4- خصوصيات المنظومة
الاقتصادية الاسلامية
إذا كان الفكر الوضعي يستمد مقوماته من أًصول خلقها العقل الذي يمارس دور مصدر المعرفة، فإن الفكر الاسلامي عموماً يستمد مقوماته من أصول ثابتة وموضوعية، أي أن لها وجوداً خارج وعي الانسان. وفي هذا الصدد يمارس العقل دوره كأداة وليس كمصدر للمعرفة. وبالضبط فإن المحنة الحقيقية للفكر الوضعي تكمن في اعتبار العقل مصدراً للمعرفة، وليس كأداة لاكتساب المعرفة عبر الكشف عن الحقائق الموجودة خارجه وباستقلالية عنه، لهذا السبب أنشأ الفكر الوضعي أوهاماً وأفكاراً كانت وبالا على البشرية في أكثر من فترة على امتداد التاريخ.
وانطلاقاً من هذه الأوهام والأفكار أقام علماء الاقتصاد الوضعي نموذجاً للانسان الاقتصادي، وهو النموذج الذي تحركه دوافع اللذة ولا يتقيد في سلوكه بالقيم الدينية والاخلاقية.
وعلى النقيض من الفكر الوضعي يتسمد الفكر الاسلامي مقوماته من أصول ثابتة ومن اعتبار العقل كأداة لاكتساب المعرفة والمساهمة في توسيع مداها للبشرية جمعاء. كما أن الأصول لا تناقض العلم بأي حال من الأحوال، لأن هناك تكاملاً بين قوانين الانسان وقوانين الكون مادام الانسان والكون يكوّنان معاً نظاماً كونياً واحداً مصدرهما واحد هو الخالق : الله.
فالإسلام لا يعتبر الانسان نسقاً بيولوجياً أو سيكولوجياً فقط وإنّما يتجاوز ذلك ويعتبره متعدد الأبعاد، إنه كذلك نسق ادراكي ونسق روحي، وهذان النسقان لا ينفصلان عن النسق الاجتماعي والنسق البيئي الطبيعي.
إن الإنسان في نظر الإسلام نسق كلّي يتكوّن من كلّ تلك الأنساق متداخلة فيما بينها. وهذا ما فتِئت تثبته مختلف البحوث العلمية اليقينية في أكثر من مجال وميدان.
وبذلك فإن المنظومة الاقتصادية الاسلامية تأخذ الانسان على حقيقته، حيث تعنى بمختلف مكوّناته في ترابطها، سواء الانساق البيولوجية والسيكولوجية والادراكية والروحية والاجتماعية والبيئية. إن النموذج المرجعي للاسنان في نظر المنطومة الاقتصادية الاسلامية هو نموذج ذي الأبعاد المتعددة مادام له وجود خارج الوعي الانساني وليس هو نتاج للعقل كما هو الحال بالنسبة للفكر الوضعي وبالتالي لمختلف المنطومات الاقتصادية الوضعية.
واعتباراً لهذا النموذج المتعدد الأبعاد فإن المنظومة الاقتصادية الاسلامية تأخذ بعين الاعتبار مختلف الجوانب والمكوّنات البيولوجية والسيكولوجية والادراكية -العقلية والروحية- الايمانية والاجتماعية والبيئية، لذلك فإن لهذه المنظومة مفاهيم خصاة بها عن التوازن وعن المنفعة وعن السلعة وعن الاستهلاك والاستثمار والانتاج والنمو والملكية وترشيد الاقتصاد.. لذا فإن محتوى المفاهيم الاقتصادية الاسلامية تختلف في الجوهر عن محتوى ومضامين المفاهيم الوضعية.
فإذا كان مثلاً التوازن في مفهوم الفكر الوضعي يُعتبر في جوهره مادياً، حيث أن المستهلك يحقق توازناً عند تحقيقه لأقصى منفعة أو أعلى درجة من الاشباع يسمح بها دخله، والمنتج يحقق توازناً بتحقيقه لأقصى ربح مادي، والاقتصاد الوطني يحقق توازناً حين تحقيق المعادلة بين الاستثمار والادّخار.. وكل هذه التوازنات هي توازنات مادية ذات بُعد واحد… فإن المنظومة الاقتصادية الاسلامية تهتم بتوازن يتجاوز البعد المادي لتأخذ بعين الاعتبار مختلف الأبعاد الأخرى، حيث أنها تعنى بتوازن سلوك المستهلك وتوازن سلوك المنتج وتوازن الفاعلين الاققتصاديين وتوازن سلوكات وحدات النسيج الاقتصادي الوطني.
إدريس ولد القابلة