لم يفوا بوعودهم وحلت بدلا منها اوهام كبيرة “.

وكشفت الصحيفة عن خيبة امل الاسرائيليين في سياسات شارون خاصة الامنية ، حيث انه “كان هو الاسوأ على الاطلاق ، وتحول الى ثور هائج فى محل لبيع الخزف حيث راح يحطم كل شئهنا وهناك “.. مشيرة الى ان”عدد الضحايا المدنيين الاسرائيليين فى العام الاول فقط من فترة ولايته كانت الاكبر منذ عام 1948 الى جانب ما ساد من شعور باليأس حيث لم يعد هناك امل فى الافق ولا بصيص من ضوء في نهاية النفق المظلم”.

العمليات الاستشهادية نجحت في نقل الرعب لقلوب الاسرائيليين الهجرة لإسرائيل أصبحت مخاطرة و الخروج منها بمثابة طوق نجاة

الهروب من إسرائيل

واذا كان البعض يرى في كتابات الصحف مجرد جمل انشائية لا تخلو من رؤية كاتبها الشخصية او اتجاه الصحيفة نفسها ، فان الاحصائيات والارقام تبدو هي الدليل الاكثر وضوحا على ما وصل اليه الاسرائيليون من تفكك ويأس في ظل حكومة شارون ، حيث كشف تقرير صادر عن الجيش الاسرائيلي ان عدد الفارين من الخدمة في الجيش سجل ارتفاعا قدره 13 % خلال عام 2001 مقارنة بعام 2000 .

واشار التقرير الى انه جرت خلال عام 2001 محاكمة 11 الفا و200 ضابط وجندي بتهمة الفرار من الخدمة العسكرية مقارنه مع تسعة الاف و700 ضابط وجندي في عام 2000 مشيرا الى ان ارتفاع عدد الفارين كان حادا على وجه الخصوص فى صفوف المجندات وضباط الاحتياط .

واشار التقرير الى ان “الوضع السياسي والامني الصعب الذى تعانيه اسرائيل اسهم الى حد كبير في تعزيز ظاهرة الفرار من الجيش بسبب الخوف من الخدمة في الاراضي الفلسطينية فى ظل الاوضاع الراهنة اضافة الى خطورة الاوضاع الاقتصادية التى يعاني بسببها العديد من الجنود الاسرائيليين من الاحتياطيين والنظاميين على حد سواء “.

اما التقرير الاكثر خطورة فقد اذاعته القناة الثانية بالتليفزيون الاسرائيلي حيث كشف عن اتساع ظاهرة الهجرة المضادة من اسرائيل في أعقاب تردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية منذ اندلاع الانتفاضة ، مشيرا الى ان نحو 4000 اسرائيلي هاجروا العام الماضي الي كندا فضلاً عن آلاف آخرين غادروا الي مختلف أرجاء العالم بحثاً عن الهدوء والمستقبل الأفضل.

ونقل التقرير عن عدد من المهاجرين قولهم انهم ضاقوا ذرعاً بالأوضاع الأمنية المتفاقمة وبتفشي البطالة وانهم قرروا البحث عن مكان يؤويهم ويضمن لهم الأمن الشخصي والاستقرار الاقتصادي، لدرجة ان احد هؤلاء المهاجرون وصف دولة اسرائيل بانه “ليست سوى ظاهرة عابرة “، فيما قال اخر ان حلمه الأول “أن أتمكن من تناول العشاء في مطعم برفقة أسرتي بهدوء ولن أحقق ذلك إلا في الخارج “.

والامر الاكثر خطورة مما جاء في تقرير التليفزيون الاسرائيلي ، هو ما كشف عن يوسي بيلين زعيم المعارضة الاسرائيلية من ان المسئولين الاسرائيليين يبعثون بابنائهم الى الخارج سواء للدراسة او العمل ، وذلك للبعد عن الاحوال المتدهورة في اسرائيل لاطول فترة ممكنة . وبرغم ان بيلين حاول الابتعاد عن التشكيك في وطنية هؤلاء الاباء والابناء ، الا انه ركز على ان الاوضاع في اسرائيل لم تعد مريحة للشريحة العليا في اسرائيل ، حيث يسافر الكثير من ابنائها للدارسة في الخارج وينسون كثيرا العودة .

ولم تقف عواقب سياسة شارون عند فرار اليهود الموجودين في اسرائيل للخارج ، بل ان احصائية نشرتها دائرة الاحصاءات العامة الاسبوع الماضي كشفت عن انخفاض عدد القادمين الجدد الى إسرائيل بنسبة 28% عام 2001 ، حيث لم يصل لاسرائيل خلال ذلك العام سوى 43 الف مهاجر ، مقارنة بـ 76 الف مهاجرا خلال عام 2000 .

لا أمن ولا عمل

وكان فشل شارون الاكبر في المجال الاقتصادي ، حيث مرر الكنيست بصعوبة بالغة الشهر الماضي اسوء ميزانية في تاريخ اسرائيل القصير ، وذلك وسط توقعات رسمية بحدوث عجز في الميزانية ما بين 2 الى 3 % ، ولكن المحللون يتوقعون ارتفاع العجز الى 5 % اذا استمرت الاوضاع الامنية في التدهور .

واضطرت الحكومة في محاولة لتخفيض نسبة العجز المتوقعة الى ضغط النفقات بنحو مليار دولار ، من اجمال الموازنة البالغ قدرها 55 مليار دولار ، خصص منها 47 % لكل من نفقات الامن وخدمة الديون ، في حين تقلصت بشدة المبالغ الموجهة للخدمات ومكافحة الفقر ، مما يعني الدفع باكثر من 32 الف نسمة الى ما تحت خط الفقر ، لينضموا الى 20 % من الاسرائيليين و 50 % من فلسطيني 48 .

وشهدت البطالة في اسرائيل خلال العام الماضي اعلى معدلاتها حيث بلغ حجم القوة العاطلة عن العمل 10 % اي نحو ربع مليون شخص من مجموع القوى العاملة في اسرائيل ، كما انخفض اجمال الناتج الداخلي الاسرائيلي بنسبة 5. % في حين سجل ارتفاعا كبيرا بلغ 6.4 % خلال عام 2000 .

ولا يمكن فصل ارتفاع معدلات البطالة وتخفيض الدعم للفئات الفقيرة عن معدل الجريمة الذي شهد ارتفاعا مطردا خلال العامين الماضيين ، حيث تضاعف مدمنو المخدرات ثلاث مرات خلال تلك الفترة ، وكشفت تقارير الشرطة الاسرائيلية عن قيام 10% من طلاب المدارس الثانوية

والاعدادية بتعاطي المخدرات خلال العام الماضي ، وشكل الشباب نحو 77 % من متعاطي المخدرات ، وهو ما يعكس حالة الضياع واليأس التي يعاني منها الجيل الجديد في اسرائيل .

وازداد عدد حوادث القتل علي أساس جنائي بنسبة 25 في المائة في النصف الأول من العام الماضي، كذلك ازداد عدد اللواتي توجهن الي مراكز المساعدة، بسبب اعتداءات جنسية بنسبة تزيد علي 100 % في عام 2000، ونصفهن فتيات تحت سن 18 عاماً، وازداد عدد الملفات الجنسية الخاصة بالطلاب بنسبة 44 في المئة في عام 2000، وارتفعت حالات الطلاق بنسبة 4.5 في المائة في العام نفسه.

حارب أو تلاش

وفي نبرة نادرا ما توجد في الخطاب الاعلامي الاسرائيلي حذرت صحيفة “هآرتس “من خطورة استمرار “مثل هذا الوضع من التفكك العام سياسيا واجتماعيا، وحيث لا توجد الشجاعة لدى أحد من أطراف القيادة الاسرائيلية للقول ان من الواجب انهاء الاحتلال من دون انتظار الفلسطينيين “، الامر الذي قد يؤدى – حسبما تتوقع الصحيفة – الى “ان تترسخ حركة رفض الخدمة في الضفة الغربية رويدا رويدا، ويندلع عصيان من دافعي الضرائب ضد سياسة الحكومة الاقتصادية ، بينما ينشغل شارون بخوض معركة شخصية ضد عرفات ، تاركا المجتمع الاسرائيلي يتفكك خلال ذلك “.

وكانت صحيفة “معاريف “اكثر وضوحا من هآرتس ، حيث وجهت خطابا مفتوحا الى شارون خيرته فيه بين طريقين لا ثالث لهما “سيدي رئيس الحكومة ، إما ان تحارب ، وإما ان تتلاشى من على منبر الزعامة الوطنية ، لقد وجهت نفس المطلب الى عرفات ، وعلى اساس ذلك انتخبتك الأكثرية الساحقة من الشعب ، وباسم هذا الهدف الاستراتيجي ، كان صرير الاسنان واجتياز بحر من الدموع جديرا ، ولكن في الاسابيع الماضية تبين نهائيا ان صيغة نحن نضربه لكي يقوم هو بضربهم ، لم تنجح ، فهي لم توفر لنا مكسبا ، بل كلفتنادماء كثيرة ، وإرهابا لم يكن له مثيل”.

< مصطفى عبد الجواد <

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>