الإشهار وتحقير المرأة


في صورة حقوق الإنسان، والمناداة بالمساواة بين الرجل والمرأة، تقام الأرض ولا تقعد في بقاع العالم كلها، فمؤتمرات هنا، ومسيرات هناك، تندد بجبروت الرجل وطغيانه، وتستعدي عليه كل المنظمات أصفرها وأحمرها، يفاجأ المرء بمشاهد تدمي القلب، وتقرح العين، مشاهد تهان فيها المرأة إهانة مشينة، لا تراعى فيها كرامتها التي هي لب إنسانيتها. هذه المشاهد التي تجلد الإنسان حيثما اتجه، وتحاول أن تقتل فيه سؤر إنسانيته، إن كانت هناك من بقية، ولا سيما في إعلامنا المرئي الذي يقتات من دمائنا، ومن عيوننا، وصار شرا لابد منه.

يستلقي الواحد منا في كرسيه نافضا عنه غبار يوم من العناء، ويؤم تلفازه لفتح نافذة على العالم، تخرجه من اليومي الرتيب، فإذا به يفتح بابا من الإشهار، لا طول له ولا عرض، يذيقه فنونا من الهذر، وألوانا من الإسفاف، وضروبا من الاستخفاف بالمشاهد، وطعنا في كرامته وإنسانيته. إشهار يقوم ابتداء وانتهاء على جسد المرأة، من أصغر منتوج إلى أكبره، فقد برع المخرجون في تشكيل هذا الجسد، وإبراز منعرجاته وتضاريسه، وفق السلعة المراد ترويجها، إخراج يهيج في المشاهد كوامن الشهوة، ويثير فيه رغبة الاستهلاك ويبلغ العهر ذروته حين تبدو المرأة في مشهد أقل من السلعة التي تشهرها.

فأي قيمة للمرأة إذا اختزلت في غرامات من جسدها، بل إذا صارت هذه الغرامات أقل قيمة من منتوج السيارات، أو منتوج عصير برتقال.

فجمال المرأة لا يشفع لها عند الرجال حين يرون بريق ذلك الكائن الحديدي وهو يدب على أربع، فقد ظنت المسكينة وهي محصنة في سيارتها، وقد شع بهاؤها من النافذة أن الأنظار موجهة إليها، تعلقا وانبهارا، ومن باب التأثير والإثارة تخرج من سيارتها لتكشف عن مفاتن جسدها، لكنها تفاجأ بالأنظار تتحول عنها اتجاه السيارة.

والأبشع من هذا المشهد حين تصير روح المرأة أقل من رشفة عصير، فها هي الحسناء في لباس السباحة، مع فارس أحلامها في مركب وسط البحر، وأمامه علبة عصير وكأس، وإذا بقرش كبير يصدم المركب، فتقع الفتاة، والعصير في البحر، فيلقي الرجل بنفسه إثرهما، يتبادر إلى الذهن أولا من أجل إنقاذ الحسناء، لكنه يصعد أولا بعلبة العصير، ويضرب رأسه تندما، ويغطس ثانية لا لإنقاذ الحسناء، ولكن لإنقاذ الكأس، ولم يبال بالحسناء، التي تبدو من جديد فوق المركب بقدها القويم وهي تبتسم للبطل.

فأي احتقار أبشع من هذا الاحتقار حين توضع المرأة في مرتبة أدنى من الأشياء، جسدا وروحا، إنه استخفاف بالقيم الإنسانية التي دعت لها كل الشرائع السماوية، وأقرتها كل الدساتير العالمية، وجاهد من أجلها الإنسان ذكرا وأنثى، لأن كرامة الرجل من كرامة المرأة، والعكس صحيح، فهي الأم، والزوجة، والبنت، والإنسان جملة وتفصيلا.

والعجب العجاب أن أولئك الذين يرون أنفسهم أوصياء على المرأة ويتبجحون بنصرتها، لا يحركون ساكنا أمام هذه المهازل، ولا يرفعون عقيرتهم بتهديد ولا بتنديد، إلا حين تعلو الأصوات الطاهرة بتكريم المرأة كما كرمها خالقها، وصانها بشرعه، وهدي نبيه محمد عليه السلام، وقد صدق الصادق المصدوق حين قال : “إذا لم تستحي فاصنع ما شئت”.

< ذ. الحسن محب

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>