إشراقة : مبادئ الأحرار ومبادئ الأشرار


لقد ظهر زيف المبادئ والشعارات في أوروبا وأمريكا، الداعية إلى وجوب احترام حقوق الإنسان، وتبين أنها كذب وافتراء، بشهادة هذا السيل من دماء الأبرياء. واتضح أن ما وصل إليه الغرب من تطو ر مادي لا غاية له إلا الهيمنة والتسلط، وبسط النفوذ.

أما ما يلاحظه المقيم في أوروبا وأمريكا من حسن الخلق، ولين الجانب، فهذا أمر تصنعه كل أمة في حالة السلم، أما حسن الخلق، والرحمة بالنساء والأطفال والعجزة في حالة الحرب، فهذا ما لا تستطيعه أمم الغرب، وهو ما حققته أمتنا العظيمة بشهادة التاريخ.

إن أول ما يؤكده الإسلام هو حرمة الإعتداء في الحرب. قال تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين}.

وفي غزوة أحد شج وجه النبي صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته، فسالت الدماء الطاهرة على الوجه الشريف فقال له الناس: لو دعوت عليهم يا رسول الله فقال لهم: “إنني بعثت داعية  ورحمة ولم أبعث لعانا، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون”. هكذا يسجل النبي صلى الله عليه وسلم  حقيقة مبادئنا  على أر ض الواقع، إذ المبادئ لا تكفي  وحدها للدليل على شهامة الأمة  وإنسانيتها، ولكن ما تتعامل به هذه الأمم مع غيرها هو المجهر الذي يظهر الصدق من الكذب.

وفي نفس المعركة قتل حمزة الأسد رضي الله عنه،  وبطل المسلمين، قله وحشي بتآمر مع هند زوجة أبي سفيان، فمثلت بسيدنا حمزة، فأخرجت قلبه من صدره فمضغته للتشفي في رسول اللهصلى الله عليه وسلم، والمبالغة في النكاية بالمسلمين. وأسلمت هند ووحشي، فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن استغفر لهما وقبل إسلامهما، وعندما انتصر النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح، وقف أمام قريش، وهم الذين طردوه،  وأخرجوه، و عذبوه، أكثر من عشرين سنة فقال لهم صلى الله عليه وسلم : ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا خيرا: أخ كريم وابن أخ كريم، فقال لهم: اليوم أقول لكم ما قال أخي يوسف من قبل: لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم وهو  أ رحم الراحمين. اذهبوا فأنتم طلقاء. فأين هي مبادئ الغرب في حقوق الإنسان مع الضعيف والمغلوب، أم هي تغطية وتعمية عند  دول الاستعمار والاستكبار للوصول إلى جنونهم وأغراضهم، عن طريق الدمار والخراب، وحسبنا في هذا أمريكا نموذجا لما تقوم به من إرهاب،  وتدعيم لحليفتها إسرائيل التي تقتل الآلاف من الأبرياء، وتدمر العشرات من المدن والقرى على رؤوس أصحابها فتذرها قاعا   صفصفا لا ترى فيها حركة ولا حياة.

إن الحملة الصليبية الثانية على بيت المقدس سجلت قتل الآلاف من المسلمين بسيوف الصليبيين، وقد ذبح داخل المسجد سبعين ألفا معظمهم من الشيوخ والنساء والأطفال. بعد هذا الإجرام بتسعين سنة دخل السلطان صلاح الدين فاتحا بيت المقدس،ومنتصرا على الصليبيين، فيا لروعة المبادئ وسمو الأخلاق التي ظهرت من المنتصرين، لقد أمن صلاح الدين النصارى على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، ومن أراد منهم النزوح من بيت المقدس وفر له الحماية والأمان، وتقدمت إليه جماعة من النساء فجعلن يبكين، ويتوسلن إليه قائلات إنهن زوجات ولهن صبيان صغار، ولا من يقوم بكفالتهم والنفقة عليهم وإن أزواجهن في الأسر فجعلن يبكين، فلما رآهن يبكين بكى معهن وأمر بإطلاق سراح من في الأسر من أزواجهن، أما النساء اللواتي مات أزواجهن، فمنحهن  أموالا فرجعن يلهجن بالثناء عليه، هكذا تعامل صلاح الدين مع الصليبيين، وبعض النصارى تركوا بيت المقدس إلى أنطاكية، فأبى أميرها الصليبي قبولهم، فهاموا على وجوههم في الصحارى حتى آواهم المسلمون، وجاءت امرأة إلى خيمة صلاح الدين فشكت إليه أن ابنها أخذه جنود المسلمين فجعلت تبكي فبكى صلاح الدين  لبكائها وأمر بإرجاع إبنها إليها. وهذا غيض من فيض وإلا فالوقائع التاريخية التي تشهد على تحققنا بمبادئنا مع عدونا أكثر من أن تحصر.

<  عبد الحميد صدوق

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>