آيات ومواقف : لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون


قال تعالى : {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم}(آل عمران : 91- 92).

للأمة ركيزتان أساسيتان تقوم عليهما، هما العلم والمال، ولذلك حض الإسلام على التعلم والتعليم، والبذل والإنفاق في آيات كثيرة، وأحاديث عديدة، وفي الصحيح يقول النبي صلى عليه وسلم : >لاحسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار.. ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحق…<، فالأمة التي تتعلم وتنفق المال على العلم بلا حساب، أمة تبحث عن السيادة والريادة، ولابد أن يكون لها ذلك.

وقد كان هذا شأن أمتنا الإسلامية، فسادت الأمم، وقادت العالم، فقد كانت هذه الأمة -التي تعرف في قرآنها أن عدم الإنفاق يؤدي إلى التهلكة أو هو التهلكة نفسها في الدنيا والآخرة- تنفق كرائم أموالها على العلم والتعلم، وتحبس على ذلك أخصب الأراضي، وأفخر الدور، وأغلى الحوانيت، وأعز الجنان.. وها هو ذا جامع القرويين العامر وما حبس على التعليم فيه في الشرق والغرب والشمال والجنوب ينطق بذلك.. بل إن أهل هذا البلد كانوا إلى عهد قريب -وما زالت فيهم بقية بارك الله فيها- يقاسمون الراغبين في حفظ كتاب الله تعالى وتعلم علومه رغيف الخبز الذي يكابدون المشاق والصعاب في تحصيله، وحُبّا في كتاب الله، ورغبة في نشر العلم، وقد رأينا منهم في ذلك العجب العجاب!

لقد عرف أسلافنا رحمهم الله قيمة إنفاق المال في سبيل الله، وأدركوا ثواب ذلك عند الله فلم يتوانوا في بذله وانفاقه، فكان من أمر الأمة ما كان، وها هي ذي الأمة اليوم أحوج ما تكون إلى من ينفق ماله من أجل تأسيس معاهد العلم الحق، وبناء الحصون الثقافية اللازمة لصد هجمة التغريب والتخريب التي تجتاح بلاد الإسلام عبر قنوات متعددة : الإعلام والتعليم…

وفي ظل هذا الوضع الذي توجد عليه الأمة لا أجد بعد الالتجاء إلى الله تعالى إلا دعوة من استخلفهم الله تعالى في الأموال، وابتلاهم بها، ليعلم المحسن من المسيء إلى إنفاق وبذل أعز أموالهم تلك إليهم، وأحبها إلى قلوبهم نصرة لدينهم وأمتهم، فقد قال تعالى : {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} وقد كانت لبعض صالحي هذه الأمة من الصحابة وغيرهم وقفات خاصة مع هذه الآية الكريمة، منها :

1- موقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه :

أ- في الصحيحين أنه جاء إلى النبي صلى عليه وسلم فقال : >يا رسول الله : لم أصب مالا قط هو أنفس عندي من سهمي الذي هو بخيبر فما تأمرني به؟ قال : حبّس الأصل، وسبّل الثمرة<.

ب- عن مجاهد قال : كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري أن يبتاع (يشتري) له جارية من سبي جلولاء يوم فتح مدائن كسرى، فدعا بها عمر فأعجبته، فقال : إن الله عز وجل يقول : {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} فأعتقها عمر<(الجامع لأحكام القرآن : 133/4).

2- موقف أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه :

عن أنس رضي الله عنه قال : >كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا من نخل، وكان أحب أمواله إليه بَيْرُحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، قال أنس : فلما نزلت هذه الآية : {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى عليه وسلم فقال : يارسول الله إن الله تبارك وتعالى يقول : {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث شئت، فقال رسول الله صلى عليه وسلم : بخ، ذلك مال رابح<(أخرجه الأئمة وهذا النص للإمام مالك في الموطأ).

3- موقف زيد بن حارثة رضي الله عنه :

قال القرطبي : >عمد -أي زيد- مما يحب إلى فرس يقال له سَبَل وقال : اللهم إنك تعلم أنه ليس في مالي أحب إلي من فرسي هذه، فجاء بها إلى النبي صلى عليه وسلم فقال : هذا في سبيل الله<(الجامع لأحكام القرآن : 133/4).

4- موقف عبد الله بن عمر رضي الله عنهما :

قال القرطبي : >أعتق عبد الله بن عمر نافعا مولاه، وكان أعطاه فيه عبد الله بن جعفر ألف دينار، قالت صفية بنت أبي عبيد : أظنه تأول قول الله عز وجل : {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}<(المصدر السابق).

5- موقف عمر بن عبد العزيز رحمه الله :

روي عنه أنه كان يشتري أعدالا من سكر، ويتصدق بها فقيل له : هلا تصدقت بقيمتها؟ فقال : إن السكر أحب إلي فأردت أن أنفق مما أحب<(المصدر السابق).

6- موقف الربيع بن الخيثم رحمه الله :

روي عن أم ولد الربيع بن الخيثم قالت : كان إذا جاءه السائل يقول لي : يا فلانة، أعطي السائل سكرا فإن الربيع يحب السكر، قال سفيان (وهو الراوي عن أم ولد الربيع) : يتأول قوله عز وجل {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}<(المصدر السابق).

فأين من ينفق في زماننا مما يحب؟ وقد أصبح الإنفاق في سبيل الله إرهابا! وبذل المال لمن يستحقونه جريمة عالمية؟!

امحمد العمراوي (مدير مجلة رسالة المعاهد)

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>