شهادة د. عبد السلام الهراس : الأستاذ أنور الجندي المفكر الزاهد


لأخي الأستاذ أنور خلال وفضائل كثيرة منها حرصه الشديد على التواصل والتعارف بمن يراه أهلا لذلك. وقد اشترك معنا في (دعوة الحق) يوم كان ينشر فيها علماء أجلاء بالداخل والخارج. وكان يقرأ مقالاتي، كما عرف عني الكثير عن طريق مالك بن نبي واخواننا الملازمين له وعلى رأسهم ا لأخ الأستاذ عمر كامل مسقاوي، ولعلي مازلت أحتفظ ببعض رسائله إليّ يحثني مراراً أن أرسل إليه ترجمة مفصلة عن حياتي وعن انتاجي فلم أجبه إلى ذلك لأني استحييت من نفسي أن أكون في المكانة التي وضعني فيها أخي أنور، فلا شخصي ولا إنتاجي بالأهمية التي يظنها أخي أنور.

وشاء الله أن التقي بأخي أنور الجندي في منى في حج سنة 1974/1394 وما أنسى ولن أنسى المصادفة السعيدة التي جمعتني وإياه.. فقد جلس بجانبي بمبنى الرابطة،بمنًي وما كنت أعرفه وما كان يعرفني إلا من خلال الصورة المنشورة هنا أو هناك.. وكأن قوى روحية جعلته يلتفت إليّ ويقول لي : ألست فلانا، فأجبته بلى وأنت ألست الأستاذ أنور؟ ولا تسل عن اللحظة الروحية العظيمة.

إن لقاءنا أىام الحج سنة 1394هـ كان تجديداً لعلاقتنا السابقة وقد أكرمنا الله بالتلاقي في بعض الملتقيات والمؤتمرات في كلٍّ من الجزائر والسعودية..

ومن أهم ما أفادني به أخي الأستاذ أنور أنه في كتاباته يحاول ألاّ يكرر ما يقوله الآخرون ويعتمد كثيراً في مقالاته ومؤلفاته على مؤلفات ومقالات وأبحاث يهملها الكتاب والمفكرون فهو ينبهنا إلى أن المجلات و الجرائر القديمة تحتوي على كنوز ثمينة في دراستنا لمعرفة المؤامرات الصليبية واليهودية والاستعمارية وأفكار العملاء المستخدمين لمحاربة الاسلام وأوطانه ودراسة الأفعال وردود أفعال المصلحين والمتحمسين للإسلام.. إن هذه المصادر والمراجع ميسرة وسهل الاتصال بها والاطلاع عليها ولكن الكل -كما يقول- لا يتيح للكثيرين الاستفادة منها.

يقول إن العودة إلى الصحافة أو بعضال مطبوعات القديمة المهملة يزود الكاتب بمعلومات نفيسة نحن في أمس الحاجة إليها وهي تفسر لنا كثيراً من المظاهر التي يخيل لنا أنها جديدة في حين نراهابفضل تلك المصادر والمراجع ذات جذور حديثة تبين لنا حقائق مذهلة.

وآخر مرة قمت بزيارته بالقاهرة اكتشفت في الرجل مازادني تقديراً له فهو رجل زاهد كثير التواضع وايثار الحياة البسيطة، وكنت أظن أنني سأجد الرجل في بيت فاخر وفي حي راق بالقاهرة ولكنه رحمه الله كان يسكن بيت الزهاد العابدين كأنما هو رباط متواضع وبسيط، وقد عرفت بعض أسباب ذلك فالرجل كما رأيت وسمعت وشاهدت لم يكن يؤلف من أجل المال والجاه وإنما كان يكتب للجهاد في سبيل الله وإخلاصاً لله وتبرؤاً حتى من شبهة المال.

فقد أكبّ عليه أخي الحاج حسن بن الشيخ المصلح أحمد عاشور وصار بكلمه خاص بينهما وبعد برهة يسيرة عاد الأخ الحاج حسن عاشور إلى مكانه في المجلس ثم استأذناه للوداع فقام الرجل بشوشاً مسروراً ومتأثرا يودعنا مثلما استقبلنا رحمه الله وأثناء توجهنا إلى سيارتنا خلال عودتنا من هذه الزيارة حكى لي أخي الحاج حسن عاشور أن استاذنا أنور الجندي يرفض دائماً أن يتقاضى ما يستحقه من نشر كتبه في دار الاعتصام لأخي الحاج حسن، وكلّما همّ بأن يقدم له مستحقاته من كتبه يرفض تسلمّ ذلك ويقول له : أضف حقوقي المادية في طبع كتب أخرى ولذلك جعل الله البركة في مؤلفات أخينا أنو الجندي فراجت رواجاً مشهوراً رحمه الله رحمة واسعة.

وهذا يذكرني بالرسالة الأخيرة النادرة التي أرسلها إليّ أخي الحبيب اللواء الركن محمود شيت خطاب يخبرنا فيها بما يعاني من خصاص وهو الذي تصدق بريع مؤلفاته على الفلسطنيين وكانت منظمة التحرير أو فتح هي التي تستفيد من مؤلفات أخينا الكبير محمود خطاب.

لقد مات الرجلان فقيرين ولكنهما عاشا غنيين بزهدهما وإيثارهما وصدقاتهما وعزتهما وأنفتهما.

فجزاهما الله عنا خير الجزاء وتقبل سبحانه وتعالى ما قدما لهذه الأمة من أعمال جليلة وأفكار عظيمة وحسنات فكرية صادقة.

وإن الأمة التي يوجد فيها أمثال هذين الرجلين الكريمين الزاهدين المخلصين لهي أمة خالدة مكتوب لها النصر والفوز والفلاح بالرغم مما يعترض سبيلها من أخطار ومؤامرات ومعوقات. {وإن جندنا لهم الغالبون}.

شهادة د. عبد السلام الهراس

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>