مع كتاب الله عز وجل  تفسير سورة التغابن 15 {والله عليم بذات الصدور }


الإيمان اعتقاد وقول وعمل،

ولا دين لمن لا عمل له بأوامره

ما أراده الإسلام أن يكون مزيد رقابة، وسبباً في الخير جعله المنافقون سبباً لكل شر، بمعنى أن الإنسان من الناحية الظاهرية ليس مهماً بمعنى أن الإيمان في القلب ويكفي ذلك، هذا كلام باطل، ليس المراد من هذه الآية أن الله يعلم ما في القلوب بمعنى أن الأشياء كلها تفوض إلى الداخل، وأن كل شيء يحال إلى القلب.

إذا كان الله يعلم ما في القلوب فإنه سبحانه أمر أن يكون الظاهر مطابقا لما في القلوب، فأمر أن يكون الظاهر معبراً عما في القلوب فالمرأة المؤمنة ينكشف ايمانها بحجابها، ومن خلال صلاتها وصيامها. إذا كنا نكتفي بالإيمان التجريدي فلماذا نقيم الحدود على الذين يجْنُون ويرتكبون الجرائم مادام الإيمان في قلوبهم؟؟ سنلغي الإسلام وهذا ما يريده الباطنية الآن، هو أن يعطونا فهما جديدا للاسلام يحيل كل شيء على القلوب وعلى النفوس، ويجْعَل الناس في حلٍّ ليصنفوا أنفسهم كما يشاؤون يمينا أو يسارا.

إن الإيمان له مظهر خارجي، وبموجبه يجب أن نتعامل مع الناس، نحن ليس لنا طريقة لنفتش في قلوب الناس، وليس لنا وسيلة إلى ذلك، إذا كان الله تعالى يعلم ذلك فهو في علمه وهو القادر أن يعلم إذا كان هذا مؤمنا وذاك كافراً، لكن نحن بحكم أننا بشر ليس لنا من علاقة مع الآخر إلا بالظاهر، وأُمِرْنا نحن أن نحكم بالظاهر والله هو الذي يتولى السرائر، فلماذا يريدون أن يحصروا الإسلام وحده في القلب، مع أن كل المذاهب والنظم والأحزاب تتعامل مع الظاهر، فهل يقنع أي حزب من الإنسان بالانتماء إليه قلبيا فقط بدون عمل ملموس يدل على الإخلاص لذلك الحزب؟

اعطوا الإسلام فرصة ومتسعا ليعبِّر، إن الإيمان عند العلماء جميعهم حتى الذين قالوا أن الإيمان هو في القلب، قالوا نعم إن الإيمان هو عَمَلُ القلب، ولكن الله نَصَبَ عليه شاهداً في حالة الوجود أو العَدَم، أي الإيمان في القلب ولكن له شاهد يشهد بوجوده، وشاهد يشهد بعدمه، فأما الذي يشهد بوجوده فهو الشهادتان : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، بالنطق بها يدخل الكافر في الإسلام، أما الذي لم تواته الفرصة ليُعْلن عن إسلامه وبَقِي كذلك حتى مات مع من يُدْفَن هذا مع الشيوعيين أو مع المسلمين؟ مع الشيوعيين لأنه لا أحد يعرف بايمانه، فإذا أراد أن يتزوج مسلمة فهل تزوِّجُه أم لا؟ طبعا، لا، لأنه لم يُعْلِن عن إيمانه لأن الشيوعية كُفرٌ، وليست نظرية اقتصادية فقط لأن الشيوعية في مضمونها شيء يناقض الإسلام، يناقض العقيدة الإسلامية.

العمل هو برهان الإيمان وعلى أساسه نتعامل

إذن إن الإيمان وإن كان قارا في النفس فإن له شواهد في حالة وجوده أو عدمه، في حالة وجوده هي النطق بالشهادتين والعمل بمقتضاهما، وفي حالة عدمه أن ترى انسانا يسجد لصنم، أو يمزق المصحف وبذلك تعلم أنه ليس مؤمنا، وإن لم يقل ذلك فهو كافر. إذن لا نحيل على القلوب لأن ذلك من اختصاص الله وحده. إن هذا الإسلام له مظهره وله سلوك يجب أن يتميز به سجودك لله وصلاتك، صيامك، ابتعادك عن المحرمات، وحجاب المسلمة.

ويروى بهذا الصدد ما وقع في حياة الرسول صلى عليه وسلم فقد كانت مجموعة من الناس تخفي إيمانها منهم العباس الذي كانت عنده مواقف ايجابية مع رسول الله، وحضر معه بيعة العقبة الثانية ولكنه بقي في مكة وخرجت قريش في معركة بدر، وخرج معها وحمل معها السيف، وانهزمت قريش وانهزم معها ووقع في الأسر وأتي به إلى رسول الله صلى عليه وسلم، وأراد أن يظهر أن في قلبه شيئا آخر حينما وقف بين يدي رسول الله صلى عليه وسلم قال حرجتُ مُكرَها وكنت اضمر الإيمان، فأنت تعلم أنني أحبك، وأني أضمر الإيمان وأخفيه حتى لا أظهره لقريش، قال صلى عليه وسلم : ولكن ظاهِرك كان علينا، أي الظاهر كان ضد الإسلام.

ايمانك متجل في سلوكك، فالصلاة علامة الإيمان، والحجاب عند المرأة علامة الإيمان، واخلاص الإنسان في العبادة علامة الإيمان، وتمسك الإنسان بهذا الدين علامة الإيمان. ولا يجب أن يكون الإنسان متأرجحا بين هذا وذاك. المسلم يُرَى في المساجد، {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر}(التوبة)، والذين يقولون انهم لا يصلون في المسجد لأن فيها المنافقين هم كاذبون ولا يجب أن يُحْسَبُوا مع المؤمنين.

الإيمان في القلب فكرة باطنية تريد تمييع الإسلام وجَعْله مجرّد تموُّجاتٍ ذهنية

وخيالات فلسفية

هذه الفكرة التي تحيل الإيمان على القلب فكرة ليست صحيحة إنها فكرة باطنية تريد أن تمنع الإسلام عن الظهور، بلْ تريد أن تجعله فلسفةً وتموُّجاتٍ في الذهن، الإسلام أكبر من أن يكون مجرد أفكار وخيالات، الإسلام عقيدة وشريعة، عقيدة في القلب، وشريعة لا تظهر إلا بالعمل، سواء في نطاق العبادة، أو في نطاق الحكم، أو في نطاق التعامل الاقتصادي والتجاري والاجتماعي، فله الحقيقة الكاملة بنفس الإنسان وهو الإيمان، وله المظهر الذي يجب على المسلم أن يتميز به، وأن يتعامل بموجبه فالإسلام هو القيام بشعائر الدين فلمن نشهد بالفضل؟ لا نشهد بالفضل إلا لمن رأينا منه الفضل، فإذا رأينا رجلا يعتاد على المساجد فلنشهد له بالإيمان، فالشهادة له بالإيمان هي بموجب شيء فعله فلولا ايمانُه الشديد الذي قام في نفسه ما استطاع أن يضحي بأشياء كثيرة ويلازم المساجد، والمفرطون في المساجد الذين لا يصلون إلا فيالمناسبات كالجمعة أو الأعياد أولائك مفرطون في الإيمان كذلك ونحن نشهد بالتفريط بموجب تركِهم الذهاب للصلاة بالمساجد فأولائك بانصرافهم عن المساجد يعبرون عن ضعف الإيمان في قلوبهم، عن ضعف رغبتهم في الآخرة، عن عدم ثقتهم بفضل الله تعالى.

د. مصطفى بنحمزة

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>