مساجد الأحياء الجديدة بفاس بين أماني المحسنين وصفاقة المتسلطين


يلاحظ كثير من الناس أن بناء المساجد في الأحياء الجديدة لا ينهض به إلا المحسنون ودعاة الخير، ويتحمل المتطوعون -الذين يشرفون على هذا العمل منذ أول خطوة إلى آخر لمسة- متاعب وصعوبات كبيرة، يخفف من قساوتها القصد الشريف وطلب الثواب من الله عز وجل.

وما إن تستوي هاته المساجد وتتهيأ لجموع المصلين حتى يشرع القائمون بالمسجد في البحث عن المنظف والمؤذن والإمام والخطيب. هاته المهام -على اختلاف مستوياتها- تحتاج إلى وضع معايير موضوعية لاختيار الأنسب والأصلح، وهذه المرحلة هي الأصعب والأخطر في إعمار المسجد وأداء رسالته. وهنا تتدخل العواطف والتوصيات والأحلاف والعصبيات، وكثيرا ما ينتهي الاختيار بسبب تأثير هذه العوامل إلى كوارث وخطوب.

وسأقتصر في تحليل هذه الظاهرة على الخطباء في أغلب الأحياء الجديدة بمدينة فاس.

ويمكن تصنيف هؤلاء الذين استمعت إليهم أكثر من مرة كالتالي :

1- خطيب جيد له مؤهلات علمية وتربوية، يجدد إيمان المصلين، ويسمو بهم في ظل الدين نحو الكمال الإنساني، وهذا النموذج قليل جدا.

2- خطيب يمتلك بعض المؤهلات العلمية، ولكنه لا يمتلك أسلوباً مناسباً للتبليغ والإقناع، فيكرر المكرور، ويطحن المطحون فلا علم يفوح، ولا نوم يروح، وهذا النموذج أكثر من سابقه.

3- خطيب لا يمتلك علما ولا أسلوباً، يقرأ سطراً و(يجْدِبُ) دهراً، حتى تقول : ليته سكت، ترغب في الخروج من المسجد وتخشى الناس، هو خَطْبٌ في المسجد لا خطيب، وهذا النموذج هو السائد الشائع، حتى إن سكان الأحياء يتنقلون أيام الجُمع بحثاً عن خطيب يرتاحون إليه، وكثيراً ما تفشل مساعيهم، فالخطباء كإبل مائة لا تكاد تجد بَيْنَها راحلة.

فما هي أسباب فشل هؤلاء الخطباء في أداء رسالتهم؟ ومن المسؤول عن تصحيح هذا المسار؟ وكيف؟

يعود سبب فشل كثير من الخطباء إلى عدم ضبط معايير الانتقاء من طرف الجهة المسؤولة عن تعيين الخطباء، والمعايير المعتمدة إلى الآن هي الشهادات الجامعية أو إجراء (اختبار) لا يكشف حقيقة، ولا يبين عن منهج أو طريقة. والخطابة فن له أصوله وقواعده وأدواته، الخطابة فن القول؛ يخاطب الوجدان، ويقنع المخاطب ويؤثر فيه فيوجهه إلى المسار الذي يريد، ولذلك لا يكفي العلم وحده للنجاح في هذه المهمة، ولايصلح المترسل وصاحب إنشاء ليعلو منبر الجمعة فيلغو، ويضيع أعمال الناس.

والأدهى والأمر أن الخطيب عندما تسند إليه هذه المهمة يعتقد أنه أعلم الناس وأصلح العباد، فلا يسأل أحداً نصيحة فيما يقدم للناس، وإن تطوع أحد فنصحه أو عبر عن وجهة نظره اتهمه بالحسد والجهل وقلة الأدب، وهكذا ينتفخ مع توالي الأيام، وتترسخ أقدامه على عتبات المنبر، فلا تزحزحه الشكاوى، ولا تؤثر فيه دعوات الغاضبين الرافضين.

ومن الظواهر المفجعة أن يتغيب بعض الخطباء فينيبون عنهم من يتولى مهامهم، ويلجأ النائب إلى نائب آخر، وهكذا يصبح المسجد مؤسسة لتجارب الخطباء الفاشلين.

وفي أحد المساجد عجز الخطيب عن أداء مهمته -منذ سنوات- بسبب مرض قاهر، وما يزال هذا الخطيب ماسكاً برقبة المنبر، فيغير نوابه كما يغير ملابسه، ولله في خلقه شؤون!

وأعتقد أن علاج هذا الخطب يوجب على نظار الأوقاف ورؤساء المجالس العلمية الجهوية أن يعيدوا النظر في معايير الترشيح لمهام الإمامة والخطابة بالمسجد، يجتاز فيها المترشحون مباراة جهوية مقننة بها مواد كتابية وأخرى شفوية، وأن تكون التعيينات مؤقتة لفترة زمنية معقولة يتم فيها تتبع وتقويم أعمال المعينين الجدد من طرف لجنة علمية تقدم تقارير مفصلة منفردة أمام لجنة عليا تقرر الإقرار أو الإعفاء.

وعملية التتبع والتقويم ينبغي أن تكون دائمة ومستمرة لجميع أطر المسجد لأن هذا الأمر دين، والدين لا يقوم به إلا الأقوياء الأمناء.

كما يوجب على المجالس العلمية ووزارة الأوقاف أن تتبنى مبدأ التكوين المستمر، فتهيء دورات للخطباء، وأخرى للأئمة، وغيْرها لفئات أخرى لها صلة بالمساجد، وأن يتولى تنظيم هذه الدورات والإشراف عليها وإنجازها أصحاب الكفاءات العلمية بالإضافة إلى الصلاح والتقوى، وليس اللاهثون وراء المال واللقب والجاه.

وعلى الوزارة بعد هذا أن تتبنى -مستقبلا- نظام التعاقد مع الراغبين في شغل المناصب الفارغة، من أجل استمرار الأداء الجيد على غِرَارِ ماهو معروف في مساجد البادية المغربية (نظام المشارطة).

فل تستيقظ الجهات المسؤولة عن رسالة المسجد، وتبعث فيها الحياة لتنفع البلاد والعباد؟!

<  محمد المرنيسي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>